أدرجت الخزانة الأميركية، مساء الجمعة الفائت، ثلاثة لبنانيين على لوائح العقوبات هم ناظم سعيد أحمد، صالح عاصي، وطوني صعب، الذي يُعتبر أول شخص من الطائفة المسيحية يوضع على لائحة العقوبات الأميركية بتهمة تمويل ودعم “حزب الله”، وقيل أن إدراج اسمه على اللائحة، كان رسالة مبطنة لحليف الحزب الأول الوزير في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل لارتباط صعب به من دون إثبات ذلك بأي دليل.
صعب الذي إتُّهم بـ”مساعدة أو رعاية أو توفير الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات إلى (صالح) عاصي”، مالك شركة “إنتر أليمنت” حيث يعمل محاسباً مالياً، نفى في اتصال هاتفي علاقته بالوزير باسيل أو بمعرفته أي أمر يتعلق بـ”حزب الله”، مؤكداً في الوقت نفسه أن ربّ عمله صالح عاصي “أبعد شخص شيعيّ عن الحزب”، عارضاً في الوقت نفسه، كشف حساباته المصرفية أمام أي جهة قضائية لإثبات براءته، نافياً أن تكون التُهم الأميركية بمكانها.
المتابع لملف العقوبات التي تصدر من الخزانة الأميركية يلاحظ أن “أخطاء” سبق أن ارتُكبت في هذا المجال، واللائحة تطول بأسماء أدرجت وسُحبت لاحقاً بعد التقدّم بدعاوى طعن بذلك والفوز بها. وبالتالي فإن توجيه الخزانة الاميركية التُهم إلى بعض الاشخاص أو الهيئات أو المؤسسات، يبدو أنه لا يخضع لمعايير واضحة ولو أن الإتهام يختلف نِسبة لما يُمكن تسميته “حجم التلوّث”. لكن في نهاية المطاف الاتهام هو اتهام، والعقوبة هي عقوبة. فالخزانة الأميركية تملك استنسابية واسعة في اعتبار هذا الفعل “تعاوناً” أو “مشاركة” بالجرم أو ذاك “شرعي” أو “لا شبهة فيه”.
[START2]التهمة بنظر الخزانة الأميركية هي مجرد حظر استعمال عملتها الوطنية[END2]
مصدر مصرفي مطّلع في هذا المجال، كشف لموقع “أساس” أن تبييض الأموال يحصل بطريقة غير نظامية خارج الأنظمة المصرفية بأساليب خفية. غالباً، تكون من خلال نقل الأموال “الكاش” عبر المطارات أو المرافىء أو الحدود البرية. مؤسسات وتنظيمات تتساعد على تهريب المال النقدي يحظى بغطاء سياسي أو حزبي تتهمه الولايات المتحدة بغسل الأموال أو الإرهاب (حزب الله مثلاً)، تصنّفها الخزانة 3 فئات.
غالباً، تكون الخزينة الاميركية تملك اثباتات بأن هذه الأموال التي نُقلت من النقطة “أ” إلى النقطة “ب”، تعود مباشرة للجهة المحظورة والمعاقبة، فتكون هي المستفيد الأول والأخير وتكون هذه الفئة الأولى. أما الفئة الثانية، فتكون مؤلفة من ناقلي هذه الأموال، هم الوسطاء الذين يحصلون على العمولة الخاصة بهم لقاء نقلها فقط. الفئة الثالثة هم بعض الناس الذين يملكون تجارات شرعية ويريدون تهريب أموالهم بعيداً عن الضرائب، وقد تساعدهم الجهة المحظورة والمعاقبة في نقل الأموال لقاء عمولة محددة.
