هل تُخرج الكويت أرنب “سوروش” مقابل “آراش”؟

2023-07-11

هل تُخرج الكويت أرنب “سوروش” مقابل “آراش”؟


ينقسم المحلّلون إلى فريقين بشأن حقل الدرّة المشترك بين الكويت والسعودية، الذي تطالب إيران بحصّة فيه: الأوّل يرى أنّ الأمر لا يعدو كونه زوبعة إعلامية أثارتها تصريحات عابِرة لمسؤول نفط إيراني، والثاني يرجّح أنّه إحدى “بهلوانيّات” إيران المعتادة التي تحمل في توقيت محدّد رسائل “عنقودية” في أكثر من اتجاه.

تسلسل زمنيّ
ليست قضيّة “الدُرّة” جديدة، بل تعود إلى الستّينيّات من القرن الماضي، مع ظهور القضية إلى السطح بعد منح كلّ من الكويت وإيران امتيازَيْن لشركتين مختلفتين للتنقيب والاستغلال، ثمّ تحوُّلها إلى فتيل ملتهب من دون حسم.
لم تكن الحدود البحرية محدّدة في ذلك الوقت، ولم يكن الغاز من ضمن الأصول الاستراتيجية.
في عام 2001، جرى توقيع اتفاقية بين الكويت والسعودية لتحديد الحدود البحرية، بحيث تبدأ من نهاية الحدود البرّية في اتجاه البحر، ويطبّق عليها نفس مبدأ المنطقة المقسومة على اليابسة، بحيث تكون مقسومة من حيث السيادة، ومشتركة من حيث الثروات.
في 2011، خرقت إيران الهدوء عندما بدأت عمليات التنقيب في الحقل الذي لا تمتلك أيّ حقّ فيه بموجب القوانين الدولية، فجاءها الردّ سريعاً من الكويت والسعودية اللتين وقّعتا اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي شمل تطوير الحقول النفطية المشتركة.
إثر ذلك، شُكّلت لجان بين الكويت وإيران وجرت محادثات لتسوية الخلاف حول منطقة الجرف القارّي على الحدود البحرية بين البلدين، لكن من دون جدوى.

تشير الترجيحات إلى أنّ طهران تريد مراكمة أوراق قوّة في خضمّ مفاوضاتها غير المباشرة الجارية مع الولايات المتحدة، بالتزامن مع استمرار تطبيق اتفاقها مع السعودية

مع انسداد أفق التفاوض، طرحت إيران في آب 2015 مشروعين لتطوير الحقل الذي تسمّيه “آراش”*، فتوجّهت الكويت إلى الاحتجاج رسمياً.
في 2019، تمّ التوصّل إلى اتفاقية جديدة بين الكويت والسعودية، واقترنت بمذكّرة تفاهم منفصلة لتوضيح وتسوية مسألة الحدود، “تضمّنت العمل المشترك على تطوير واستغلال حقل الدرّة”، ثمّ تمّ توقيع اتفاق في آذار 2022 لتطوير الحقل ينصّ على قيام شركة عمليات الخفجي المشتركة، وهي مشروع مشترك بين “أرامكو لأعمال الخليج” و”الشركة الكويتية لنفط الخليج”، باختيار استشاري “يُجري الدراسات الهندسية اللازمة لتطوير الحقل”.
من المقرّر أن ينتهي الاستشاري من الدراسات في نهاية شهر تموز الجاري، وربّما هذا هو السبب الذي دعا إيران إلى تحريك الملفّ في هذه المرحلة.

تريليونات من الغاز
يقع حقل الدرّة في المياه الضحلة قبالة الشاطئ شمال الخليج العربي، في المنطقة المقسومة بين الكويت والسعودية التي تضمّ حوالي 0.5 في المئة من الإنتاج النفطي العالمي.
تكمن أهميّته الاستراتيجية في كميّات الغاز التي يختزنها والتي تُعدّ حاجة ملحّة للكويت بشكل خاص، إذ تُقدّر بنحو 7 إلى 13 تريليون قدم مكعّب، إضافة إلى أكثر من 300 مليون برميل نفطيّ.
بحسب التقديرات الكويتية، يُتوقَّع أن يُنتج الحقل البحري يومياً مليار قدم مكعّب من الغاز و84 ألف برميل من المكثّفات.

