حراك جنبلاط – برّي: ماذا يُخيّطُ الحليفان؟

مدة القراءة 5 د

لا يزال الاستحقاق الرئاسي بعيداً بحكم الواقع الصعب وانسداد أفق الاتفاق على مرشّح واحد. لكنّ حراك الأيام الأخيرة رئاسياً خرق جمود الأشهر الماضية. من كليمنصو إلى عين التينة مروراً ببكركي، لا يمكن الفصل بين المسارات الثلاثة، وإن كان كلٌّ منها له اتّجاه فإنّها تتقاطع على ضرورة انتخاب رئيس توافقي. وفي كلمة “توافقي” معانٍ سياسية مطّاطة يفسّرها كلٌّ على هواه. لكنّ التوافق يحتاج إلى تصويت أكثر من 70 نائباً (فوق النصف زائداً واحداً: 65) من كلّ الطوائف والأحزاب والتيارات للرئيس المقبل، مع نصاب من أكثر من 86 نائباً في جلسة الانتخاب. وحتى هذه الساعة على الأقلّ ليس من اسم يحظى بهذا التوافق.

جنبلاط يرفض “تحدّي” القوى المسيحيّة

في الاجتماع بين وفد اللقاء الديمقراطي والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ركّز الوفد على عنوانين:

– الأوّل: ضرورة انتخاب رئيس لا يتحدّى الكتل المسيحية الكبيرة.

– والثاني: خطورة الكلام عن التقسيم والفدرالية.

يُنقل عن الرئيس نبيه برّي قوله أمام زوّاره من الكتل النيابية أنّه ينوي عقد جلسة انتخاب رئيس جمهورية من دون أوراق بيضاء، وذلك بعد العمل على تجميع 65 صوتاً لفرنجية

انطلق النائب راجي السعد من هاتين النقطتين في كلامه بعد انتهاء اللقاء ليتحدّث عن تطبيق الدستور والطائف على اعتباره ضامن وحدة البلاد، وعن أسماء تُطرح للرئاسة قد تحظى بتوافق عامّ. وقد كرّر الوفد على مسامع البطريرك الأسماء التي ذكرها رئيس الحزب وليد جنبلاط على مسامع حزب الله: قائد الجيش جوزف عون، وصلاح حنين، وجهاد أزعور.

ليست هذه الأسماء نهائية بالنسبة إلى الكتلة، بل المقصود من طرحها هو الذهاب إلى تحريك الجمود الذي يرافق ثنائية سليمان فرنجية – ميشال معوّض. وفي عمق هواجس المختارة التي عبّر عنها جنبلاط أمام وفد حزب الله، الدعوة إلى “عدم حشر المسيحيين في الزاوية”.

يعني هذا الكلام أنّ الذهاب إلى انتخاب رئيس بـ65 صوتاً من دون الكتلتين المسيحيّتين هو، على الأقلّ حتى هذه الساعة بالنسبة إلى المختارة، من المحرّمات، لِما له من تداعيات على العيش الواحد في الجبل أوّلاً، وعلى المستوى العامّ ثانياً.

قالت مصادر اشتراكية لـ”أساس”: “سجّليها عندك، وليد جنبلاط لا يمكن أن يذهب إلى انتخاب رئيس عكس الإرادة المسيحية”.

في بكركي كان النائب تيمور جنبلاط يتقدّم الوفد. وأصبح معلوماً أنّ تيمور جنبلاط يسعى إلى خلق مساحة أكثر تجدّداً في الحزب لانتخاب رئيس يعكس نَفَساً إصلاحياً منفتحاً على العالم، وهذا ما سيكون موضع نقاش في الأيام المقبلة.

لا يزال الاستحقاق الرئاسي بعيداً بحكم الواقع الصعب وانسداد أفق الاتفاق على مرشّح واحد. لكنّ حراك الأيام الأخيرة رئاسياً خرق جمود الأشهر الماضية

جنبلاط في عين التينة: مبادرتان

يُنقل عن الرئيس نبيه برّي قوله أمام زوّاره من الكتل النيابية أنّه ينوي عقد جلسة انتخاب رئيس جمهورية من دون أوراق بيضاء، وذلك بعد العمل على تجميع 65 صوتاً لفرنجية. قالها لوفد نواب تكتّل الاعتدال الوطني، ولجنبلاط في لقائهما أمس الأوّل.

