تحذير: الـ CIA تتدخّل بقوّة قريباً في منطقتنا (2/2)

مدة القراءة 6 د


هناك ذعر أميركي في إدارة جو بايدن الحالية من التدنّي المخيف في رهانات زعامات عربية على أنّ واشنطن حليف رئيسي تاريخي يمكن الوثوق به والاعتماد عليه حاليّاً ومستقبلاً.

هذه هي رؤية دبلوماسي أميركي مخضرم عمل في منطقتنا لسنوات طويلة.

يضيف خبير استراتيجي أميركي عاصر عدّة زعامات لجهاز وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إي” على مدى سنوات منذ عهد جورج بوش الأب حتى عهد المدني الحالي الدبلوماسي العريق ويليام بيرنز: “لذلك مع انخفاض منسوب الوجود الأميركي وتدنّي مستوى الثقة فإنّ من المؤكّد زيادة النشاط الاستخباري المحموم لوكالة الاستخبارات الأميركية في المنطقة، ولا سيّما في مناطق الصراعات وفي الدول ذات التأثير المتداخل فيها سلباً أو إيجاباً”.

لم تكن مصادفة أن يكون الأمير بندر بن سلطان صاحب أقوى خيوط وعلاقات دبلوماسية وشخصية في واشنطن

حينما أسأل ما هي علاقة “انخفاض الثقة” بإدارة بايدن بـ”ارتفاع أعمال الاستخبارات في المنطقة”، تأتي الإجابة:

حتى في أقصى حالات التحالف هناك ضرورة لا بديل عنها، وهي نشاط جمع المعلومات الدقيقة لسلوك وأفكار ومشروعات ذلك الحليف. وحينما تتحوّل العلاقة من “التحالف” إلى “الصداقة”، ومن الصداقة إلى “غير العدوّ” (nonenemy)، أي علاقة تعامل لا ترقى إلى الشركة والتحالف ولا تتدنّى إلى حالة الكراهية والعداء.

هذه هي حالة إدارة بايدن مع زعامات كثيرة من العواصم العربية التي كانت لها مع واشنطن في الماضي علاقة شركة ظلّت تنخفض حتى بدأت زعامات الخليج بفتح جسور مع روسيا والصين وإيران وسوريا وتركيا، التي ليست كلّها أنظمة صديقة لواشنطن أو ترضى إدارة بايدن عن علاقة معها، بل كانت هذه الإدارة تتمنّى لو أنّ أصدقاءها العرب قاطعوها.

إنهاء علاقة الارتباط الحديدي بواشنطن

أهّم ما يحرّك زعامات عربية، وبالذات الخليجية منها، هو أنّها أنهت علاقة الارتباط الحديدي بواشنطن، لكنّها لم تقطع العلاقة معها أو كما يصفها البعض: “لم تعد زواجاً كاثوليكياً ولم يفكّر أحد في أيّ لحظة أن تكون طلاقاً بائناً”.

كما كان يفكّر ويفعل الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز السفير الأشهر لبلاده في الولايات المتحدة الأميركية، فإنّ “العلاقة مع واشنطن استراتيجيّة وحيوية، لكنّ ذلك لا يعني أن لا تسعى الرياض إلى خدمة مصالحها العليا حتى لو تضاربت مع الأميركيين”.

ولم تكن مصادفة أن يكون الأمير بندر بن سلطان صاحب أقوى خيوط وعلاقات دبلوماسية وشخصية في واشنطن.

هو المخطّط والمنفّذ والمفاوض على صفقة الصواريخ الصينية السرّية للسعودية.

من هنا يمكن فهم موقف الرياض من خفض كمّيات الإنتاج في “أوبك بلاس” وإنجاز الاتفاق مع إيران برعاية صينية وإعادة العلاقات مع النظام السوري وتصفير المشاكل مع تركيا والتنسيق مع روسيا من دون عدائيات على الرغم من موقف إدارة بايدن منها.

يقول مصدر خليجي إنّ “أبو ظبي تفتح كلّ الأبواب على مصراعيها مع الجميع من دون حساسيّة ومن دون شروط سوى شرط واحد هو أن تحمي هذه العلاقة المصلحة الوطنية الإماراتية من دون أن تتعارض مع مصالح الأشقّاء”.