ماذا تقول الكويت؟
ترفض الكويت بشكل قاطع الادّعاءات الإيرانية وتؤكّد أنّ “حقل الدرّة هو ثروة طبيعية كويتية – سعودية، وليس لأيّ طرف آخر أيّ حقوق فيه حتى حسم ترسيم الحدود البحرية”، وتدعو إيران إلى ترسيم الحدود أوّلاً.
في تصريحات قبل أيام، قال وزير النفط الكويتي سعد البراك إنّ “ترسيم الحدود خطوة أولى، وبعد ذلك من له حقّ فسيأخذه”، مضيفاً أنّ “الكويت تحتكم إلى القانون الدولي الذي يحتكم إليه العالم… ترسيم الحدود وفق القواعد الدولية وكلّ يأخذ حقّه”.
يتطابق الموقف الكويتي مع الموقف السعودي الذي يؤكّد أيضاً أنّ ملكيّة المنطقة المغمورة التي يقع فيها الحقل هي حصراً مشتركة بين البلدين.
يرى خبراء أنّ بؤرة التوتّر هذه لن تؤدّي إلى عرقلة مسار الاتفاق السعودي – الإيراني المُبرم في بكين، على اعتبار أنّه يضم قضايا جيوسياسية وإقليمية أكثر تعقيداً، لكنّها تضع حجر عثرة أمامه، تماماً كما هي الحال في الملفّات العالقة من اليمن إلى لبنان، مروراً بسورية والعراق وغيرهما.
يعتقد هؤلاء أنّ الأزمة إيرانية – كويتية أكثر منها إيرانية – سعودية، ويرون أنّ هدف إيران هو الحصول على جزء من حصّة الكويت في الحقل الذي يعدّ مخزناً منتظراً لإنتاج الغاز.

الشقّ التقنيّ
تحدّد القوانين الدولية مساحة السيادة الوطنية على سواحل الدول بـ 12 ميلاً بحريّاً، فيما تحدّد حقوق الثروة الأحفورية (المياه التجارية) بـ 400 ميل بحري. لكنّ إيران تطالب بترسيم الحدود بينها وبين الكويت خارج قانون البحار، أي أن يبدأ من جزيرة خرج الإيرانية وصولاً إلى البرّ الكويتي، فيما تطالب الكويت بالترسيم من جزيرة فيلكا إلى جزيرة خرج، وهو الأمر الصحيح وفقاً للقانون الدولي.
يحدّد قانون البحار، بحسب الخبراء، خطّ الوسط خطّاً فاصلاً بين الكويت وإيران، والنقطة الأساسية هنا هي جزيرة فيلكا الكويتية التي تمتدّ شرق البرّ الكويتي، وانطلاقاً منها وصولاً إلى إيران يميل خطّ الوسط ناحية الشرق، وهو ما يعني أنّ حقل الدرّة البحري لا يدخل فيه.
أمّا إذا كان الترسيم من البرّ الإيراني إلى البرّ الكويتي أو من جزيرة خرج الإيرانية إلى البرّ الكويتي، كما تريد طهران، فإنها في هذه الحالة تشترك بجزء بسيط من الحقل، وتحديداً في الناحية الكويتية.

