شوارع إيران تتغيّر: الإسلامبولي والشيخ كشك.. بعد النمر؟

2023-04-16

شوارع إيران تتغيّر: الإسلامبولي والشيخ كشك.. بعد النمر؟

قد لا تكون إزالة اللوحة، التي تحمل اسم نمر النمر عن مدخل الشارع المؤدّي إلى القنصلية السعودية في مدينة مشهد، عملاً عاديّاً عابراً، أو مجرّد قرار صدر عن مجلس المدينة البلدي، فأبعادها أكثر عمقاً من الظاهر، وتأتي انسجاماً مع المرحلة الجديدة من العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية نتيجة الاتفاق الثلاثي الموقّع بينهما برعاية صينية. كان استفزازاً مقصوداً أن تحمل اللوحة اسم رجل الدين الشيعي الذي أُعدم في السعودية بسبب التحريض على الفتنة الطائفية في المملكة.

أحداث سياقها يمنيّ

يواكب قرار إزالة اللوحة والاسم المذكور، على الرغم من طابعه العملي الإداري، المتغيّرات السياسية لدى النظام الإيراني. ويُفترض أن تلتزم به جميع مؤسّسات الدولة الرسمية وأن يطال البنية الأيديولوجيّة للنظام والسلطة في طهران. لم تكن عبثيةً تسمية الشارع باسم نمر النمر، بل كانت تنطوي على أساس أيديولوجي عقائدي مغلّف بقرار سياسي. ولم يكن دافعها الردّ على إجراء أقدمت عليه السلطة السعودية (إعدام النمر)، ولا خطوة تستكمل الهجوم على مبنى السفارة في طهران والقنصلية في مشهد فحسب، بل جاءت هذه الأحداث في سياق واحد: التطوّرات التي شهدتها الساحة اليمنية، وردّاً على عملية “عاصفة الحزم” التي لم تكن تتوقّعها طهران، وعلى إمكانية تخريب المخطّطات الاستراتيجية للنظام الإيراني في الإقليم وسياسة القضم المتدرّج التي بدأها من العراق مروراً بسوريا ووصولاً إلى لبنان.

تعني إزالة اسم النمر عن الشارع في مشهد أنّ النظام قد أزاح الأيديولوجية من لائحة الأولويّات التي تملي عليه اتخاذ مواقفه السياسية، واختار الممارسة السياسية والبراغماتية المباشرة

لكنّ اليمن يشكّل الحلقة الأهمّ والأخطر في مساعي إيران لفرض معادلات أمنيّة وسياسية وجيوستراتيجية من خلال الإمساك بالمعابر والممرّات البحرية التي تؤثّر على الاقتصادات العالمية واستقرار دول المنطقة. وعلى مستوى العقيدة لم يتغيّر شيء على مدى السنوات السبع الماضية، بل ارتفع مستوى الخطاب المؤدلَج والتحريضي ووصل إلى مستويات غير مسبوقة، فلامس حدود الدعوة إلى الجهاد المقدّس ضدّ المملكة السعودية وقياداتها، خاصة في الأشهر الأخيرة بالتزامن مع ما شهدته إيران من حراك شعبي بعد مقتل الشابّة مهسا أميني بسبب عدم ارتدائها الحجاب بالشكل الذي يريده نظام الوليّ الفقيه. وهي دعوات صدرت عن جهات رفعت اسم النمر، وتُعتبر الحارس العقائدي والأيديولوجي للثورة والنظام في طهران.

السياسة بدل العقيدة

إنّ جنوح النظام الإيراني إلى التسوية مع السعودية، والانتقال من “العداء” إلى “الأخوّة”، وتطبيع العلاقة من دون “فرامل” على جميع المستويات، برعاية مباشرة وإشراف دقيق على كلّ التفاصيل من المرشد الأعلى، تطرح سؤالاً جوهرياً عن الأسباب التي دفعت القيادة ومنظومة السلطة في إيران إلى إدامة الأزمة اليمنية التي كانت السبب في حال العداء والخصام غير المسبوق.
ألم يكن بمقدور هذه القيادة الذهاب إلى خيار التسوية والسلام قبل الآن؟ أو قبل سنوات؟ أولم يكن هذا سيقلّل من الآثار السلبية لهذه الحرب ويحدّ من تداعياتها السلبية على شعوب المنطقة؟ وإذا كانت المسائل الأيديولوجية خاضعة للتبدّل والتغيير بناء على المصلحة السياسية والاستراتيجية، فلماذا تأخّرت الانعطافة كلّ هذا الوقت؟