تفيد المعلومات المحيطة بالمبادرتين أنّ برّي يقوم بما يتوجّب أن يقوم به تجاه فرنجية، إلا أنّ عدم التوصّل إلى جمع 65 صوتاً هو احتمال مرجّح في ظلّ امتناع نواب اللقاء الديمقراطي ونواب الاعتدال عن التصويت لفرنجية من دون تسوية داخلية إقليمية، أو بكلام آخر، ضوء أخضر عربي.

لا تزال مبادرة جنبلاط هي نفسها: “الخروج من ثنائية فرنجية – معوّض والذهاب إلى تسوية”. يقولها جنبلاط بحسرة لأنهّ تربطه بسليمان فرنجية علاقة تاريخية جيّدة جدّاً وودّ. غير أنّ المصلحة العامّة اليوم تفرض على جنبلاط أن يسير برئيس يحظى بغطاء عربي، وخليجي أوّلاً. وعليه، سيستمرّ جنبلاط في مسعاه هذا، ولا سيّما من خلال اجتماعات سيعقدها النائب تيمور في الساعات المقبلة مع نوّاب الشمال والنائب ميشال معوّض الذي ستُنسّق معه أيّ خطوة رئاسية مقبلة.

يرى المراقبون أنّ مبادرتَيْ جنبلاط وبرّي، على الرغم من اختلافهما، ستصبّان في المكان نفسه لأنّ البحث جارٍ عن رئيس ضمن المساحة المشتركة بين القوى المختلفة.

الثنائي الشيعيّ: لا “خطّة ب” حتّى السّاعة

في ظلّ هذا الحراك الرئاسي، لا معطيات عن “خطة ب” لدى الثنائي الشيعي. وسيكون عنوان المرحلة هو التمسّك بسليمان فرنجية بانتظار نضوج تسوية داخلية وخارجية.

سيستقبل الرئيس ميشال عون يوم الخميس في الرابية وفداً من كتلة الوفاء للمقاومة يتقدّمه النائب محمد رعد. وفي المعلومات أنّ هذه الزيارة تأتي بعد قطيعة طويلة بين الفريقين وتوتّر على خلفيّة الملف الرئاسي. كانت نصيحة جنبلاط للحزب أن لا يتركوا جبران باسيل يذهب بعيداً في خلافه معهم، وهو ما يقود إلى معطيات تتعلّق بموقف الحزب مفادها أنّ الذهاب إلى الـ65 صوتاً لفرنجية غير ناضج وغير نهائي بعد.

إقرأ أيضاً: باسيل: قائد الجيش مرشح “الفتنة” الأمنية..

في المقابل بدا كلام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لصحيفة “الراي” الكويتية معبّراً عن غياب أيّ غطاء عربي خليجي لانتخاب فرنجية. وفي ردّه على سؤال عن إمكانية إكماله نصاب الثلثين في أيّ جلسة انتخابية جديدة، قال إنّ إكمال النصاب لا بدّ أن ترافقه تسوية، وإلّا فإنّ ذلك لن يحصل.

في الإقليم، لا معطيات بعد عن نتائج اللقاء القطري – الإيراني بانتظار نتائج اجتماع باريس الرباعي أو الخماسي المرتقب. لذلك لا يزال الجميع ينتظرون بترقّب شديد الأيام المقبلة وسط غياب سلّة داخلية وغطاء دولي من أجل البناء على الشيء مقتضاه.

مواضيع ذات صلة

بعد 100 عام: الشيعة “يعودون”… إلى سايكس بيكو

في 1982، حين سقط بشير الجميّل في وسط الأشرفية التي دافع عنها، اكتشف المسيحيون أنّ العمق الإسرائيلي “كذبة” وأنّ لبنان وطنهم النهائي. وفي 2005 حين…

حرّية حركة إسرائيل بدأت: قصف قرى الجنوب خلال الهدنة

في الرابع عشر من هذا الشهر (تشرين الثاني) نشر “أساس” مسوّدة الاتّفاق الذي أصبح أمراً واقعاً منذ أيام، لوقف الأعمال العدائية ضمن مهلة 60 يوماً،…

لودريان في بيروت: رئاسة و1701 واستقرار

أُدرِجت زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان للبنان في خانة الأكثر الأهمّية سياسياً والأشدّ حزماً رئاسياً، ولو أنّها في نفس إطار مهمّته الأساسية، فمحورها…

اختبار اليوم الأوّل: الرّئاسة تضغط!

لم يعد مضمون اتفاق وقف إطلاق النار ببنوده الـ13 و”ألغامه” مُهمّاً بقدر الحاضنة الميدانية – السياسية التي ستواكب تنفيذه منذ دخوله حيّز التطبيق فجر الأربعاء،…