العراق يريد حصّة أيضاً؟
يرتكز السؤال المهمّ على عامل الوقت: لماذا قرّرت إيران تصعيد التوتّر الآن مع الكويت، على الرغم من أنّ الكثير من الحقول تمتدّ على الحدود بينها وبين الدول المجاورة، ولم تقُم بأيّ عمليات فيها؟
تشير الترجيحات إلى أنّ طهران تريد مراكمة أوراق قوّة في خضمّ مفاوضاتها غير المباشرة الجارية مع الولايات المتحدة، بالتزامن مع استمرار تطبيق اتفاقها مع السعودية، وتريد إرسال رسالة لأطراف إقليمية ودولية بأنّ ورقة الاستقرار ستبقى بيدها.
من غير المستبعد أن تبعث أيضاً رسائل تصعيد عبر العراق، حيث بدأت تتصاعد فجأة في الأيام الماضية أصوات تطالب بحقوق العراق في حقل الدرّة أيضاً.
في المقابل، لا تجرؤ إيران على “اللعب” مع السعودية في ملفّات كهذه، وإن كانت المملكة تملك جزءاً من حقل الدرّة وتُعدّ مع الكويت طرفاً واحداً، لكنّها ليست المستهدفة أساساً.
تعتبر مصادر مطّلعة أنّ الدبلوماسية الكويتية بدأت تستعيد حيويّتها في الآونة الأخيرة مع حركة وزير الخارجية الحالي الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح، بعدما فقدت بعض عناصر قوّتها في الفترة التي تلت وفاة الأمير السابق الشيخ صباح الأحمد، الذي كان مدرسة في الدبلوماسية على مستوى المنطقة والعالم. وتكشف في هذا الإطار أنّ الكويت متمسّكة بالاحتكام إلى القانون والأعراف الدولية ومستعدّة أيضاً للّجوء إلى محكمة العدل الدولية للفصل في قضية الحدود عبر الجرف القارّي (وجّهت دعوة رسمية بذلك إلى إيران منذ 2003 لكنّ الأخيرة رفضت)، وبالتالي تحديد أحقيّة كلّ دولة في المياه وثروات النفط والغاز، لكن إذا أصرّت إيران على موقفها، فإنّ الكويت قد لا تستمرّ بموقفها غير المعترض على استغلال إيران حقل “سوروش* منذ سنوات طويلة، فيما وضعه مشابه لوضع حقل الدرّة.

إقرأ أيضاً: حقل الدرّة: لماذا “تشاغب” إيران على اتّفاقها مع السعوديّة؟

توضح المصادر أنّ الكويت لم تفتح هذا الملفّ سابقاً لأنّها لا تريد تعقيد الأزمة أكثر، ولأنّها معنيّة بالحفاظ على الاستقرار في المنطقة وأحسن العلاقات مع جيرانها، لكنّها قد تضطرّ إلى ذلك الآن من أجل إقامة توازن مع إصرار إيران على نغمة “حقّها” في حقل الدرّة.

 

*آراش: حقل الدرة، أو كما يسميه الإيرانيون حقل “آرَاش”، اكتشف عام 1967 ويقع شمال الخليج العربي، على شكل مثلث مائي، يمتد من أسفل نقطة الحدود الثلاثية المشتركة بين الكويت والعراق وإيران، ويمتد جنوباً ليقع الجزء الأكبر منه مقابل ساحلي الكويت والمنطقة المحايدة الكويتية السعودية، كما يقع جزء مشترك من الحقل مع الجانب الإيراني، وقد توصلت الرياض والكويت لاتفاق بشأن الحدود البحرية بينهما العام 2000.

*سوروش: حقل سوروش” الواقع على الحدود البحرية بين إيران والكويت وتزعم إيران أنه حقل إيراني خالص.

مواضيع ذات صلة

“الطّوفان” في لبنان.. من الإسناد إلى الحربِ الشّاملة

قبل سنةٍ بالتّمام والكمال استيقظَ العالم بأسره على مشاهِد من غزّة لم يكُن من السّهل تصديقها. مُقاتلون من حركة حماس يعبرون السّياج الأمنيّ الفاصل بين…

بين نيويورك والضّاحية: الجحيم يتكلّم!

شكّل موقف نائب “كتلة الوفاء للمقاومة” حسين الحاج حسن أخيراً على قناة “الجزيرة” الموقف العلني الأوّل والأكثر وضوحاً وتمايزاً عن موقف الحزب العامّ الذي عَكَسه…

فرنسا تسابق الوقت: هل تنجح حيث فشل الأميركي؟

من المتوقع أن تشمل جولة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الشرق الأوسط بيروت في زيارة هي الثانية له بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون…

هوكستين غائب عن السّمع ومجلس الأمن معطّل والكلمة للميدان

البلد متروك لقدره. بهذه المعادلة البسيطة، القاسية بتداعياتها، يمكن اختصار حال الاتّصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين حيال العدوان الإسرائيلي المتمادي. لا اتّصالات دولية جدّية قادرة…