أُبرمت “التسوية” الأخيرة في الكويت بين الحكومة والنواب المعارضين الذين أصبحوا أغلبية في مجلس الأمّة الجديد بعد انتخابات أيلول 2022، فاشتملت على ملفّات كبرى متعدّدة، أبرزها اثنان:
– صدور عفو عن مجموعة من المعارضين يهدف إلى تكريس مصالحة برعاية “العهد الجديد”.
– يقابل العفو “هدوء” نيابي يسمح للحكومة بالعمل وإطلاق عجلة التنمية عبر المشاريع الكبرى. ويتمثّل “الهدوء” في إقلاع النواب عن “هوايتهم” باستجواب الوزراء واستنزاف جلسات مجلس الأمّة التي تُعقد كلّ أسبوعين.
الأحكام والعفو
صدر العفو الأميريّ يوم الأربعاء الماضي، بعد طول انتظار من قبل المعارضين، وشمل 34 مواطناً، بعضهم مُهجّر في الخارج، والقليل منهم ينفّذ أحكاماً بالسجن في الداخل.
شمل العفو بشكل أساسيّ ما يُعرَف بـ”غروب الفنطاس” (أو مجموعة الفنطاس) التي اشتُهرت في عام 2015 بعدما وصلت منها إلى هواتف أغلب الكويتيين، عبر تطبيق “الواتساب” من رقم مجهول يبدأ بمفتاح دولة غير الكويت، رسالةٌ تتحدّث عن “مؤامرة تُحاك على الدولة لقلب نظام الحكم والقضاء”.
يرى مراقبون أنّ أيّ تصعيد نيابي أو إخلال بالتعهّدات سيُواجَه من الآن فصاعداً بإجراءات “ثقيلة”، أقلّها حلّ مجلس الأمّة وإجراء انتخابات جديدة، وأشدّها حلّ مجلس الأمة من دون إجراء انتخابات
لاحقاً، صدرت أحكام قضائية بالسجن بحقّ المتّهمين في هذه المجموعة بـ”إذاعة أخبار كاذبة ومُغرضة حول الأوضاع الداخلية في البلاد”، وأبرزهم حمد الهارون وثلاثة من الأسرة الحاكمة هم الشيخ عذبي الفهد (شقيق الشيخ أحمد الفهد)، وأحمد داوود الصباح، وخليفة علي الصباح.
منذ ذلك الوقت، استمرّت الأزمة المرتبطة بـ”غروب الفنطاس” قائمة، حتى جاء العفو الأخير ليطوي صفحة ويفتح أخرى.
كانت هذه القضية تلقى اهتماماً ودعماً من عدد غير قليل من النواب جعلوا “العفو” ملفّاً دائماً في مجلس الأمّة، وطرحوا مراراً صدور “عفو عامّ” من مجلس الأمّة، لكنّ محاولاتهم باءت بالفشل بسبب تحذير الحكومات المتعاقبة من مغبّة ذلك بدون ضوء أخضر حكوميّ.
وأكّدت الحكومة مراراً أنّ “العفو” هو حقّ جليل وحصري للأمير يستخدمه متى شاء. وبالفعل، هذا ما حصل عندما صدر العفو في الأيام الماضية طاوياً واحداً من أكثر الملفّات تعقيداً في تاريخ الكويت الحديث.
تبعات العفو
ما هي التوقّعات؟ وما انعكاسات العفو على العلاقة بين السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة؟
تقول الواقعية السياسية إنّ صدور العفو يعني أنّ الحكومة نفّذت واحداً من أكثر الطلبات الملحّة للنواب، وأوفت بتعهّداتها، وتتوقّع في المقابل أن يقوموا بتنفيذ تعهّداتهم بـ”الهدوء” والابتعاد عن السجالات والمناكفات التي لا طائل منها وتؤثّر سلباً ليس فقط على مسار أيّ حكومة، وإنّما على مسار تنمية الدولة.
إذاً، تحفل الأسابيع المقبلة بمواقف حاسمة يتّضح معها مسار الأمور: فإمّا أن يُقابل النواب (بغالبيّتهم) خطوة الحكومة بخطوات من قبلهم، وإمّا أن تذهب الأمور إلى “العتمة السياسية”.