يضيف المصدر: “لذلك لا حساسيّة. ففي الوقت الذي يزور فيه الشيخ محمد بن زايد روسيا ويسعى إلى تحسين أوجه التعاون التجاري والاقتصادي والأمني، تحافظ أبو ظبي على استثمار بقيمة 100 مليار دولار في الطاقة النظيفة مع واشنطن وتحصد واحدة من أكبر صفقات طائرات إف 35”.

أهّم ما يحرّك زعامات عربية، وبالذات الخليجية منها، هو أنّها أنهت علاقة الارتباط الحديدي بواشنطن، لكنّها لم تقطع العلاقة معها أو كما يصفها البعض

انقلاب العلاقة مع قطر

الشيء عينه تراه في قطر التي تحتفظ بأكبر قاعدة شرق أوسطية للولايات المتحدة على أراضيها، فيما لديها شراكة مع إيران في واحد من أكبر حقول الغاز عالمياً، وهو ما يؤثّر في الميزان التجاري مع طهران، وذلك على الرغم من القرارات الأميركية بمقاطعة طهران.

يُقلق كلّ هذا البيت الأبيض الذي يراه انقلاباً مفصليّاً في منسوب العلاقة ويشعر بالخطر حينما تتّجه دول مثل السعودية ومصر إلى الانضمام إلى منطقة البريكس وحينما تدخل الصين بقوّة في برامج الاستثمارات والتنمية في العالم العربي.

من هنا نفهم أنّ القلق الأميركي سوف يترجم إلى نشاط استخباري محموم ومتصاعد.

بأيّ معنى سيكون هذا النشاط؟

– أوّلاً، سوف تزداد موازنة وكالة “سي آي إي” المخصّصة للإنفاق على النشاط في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

– ثانياً، سوف يرتفع السعي إلى الحصول على المعلومات الدقيقة والحيوية عن نوايا زعماء المنطقة إنقاص الاعتمادية على واشنطن وتنويعها عالمياً وبالذات مع بكين وموسكو والاتحاد الأوروبي.

– ثالثاً، سوف تزداد عمليات التنصّت والاختراق الإلكتروني ومحاولات النفاذ داخل مراكز صناعة القرار الاستراتيجي في المنطقة.

– رابعاً، سوف تسعى واشنطن إلى الحدّ من التقارب بين العواصم العربية وكلّ من بكين وموسكو وطهران ودمشق، ووضع العراقيل أو إبطاء أو إفساد العلاقات بينها.

– خامساً، سوف يزداد النشاط الأمني بالتعاون مع وزارة الخارجية لتدعيم علاقة واشنطن بما يسمّى مجموعات المجتمع المدني وتعميق علاقة الارتباط والولاء معها.

– سادساً، زيادة التركيز ومحاولات الاختراق داخل مراكز صناعة القرار والعمل على “تحييد” أو “إضعاف” الزعامات العربية التي لا تخدم المصالح الأميركية.

علينا ألّا ننسى أنّ مدير وكالةCIA  الحالي، وهو دبلوماسي أكاديمي عريق له مؤلّف مرجعيّ اسمه “القنوات الخلفيّة” (the back channel)، عرض التفاوض غير العلني مع الأفراد أو الأنظمة أو التيارات الأخرى لتراجع مواقفها.

وعلينا ألّا ننسى أنّ وكالة CIA صاحبة تاريخ أسود من الانقلابات أو محاولات الاغتيال منذ عهد تأسيسها حتى الآن.

وعلينا ألّا ننسى تاريخ تلك الوكالة في كوريا وفيتنام وأفغانستان وتشيلي وبيرو وبنما وإيران والعراق ولبنان وسوريا.

وعلينا ألّا ننسى أنّها لعبت أخيراً دوراً أساسياً في سرقة صفقة الغوّاصات الاستراتيجية الأسترالية من الحليف الفرنسي وأفقدته 56 مليار يورو.

إقرأ أيضاً: تحذير: الـC.I.A  تتدخل بقوّة في سياسات المنطقة من الآن (1/2)

الذي يبيع الحليف التاريخي يبيع أيّ شيء وكلّ شيء.

وهناك حجّة انتهازية أميركية تقول: “It is only business”، أي إنّها مصالح فقط.

لمتابعة الكاتب على تويتر:  Adeeb_Emad@

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…