الدوحة على خط الرياض – طهران: اليمن أولاً

مدة القراءة 5 د

تتربّع على رأس سُلّم أولويّات قيادة المملكة العربيّة السّعوديّة نقطتان بالغتا الأهميّة وترتبطان مباشرةً بأمنها القوميّ، وهُما: الأزمة اليمنيّة، ومكافحة تهريب المُخدّرات من سوريا ولبنان.

يرتبطُ الملفّان ارتباطاً وثيقاً بالعلاقة بين المملكة وإيران، التي بقيت منذ ما قبل عام 2015 على خطِّ التّوتّر بين العاصمتيْن الإقليميّتَيْن. انعكس هذا التوتّر على المنطقة برمّتها، فبادرت دولة قطر وسلطنة عُمان إلى قيادة جهود مشتركة لجسر الهوّة بين الرياض وطهران التي اتّسعت إثر تراجع الدور العراقي بعد الانقلاب السياسي ضدّ رئيس الوزراء السّابق مُصطفى الكاظميّ الذي نفّذته قوى موالية للعاصمة الإيرانية.

تتربّع على رأس سُلّم أولويّات قيادة المملكة العربيّة السّعوديّة نقطتان بالغتا الأهميّة وترتبطان مباشرةً بأمنها القوميّ، وهُما: الأزمة اليمنيّة، ومكافحة تهريب المُخدّرات من سوريا ولبنان

الدّوحة ومسقط تُلاقيان الرّياض: اليمَن أوّلاً

مصدر دبلوماسيّ عربي قال لـ”أساس” إنّ الدّوحة ومسقط قادتا “جهوداً جبّارة” قبل بطولة كأس العالم لتثبيت الهُدنة القائمة في اليَمن، لأنّه بين شهرَيْ أيلول وتشرين الأوّل شدّدت ميليشيات الحوثي الحصار على مدينة تعز وراحت تُهدّد بخرق الهدنة، وكان يحصل هذا بالتّوازي مع تحرّكاتٍ عسكريّة في صنعاء والحُديدة وصعدة، وكادَت الأمور تنفجر مُجدّداً. فسارَعت القيادة القطرية إلى التنسيق مع نظيرتها العُمانية بهدف نزع فتيل الانفجار خشية أن يؤثّر أيّ تصعيدٍ في منطقة الخليج العربيّ على سيرِ البطولة العالميّة التي تُعدّ لها الدّوحة منذ 11 عاماً. وبالفعل قام ممثّلون عن القيادتين بزيارات مكّوكيّة لطهران.

مع انتهاء “المونديال”، أعادَت العاصمتان تشغيل مُحرّكاتهما الدّبلوماسيّة. تواصل وزير الخارجيّة القطريّ الشّيخ محمّد بن عبد الرّحمن آل ثاني ونظيره العُمانيّ بدر البوسعيديّ مع وزير الخارجيّة الإيرانيّ حسين أمير عبد اللهيان لبحث المُفاوضات النّوويّة المُتوقّفة، ولخفض التوتّر الإقليميّ بين الرياض وطهران، وهو ما استدعى إشراك ميليشيات الحوثي الموالية لإيران بشكل مباشر في المباحثات المتنقّلة.

نجَحَ الوسطاء القطريّون والعُمانيّون بدعمٍ فرنسيّ ومُشاركة عراقيّة في جمع عبداللهيان ونظيره السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في لقاءٍ على هامش “النّسخة الثّانية” من اجتماع بغداد للتعاون والشراكة الذي انعقد في الأردن. كان اللقاء قصيراً جدّاً، لكنّه كسر الجليد بين الطرفين عبر المصافحة بين الوزيرين، التي ستفضي إلى ما هو أوسع.

لقاءات في الدّوحة وعبداللهيان في بيروت

تَبِعَت “مُصافحةَ الأردن” زيارةٌ قامَ بها وزير الخارجيّة الإيرانيّ للعاصمة العُمانيّة مسقط، حيثُ التقى سُلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد. لكنّ لقاءً آخر عقده عبداللهيان في مسقط دلّ على أنّ زيارته لم تكُن فقط لمناقشة العلاقات الثّنائيّة والمُفاوضات النّوويّة، وهو اللقاء الذي جمعه والمُتحدّث باسم ميليشيات الحوثيّ محمّد عبد السّلام في مبنى السّفارة الإيرانيّة في مسقط.