يرى مراقبون أنّ أيّ تصعيد نيابي أو إخلال بالتعهّدات سيُواجَه من الآن فصاعداً بإجراءات “ثقيلة”، أقلّها حلّ مجلس الأمّة وإجراء انتخابات جديدة، وأشدّها حلّ مجلس الأمة من دون إجراء انتخابات.
صدور عفو عن مجموعة من المعارضين يهدف إلى تكريس مصالحة برعاية “العهد الجديد”
السؤال الأساسيّ
كيف يُنفّذ النواب تعهّداتهم وكيف يضمنون “الهدوء”؟
يتمثّل الجواب بخطوتين أساسيّتين:
– عدم إسقاط الوزراء على منصّة الاستجواب، إمّا من خلال الامتناع عن تقديم استجوابات، وإمّا من خلال توفير غالبيّة الأصوات اللازمة لعبور أيّ وزير يخضع للتصويت على الثقة، ولا سيّما أنّ ذلك وارد لأنّ هناك نواباً لا علاقة مباشرة لهم بالتسوية وقد يقدّمون استجوابات لأسباب متنوّعة. لكنّ المهمّ أن لا تكون هناك غالبية نيابية مؤيّدة لهذه الاستجوابات كي لا تُفضي إلى نتائج (كما حدث في الاستجواب الأخير لوزيرة الأشغال في نهاية شهر تشرين الثاني الماضي).
– الامتناع عن طرح قوانين من دون التنسيق مع الحكومة، سواء كانت ذات كلفة ماليّة عالية على الدولة (مثل إسقاط قروض المواطنين أو زيادة رواتبهم)، أو شعبويّة تُلامس خطوطاً حمراً (مثل تغيير قانون الانتخابات)، ولا سيّما أنّ هناك تيّاراً نيابياً يرى أنّ العفو أوجد حلّاً لمشكلة مرتبطة ببعض الأشخاص، فيما اقتراحات القوانين الشعبية، مثل إسقاط القروض، تخدم آلاف الكويتيين فتحقّق للنواب مصلحة انتخابية.
وثيقة العهد الجديد
في “وثيقة العهد الجديد” التي أعلنها وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد في خطابه أمام مجلس الأمّة الجديد بتاريخ 18 تشرين الأول الماضي، قال متوجّهاً إلى السلطتين: “نأمل منكم أن ينتهي زمن توتّر وتصدّع العلاقات بينكم، وأن يتمّ احترام الدستور بعدم تدخّل سلطة في عمل سلطة أخرى، وعدم تخلّي سلطة عن أداء واجبها لسلطة أخرى، وأن يحلّ محلّ كلّ ذلك زمن التوافق والانسجام وصفاء القلوب وصدق النوايا وتوحيد الكلمة لإعلاء المصالح العليا للوطن والمواطنين. فقد كفى ما قد أُهدر من جهود مضنية ومن أوقات ثمينة وأموال مُهدرة في غير موضعها لم يستفِد منها الوطن ولا المواطنون مع الأسف الشديد”.
وشدّد وليّ العهد على “ضرورة احترام صلاحيّات واختصاصات الأمير الدستورية وعدم الاعتراض عليها أو حتى التشكيك فيها، باعتبارها من صميم إطلاقات أعمال السيادة، لأنّ الاعتراض عليها يؤدّي إلى ضياع مكانة وهيبة الدولة ويضعف أركان الحكم فيها، وهذا لن نسمح بحدوثه ولن نسكت عنه”.
إقرأ أيضاً: الكويت.. أزمة دستورية على الطريقة اللبنانية
رسَمَ كلام وليّ العهد الخطّ الفاصل بين ما هو مقبول وما هو غير مقبول، وحدّد الهدف الأساس.
ومع وفاء السلطة التنفيذية بأكبر تعهّداتها، باتت الكرة في ملعب السلطة التشريعية، وأصبحت الكويت أمام منعطف حاسم: هل يسود تفاهم “صلب” بين السلطتين يُنهي التوتّر؟ أم تعود الصراعات بأشكال أخرى وإفرازات متعدّدة؟