في هذه الحالات قد تكون الفئات الثلاثة محط إتهام من قبل الخزينة الأميركية، لكن هنا تحديداً يدخل عامل “حجم التلوث” والاستنسابية. في بعض الأحيان تدرج الخزانة اسم الأول والثاني والثالث، وأحياناً تكتفي بأحدهم أو تعمد إلى ادراج اسم واحد منهم حتى لو كانت تملك شكوكاً أو معطيات غير كاملة، فتستدرجه بذلك إلى الاعتراض وبالتالي إلى التقدم ضدها بدعوى قد تسمح للمتهم أن يثبت من خلالها براءته، لكنه في المقابل يكون قد قدّم كل ما يملكه من معلومات تحتاج إليها الخزانة الاميركية لاستكمال الملف. هذا الإجراء يقدم إلى الخزانة المزيد من الخيوط التي تمكّنها من معرفة تفاصيل إضافية عن أشخاص أو أساليب تهريب لا تعلمها. التهمة بنظر الخزانة الأميركية ليست حكماً بالإعدام ولا حتى السجن أو انتهاك الحرية، هي مجرد حظر على جهة (فرد أو منظمة أو مؤسسة) مدرج اسمها على جداول الخزانة، استعمال عملتها الوطنية الدولار الأميركي. لكن حجم “دولرة” الإقتصاد اللبناني يجعل من هذه العقوبة أمراً شبيهاً بـ”نهاية العالم” بالنسبة للمعاقب خصوصاً إن كانت له أعمال خارجية.
يعطي المصدر أمثلة عن شخصيات أدرجت أسماؤها ورُفعت لاحقاً، مثل رئيس مجلس إدارة البنك اللبناني الكندي جورج زرد أبو جودة الذي تقدم بدعوى إبراء فسُحب اسمه من جدول العقوبات، وذلك على عكس زميله في المصرف نفسه محمد حمدون الذي لم يُبرّأ. الأمر نفسه حصل مطلع تشرين الاول 2015، حين فرضت الخزانة عقوبات على رجل الأعمال اللبناني مرعي ابو مرعي وأفراد عائلته وشركاته في لبنان والخارج، فأدت الإجراءات إلى تجميد أمواله في الولايات المتحدة بعد تهمة ارتباطه بتجارة المخدرات وتبييض الأموال لـ”حزب الله”. تقدم ابو مرعي بدعوى أمام المحاكم الاميركية وقدم المستندات التي تؤكد براءته، فحُكم بالبراءة وصُدّق الحكم.
[START2]الخزانة الأميركية تعتبر أي محاسب في أي شركة هو “المفتاح” أو “كلمة السر”[END2]
وكذلك في ملف “جمال تراست بنك” الذي أقفل أبوابه بتهم مشابهة قبل أشهر، تقدّم مالكه أنور الجمال بدعوى قضائية ضد الخزانة في المحاكم الأميركية وقد تتم تبرئته إن تمكّن من تقديم المستندات اللازمة لاثبات براءته.
يقول المصدر إن الخزانة الأميركية تعتبر أي محاسب في أي شركة هو “المفتاح” أو “كلمة السر” للشركة، ولهذا تحاول في مرات كثيرة استدراجه حتى “يفرد أوراقه على الطاولة خلال التحقيقات” لأنه الجهة الوحيدة التي تعلم كل قرش في الشركة أين صُرف وحُوّل، كما أن المحاسب “أكثر الجهات في الشركات والمؤسسات تحصل على المكافآت بهدف شراء سكوته لأنها يعلم الكثير”. لهذاـ وبعيداً عن تهم التقرّب من الوزير باسيل أو المشاركة الفعلية بتمويل “حزب الله” التي تتبقى في الإطار السياسي، فإن ثبت أن نمط عيش طوني صعب لا يتماشى مع الراتب الذي اعترف فيه بل يتناسب مع من يتقاضى مليون دولار أميركي سنويا وليس 40 ألف دولار على سبيل المثال، فهذا يعني أن طوني صعب قد يكون “تلقى ثمن سكوته عما يقوم به، ولا يمكن لوم الخزانة الاميركية على قرارها”.
يؤكد صعب أن الشركة حيث يعمل قد باشرت فعلاً بالاجراءات القانونية وقد كلّفت محامٍ في الولايات المتحدة لهذه الغاية وقد باشر بجمع المستندات المطلوبة، فهل تُثبت براءته أو تُؤكَد إدانته؟