قال المصدر لـ”أساس” إنّ وزير الخارجيّة الإيرانيّ طلبَ من الحوثيين تجنّب رفع التصعيد مع الرّياض في “الوقت الحاليّ” حفاظاً على الجهود التي تبذلها الدّوحة ومسقط. وكشف أيضاً أنّ “لقاءات أمنيّة – تقنيّة” عُقِدَت في الدّوحة بين وفدٍ سعوديّ وآخر للحوثيين، وتركّز البحث بين الفريقين على ترسيخ الهدنة القائمة عبر فتح الطّرقات الرّئيسيّة وتسهيل وصول المُساعدات الإنسانيّة والانتقال إلى عمليّة سياسيّة بين المُكوّنات اليمنيّة تُعيد التوازن إلى البلاد.

تعتبر السعودية أنّ أيّ إشارات “حسن نيّة” أو “تغييراً بالسّلوك الإيرانيّ في المنطقة” سيظهران في اليَمَن، “وبعدها تنتقل المُحادثات إلى مرحلةٍ أخرى، من ضمنها لبنان، أو تتوقّف نهائياً

بعد هذا الحِراك الدّبلوماسيّ، برزَت زيارة عبداللهيان للعاصمة اللبنانيّة بيروت. قال المصدر إنّ وزير خارجية إيران يهدف إلى وضع الأمين العام لحزب الله السّيّد حسن نصرالله في أجواء الحراك القطريّ – العُمانيّ والجهود الرّامية إلى حلحلة الملفّ اليمنيّ. ووضع المصدر ذلك في إطار استشارة نصرالله في ملفّات المنطقة، خصوصاً اليمَن والعراق، لِما له من تأثير مُباشر على هذين الملفّيْن، إضافة إلى إقامة بعض قادة الحوثيين في لبنان.

يُدرِكُ جميع الذين يتواصلون مع المعنيين في العاصمة السّعوديّة أنّ القيادة هُناك تُقدِّم بحث ملفّ اليمن ومُكافحة تهريب المُخدّرات على أيّ ملفّ آخر، حتى الملف اللبناني. لكنّ هذا لا يعني أنّ المملكة غير معنيّة بما يجري في لبنان، إلا أنّ المسؤولين هُناك يُصرّون على أنّ تأثير الأزمة اليمنيّة مُباشر على الأمن القوميّ للبلاد وتهريب المُخدّرات يستهدف الأمن الاجتماعيّ، وكلاهما يتقدّمان على أيّ ملفٍّ آخر أبعد جغرافيّاً.

بحسب المصدر، تعتبر السعودية أنّ أيّ إشارات “حسن نيّة” أو “تغييراً بالسّلوك الإيرانيّ في المنطقة” سيظهران في اليَمَن، “وبعدها تنتقل المُحادثات إلى مرحلةٍ أخرى، من ضمنها لبنان، أو تتوقّف نهائياً. الكرة في ملعب إيران. هذا ما يعرفه القطريّون والعُمانيّون جيّداً، وأيّ إيجابيّة جدّيّة في الملفّ اليمنيّ سيُقابلها تبادلٌ للتمثيل الدّبلوماسيّ مع إيران”، الذي تطالب به طهران، وتتريّث بشأنه الرّياض.

إقرأ أيضاً: صفقة إيرانية – روسية: 6000 مسيّرة.. مقابل “قبّة حديديّة”

بدأت الدّوحة ومسقط جهودهما من حيث تُريد الرّياض. لكنّ الحوار مع إيران أشبه ما يكون بمن يمشي في حقلِ ألغامٍ. هكذا يصف دبلوماسيّ سعوديّ الصّورة. لا يُمكن الجزم أنّ ملفّ اليمَن والعلاقات بين السّعوديّة وإيران وصلَت إلى “خاتمةٍ سعيدة” إلّا بعبور “حقل الألغام الإيرانيّ” بسلام. وإلى حين عبور ذلك الحقل، قد تبرزُ ألغامٌ في الأمتار الأخيرة… وللجهود القطريّة والعُمانيّة تتمّة..

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…