إنّ الدخول إلى رحاب ذاكرة المفكّر كريم مروّة، الذي أدرك منتصف العقد العاشر من العمر، لا يثير الدهشة بسرده للوقائع فقط، وإنّما أيضاً بإطلالته من الحاضر على الماضي واستشراف المستقبل. وما يضاعف الإثارة هو أن تستمع إلى مروّة يحدّثك عن خمسة كتب أعدّها للنشر كي تُضاف إلى أربعين كتاباً أبصرت النور على مدى عقود خلت، وآخرها كتاب “أضواء على روّاد الإصلاح الديني في العصر الحديث” الذي سبق أن نشر “أساس” مقتطفات منه قبل أشهر.
الشهابيّة وعبد الناصر
استعاد مروّة، في جلسة معه قبل أيام، تجربة الرئيس فؤاد شهاب بعد حوادث 1958 التي كانت “بروفة الحرب الأهليّة لاحقاً”، كما قال، مضيفاً أنّ “الفضل في إنهاء هذه الحوادث يعود إلى الرئيس جمال عبد الناصر والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا”. وأوضح أنّ الرئيس عبد الناصر في زمن الوحدة المصرية -السورية “ساند الرئيس شهاب، وتفهّم في اللقاء الشهير الذي جمعهما على الحدود اللبنانية – السورية خصوصيّة لبنان الذي كان يضمّ الجماعة المسيحية التي ترفض الوحدة. فكان أن وُضعت كنبة على الخط الفاصل بين لبنان وسوريا من الجهة السورية ليجلس عليها عبد الناصر، فيما جلس شهاب على كنبته من الجانب اللبناني”.
إنّ الدخول إلى رحاب ذاكرة المفكّر كريم مروّة، الذي أدرك منتصف العقد العاشر من العمر، لا يثير الدهشة بسرده للوقائع فقط، وإنّما أيضاً بإطلالته من الحاضر على الماضي واستشراف المستقبل
لفت مروّة إلى أنّ حسابات عبد الناصر المتعلّقة بالوحدة مع سوريا، التي كانت تسعى إلى مواجهة الخطر التركي، قامت على أساس أن يكون الزعيم الأوحد لدولة الوحدة، لكنّ الحظّ لم يسانده.
قال مروة إنّ اندلاع أحداث 1958 في لبنان جاء بعد مقتل الصحافي نسيب المتني الذي دبّرته المخابرات في سوريا في زمن الوحدة مع مصر. لكنّ فضل شهاب “هو منع توسّع الحرب الأهلية آنذاك من خلال تشكيل حكومة رباعية، ضمّت الحاج حسين العويني ورشيد كرامي وريمون إدّه وبيار الجميّل، فور تسلّمه السلطة. وعندما قام أحد زعماء المسلّحين بإعدام مخطوف من الأشرفية في البسطا، قرّر إدّه بصفته وزيراً للداخلية إعدام القاتل بعد القبض عليه في البسطا. وهذا ما أنهى الحرب الأهلية وقتذاك”.
شهاب يعترف بخطئه
أشار مروّة إلى أنّ من أسباب التوتّرات في لبنان بعد الاستقلال عام 1943 هو سعي بشارة الخوري إلى تمديد ولايته عام 1953 وقيام كميل شمعون بتزوير الانتخابات عام 1958. أمّا شهاب فقد رفض كلّيّاً تمديد ولايته عام 1964 عندما عُرض عليه ذلك، داعياً إلى التزام تطبيق الدستور.
روى مروّة نقلاً عن الوزير السابق فؤاد بطرس قوله إنّه ذهب إلى فؤاد شهاب في زمن رئاسة شارل حلو، ودعاه إلى إصدار موقف يدعو إلى حلّ المكتب الثاني. لكنّ شهاب لم يستجب، فكانت النتيجة أن فاز الحلف الثلاثي الذي ضمّ الرئيس كميل شمعون والعميد ريمون إدّه والشيخ بيار الجميل في انتخابات عام 1968.
عندما حان موعد الانتخابات الرئاسية عام 1970 ذهب بطرس إلى شهاب مقترحاً عليه الترشّح، فرفض قائلاً لبطرس إنّ فوز الحلف الثلاثي يجعل فوزه صعباً، واقترح ترشيح الياس سركيس، وأضاف: “لقد أخطأت أنا يا بطرس عندما لم أقبل نصيحتك المتعلّقة بالمكتب الثاني، وأنت أخطأت عندما نصحتني بالترشّح لرئاسة الجمهورية عام 1970”.
امتحان سركيس وفرنجيّة
مبحراً في الذاكرة قال مروّة إنّه في فترة الإعداد للانتخابات الرئاسية عام 1970، اجتمع كمال جنبلاط مع المرشّح الياس سركيس في حضور الأمين العامّ للحزب الشيوعي جورج حاوي والأمين العامّ لمنظمة العمل الشيوعي محسن إبراهيم. وقد جرى توجيه أسئلة إلى سركيس، فكان جوابه: “راح نشوف شو بنعمل بعد الانتخابات”. الخلاصة، حسب جورج حاوي: “سقط سركيس في الامتحان”. ثمّ كان اللقاء مع المرشّح سليمان فرنجية، وبداية بين الأخير وحاوي وإبراهيم في حضور صهر فرنجية عبد الله الراسي والمحامي محمود طبّو. خلال اللقاء طرح جنبلاط على فرنجية الأسئلة نفسها التي طرحها على سركيس، فوافق فرنجية على تلبية متطلّباته من دون أيّ تحفّظ.
إقرأ أيضاً: سليمان فرنجيّة رئيساً للجمهوريّة؟
رفض السجن الكبير
عندما وصل الجميع إلى منزل جنبلاط سارع حاوي إلى القول: “لقد نجح فرنجية في الامتحان”. وكان جنبلاط يمتلك وقتذاك 3 أصوات فقط في البرلمان، وكان انتخاب فرنجية بفارق صوت واحد زيادة على ما ناله سركيس. وخلال اللقاء مع جنبلاط، سئل فرنجية عن تنظيم “المردة”، فأجاب: “يروح عمره ما يرجع”.
تابع مروّة كلامه، وفقاً لمعطيات استقاها من غسان تويني وفؤاد بطرس، بالقول إنّ “أزمة كيان لبنان تكمن في تشكُّك سوريا الدائم في نهائيّته والقول إنّه مصطنع”. وهنا أورد مروّة أنّ كمال جنبلاط، بعد إلحاح من الحركة الوطنية، ذهب بعد حرب الجبل عام 1976 إلى لقاء الرئيس حافظ الأسد، وإثر خروجه من اللقاء أعلن: “أرفض دخول لبنان السجن الكبير”.