العراق: الصدر “يعود”.. على “حصان” قرآني

مدة القراءة 5 د


عاشت القوى السياسية العراقية، وتحديداً قوى “الإطار التنسيقي” المهيمن على حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في الأيام الأخيرة، حالة إرباك وإعادة حسابات وتقويم حجمها وقدراتها وقواعدها الشعبية نتيجة ما شهدته ولمسته من استنفار شعبي واسع ومن تظاهرات في كلّ مدن ومحافظات الوسط والجنوب تحت شعار “نصرة القرآن الكريم”. تلك التي دعا إليها خصمها السياسي مقتدى الصدر، اعتراضاً على “حرق القرآن الكريم” الذي قام به شابّ عراقي في دولة السويد.
تنظر هذه القوى السياسية، المتحالفة مع إيران، إلى تظاهرات التيار الصدري وتوزيعها على كلّ أيام الأسبوع والمحافظات، باعتبارها محاولة من الصدر لاستعراض قوّته وقدرته على حشد شارعه مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات المقرّر إجراؤها في شهر كانون الأوّل من هذا العام، أي بعد 5 أشهر فقط. وترى قوى “الإطار التنسيقي” الحاكمة، أنّ هذه التظاهرات والتحرّك الشعبي تشكّل جرس إنذار باقتراب موعد عودة الصدر إلى تفعيل نشاط جماعته السياسي وكسر العزلة التي فرضها على نفسه بعد أحداث المنطقة الخضراء في صيف 2022 واحتلال مبنى البرلمان ومحاصرة مجلس القضاء الأعلى والدخول في اشتباك مسلّح مع القوى الأمنية وفصائل الحشد الشعبي انتهى بسقوط أكثر من 60 قتيلاً، قبل أن يعلّق عمله السياسي.
على الرغم من تمسّك الصدر بالموقف الذي اتّخذه باعتزال العمل السياسي، والانكفاء الذي أُجبر عليه خلال شهر رمضان الماضي بعد استفحال ظاهرة “أصحاب القضيّة” داخل صفوف تيّاره التي تدعو إلى إعلانه “الإمام المهدي”، سعى من خلال هذه التظاهرات والحراك إلى اختبار قواعده وقدرته على حشدها واختبار ولاء هذه الجماعات والتزامها بالعهد الذي وقّعت عليه “بالدم” ومبايعتها له قائداً سياسياً من دون صفة دينية.

سيدفع جرس الإنذار والقلق، الذي أطلقه الصدر بحشد قواعده الشعبية في محافظات الوسط والجنوب، قوى “الإطار التنسيقي” والفصائل المسلّحة إلى إعادة حساباتها وتقويم أوضاعها والدخول في حالة استنفار لترتيب صفوفها

تجاوزت ردّة فعل الصدر وتيّاره على حرق القرآن كلّ حدود استعراض القوّة لأنّها شهدت اقتحاماً للسفارة السويدية ومحاولة إحراج “الإطار التنسيقي” والحكومة ووزارة الخارجية، بما يمثّلون من قوى إسلامية أو إسلام سياسي يسيطر على السلطة والحكم، من أجل اتخاذ خطوات عملية وإجراءات سياسية ودبلوماسية وصولاً إلى المطالبة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع السويد. وهي إجراءات أراد منها الصدر إعادة تحشيد قواعده الشعبية وإظهار التيار بأنّه الجهة التي تتصدّى لأيّ محاولات للنيل من العقيدة والمبادىء الدينية، وحتى الأديان الأخرى، عندما أضاف إليها موقفه من المثليّة الجنسية.