يواكب قرار إزالة اللوحة والاسم المذكور، على الرغم من طابعه العملي الإداري، المتغيّرات السياسية لدى النظام الإيراني. ويُفترض أن تلتزم به جميع مؤسّسات الدولة الرسمية

تعني إزالة اسم النمر عن الشارع في مشهد أنّ النظام قد أزاح الأيديولوجية من لائحة الأولويّات التي تملي عليه اتخاذ مواقفه السياسية، واختار الممارسة السياسية والبراغماتية المباشرة. وهو مسار يفترض أن يجد له ترجمات في ملفّات أخرى، ومنها الملف النووي وضرورة التفاوض المباشر مستقبلاً مع “الشيطان الأكبر” الأميركي تحت عنوان “المصلحة” و”الدفاع عن المصالح الوطنية والقومية”.

يمكن تفسير تراجع الأيديولوجية في الخطاب الرسمي للنظام الإيراني من أجل الخطاب السياسي البراغماتي، بأنّ هذا الخطاب قد أدّى المهمّة التي أُوكلت إليه على مدى العقود الأربعة الماضية من عمر الثورة والنظام في التحشيد والتصعيد على خلفيّة مواجهة إسرائيل. لذا من المرجّح أن تشهد المرحلة المقبلة خطوات انفتاحية وتطبيعية تستكمل المشهد الذي بدأ مع المملكة العربية السعودية.

إنّ كلام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، عشية الكشف عن المسار التفاوضي مع الرياض، عن استعداد بلاده لإعادة تطبيع علاقاتها مع الجمهورية المصرية بأسرع وقت ممكن، هو استكمال للمشهد الذي بدأ في بكين، ومن هنا ستكون بلدية طهران على استعداد لاتخاذ خطوة مشابهة للخطوة التي قامت بها بلدية مشهد. ولن يكون بعيداً ذاك اليوم الذي يزال فيه اسما خالد الإسلامبولي والشيخ كشك عن شوارع العاصمة. وقد تستجيب القاهرة للإشارات الإيجابية التي ترسلها طهران وتتجاوب مع الجهود العراقية والعُمانية التي تسعى إلى إنهاء القطيعة التي استمرّت أربعة عقود على خلفيّة اتفاقية كامب ديفيد. إذ لم تعد قائمة مسوّغات هذه القطيعة والموقف الأيديولوجي في ظلّ العلاقات التي نسجها وينسجها النظام الإيراني مع دول عربية ذهبت إلى خيار السلام والتطبيع مع إسرائيل من دون محاذير أيديولوجيّة.

إقرأ أيضاً: الحزب بديلاً عن الحرس الثوريّ

مواضيع ذات صلة

فرنسا تسابق الوقت: هل تنجح حيث فشل الأميركي؟

من المتوقع أن تشمل جولة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الشرق الأوسط بيروت في زيارة هي الثانية له بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون…

هوكستين غائب عن السّمع ومجلس الأمن معطّل والكلمة للميدان

البلد متروك لقدره. بهذه المعادلة البسيطة، القاسية بتداعياتها، يمكن اختصار حال الاتّصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين حيال العدوان الإسرائيلي المتمادي. لا اتّصالات دولية جدّية قادرة…

ما حدود التّفويض الذي منحه السّيّد لبرّي؟

أكثر فأكثر تتراكم علامات الاستفهام حول موقف الحزب الحقيقي ممّا يجري في كواليس المفاوضات حول وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 على خطّ بيروت-واشنطن-تل أبيب…

أوكرانيا تجنّد الجهاديّين الذين يحاربهم الغرب وأميركا!!

تستغلّ أوكرانيا انشغال العالم بالنزاع المتدحرج في الشرق الأوسط نحو حرب مفتوحة للتوسّع في سياسات تجنيد تتّسم بالخطورة على الأمن القومي الأوروبي، وذلك بهدف تعويض…