عودة الصدر “الدينية”
أراد الصدر، زعيم “الحنانه”، القول من خلال حجم الحراك، إنّه ما زال الممسك والمؤثّر والقائد الذي يستطيع قلب المعادلة في أيّ لحظة يريدها أو توقيت يراه مناسباً، وإنّ تياره متحفّز بشكل كبير للعودة إلى تحدّي القوى السياسية التي عاشت مرحلة من التقاط الأنفاس بعد انسحابه من العملية السياسية والاستقالة من البرلمان والعزوف عن المشاركة في الحكومة والسلطة التنفيذية. بالإضافة إلى أنّه نقل هذا التحرّك إلى حالة من إعادة تأكيد زعامته الدينية، والتصدّي للدفاع عن العقيدة والمذهب والإسلام، وتوجيه الإدانة لكلّ قوى الإسلام السياسي وحتى المؤسّسة الدينية واتّهامها بتغليب المصالح الخاصة والسلطوية على الشعارات التي ترفعها والإسلام الذي تمثّله واستخدمته سلاحاً للوصول إلى السلطة والاستيلاء على الدولة.
كان يرصد “الإطار التنسيقي” والقوى السياسية المتحالفة معه، التي أنتجت تحالف “إدارة الدولة” من المكوّنات الأخرى الكردية والسنّيّة، كلّ الإشارات التي تصدر عن الصدر في محاولة لمعرفة الاتجاه الذي ستكون عليه مواقف التيار الصدري في المرحلة المقبلة، وما يمكن أن تكون عليه خريطة تحرّكاته المستقبلية.
إذا ما كان الصدر قد وظّف التحرّك بسبب أزمة حرق القرآن لتكريس صورته زعيماً وقائداً دينياً، فإنّه استطاع إيصال رسالة إلى خصومه بأنّه ما زال يملك القدرة على تأطير مناصريه وتوجيههم بالاتجاه الذي يريده، وأنّ هذه الكتلة البشرية تتحرّك بشكل متماسك وتلتزم بقرار مركزي يصدر عنه وعلى استعداد للذهاب إلى الخيارات التي يريدها الزعيم.
استعراض القوّة هذا اختباراً حقيقياً للإشارات التي كانت تصدر عن الصدر في التغريدات الدينية التي لجأ إليها تعليقاً على مناسبات وأحداث دينية واجتماعية. خاصة عندما خاطب خصومه السياسيين بالقول: “إن عُدتُم عُدنا”. بالإضافة إلى أنّ توقيت التحرّك يأتي على أبواب الذكرى السنوية الأولى لمواجهة المنطقة الخضراء بوجه الأجهزة الأمنية وفصائل الحشد وما تلاها من تداعيات أخرجته من المعادلة السياسية. وتزامنت مع انطلاق عمل مفوضية الحكومة للانتخابات والبدء بالخطوات العملية استعداداً لإجراء انتخابات المحافظات.

إقرأ أيضاً: الميزانية العراقية: الدولة العميقة “تستوعب” الصدر والأكراد..

سيدفع جرس الإنذار والقلق، الذي أطلقه الصدر بحشد قواعده الشعبية في محافظات الوسط والجنوب، قوى “الإطار التنسيقي” والفصائل المسلّحة إلى إعادة حساباتها وتقويم أوضاعها والدخول في حالة استنفار لترتيب صفوفها. خاصة أنّ تجربتها في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في 10/10/2021 وانتهت بخسارتها الأغلبية لصالح التيار الصدري، ما زالت ماثلة أمام هذه القوى وقياداتها… وأنّ التحدّي الآتي من التيار الصدري سيكون مضاعفاً لأنّ هذه الانتخابات ستجري وفقاً لقانون الدوائر الصغيرة حيث يُعتبر التيار الأقدر على التحكّم بإدارة نتائجها وإقصاء الآخرين. فضلاً عن أنّ سيطرة الصدر على مجالس المحافظات تعني خسارتها لأيّ إمكانية أو فرصة لاستخدام هذه المجالس في إعادة ترميم قواعدها الشعبية في هذه المحافظات، خصوصاً في ما يتعلّق بسياسة الخدمات والتوظيف السياسي للمشاريع الخدمية فيها.

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…