الحكومة بين باسيل و”حزب الله”: هل بدأ التباعد؟

مدة القراءة 4 د


 

خلال المؤتمر الصحافي الأخير للوزير جبران باسيل، الذي لوّح من خلاله باحتمال عدم المشاركة في الحكومة المقبلة، لم يكن صعباً الاستنتاج بأنّ رسالة رئيس التيار الوطني الحر استهدفت “حزب الله”، واستطراداً حليف حليفه نبيه بري، قبل أن تكون موجّهة إلى الرئيس سعد الحريري. والدليل أوّل الردود أتى من جانب أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله.

صحيح أنّ استقالة الرئيس الحريري من الحكومة أثارت الاستياء بالقدر نفسه لدى الحزب ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، إلا أنّ مواجهة هذه الخطوة غير المتوقعة لم تكن على الموجة نفسها بين حلفاء الخط الواحد.

 فسريعاً ظهر التباين بين باسيل و”حزب الله” الى درجة صدرت مواقف كاتمة للصوت في محيط  الحزب انتقدت باسيل على إصراره ربط مسار الحكومة بمعادلة “أنا والحريري ندخل معاً أو نخرج معاً”؟ فيما لم يكن هناك من تفسير لدى العونيين لتمسّك الحزب بالمرحلة الاولى بالحريري لتكليفه رئاسة الحكومة ثم نيل “بركته” على اسم آخر وعلى تركيبة الحكومة وتقبّل مناوراته، ورفضه في المقابل حكومة اختصاصيين رئيساً وأعضاء، كان طرحها باسيل، تتولى إدارة المرحلة المقبلة من خلال تأمين غطاء القوى السياسية لها.

ميشال عون طالما هو على كرسيّ الرئاسة الأولى فهناك التزام كامل بالتسوية… أما مع جبران فلا أحد قادر من الطرفين على تقديم جواب دقيق.

وقد بدا لافتاً ردّ السيد نصرالله المباشر على باسيل الذي لوّح بالاستقالة من حكومة يرأسها الحريري وتعيد إنتاج التركيبة نفسها تقريباً وكان طَرَح أيضاً خيار حكومة الاختصاصيين تؤمّن لها الثقة في مجلس النواب، وذلك من خلال التشديد على خيار واحد: حكومة إنقاذية ميثاقية بمشاركة الجميع، يرأسها الحريري أو من يختاره.

عملياً ليست المرة الأولى التي تتباعد المسافات بين الحليفين. في “السيرة الذاتية” لتفاهم حزب الله والتيار الوطني الحر ما يسمح بالجزم أنّ ورقة تفاهم مار مخايل تجاوزت أكثر من قطوع، بما في ذلك تصرّف السيد حسن نصرالله على مدى سنوات التحالف بما يوحي بأنّ ميشال عون طالما هو على كرسيّ الرئاسة الأولى فهناك التزام كامل بالتسوية… أما مع جبران فلا أحد قادر من الطرفين على تقديم جواب دقيق.

تسجّل الذاكرة سابقة في ذكرى العامين للتفاهم ترجمت في الطلّة الاعلامية المشتركة لـ “الجنرال” و”السيّد” على شاشة المحطة البرتقالية. بعد ذلك، تُرك للوسطاء من الجانبين أن يلعبوا دور تنسيق الموقف والدور بما لا يعرّض التفاهم إلى أي هزات ارتدادية. لكنّ وهج باسيل أخذ العلاقة إلى مكان آخر زاد ربما من متانة التحالف بكسب حليف مسيحي “يُحاضر” في المنتديات الدولية بالدور الوطني لحزب الله. لكنه أحدث انقساماً داخلياً لم يخرج من الغرف الضيقة حول شخصية باسيل وجدوى الغطاء السياسي “المفتوح” له.

ورغم الحصانة التي حاول الطرفان تأمينها للحلف المسيحي- الشيعي الذي عرّض عون لاحقاً ليكون “مطلوباً” دولياً مع الوزير جبران باسيل بتهمة الانحياز لسياسات الحزب، إختبر الطرفان مطبّات حقيقية كادت فعلاً أن تحوّل ورقة “مار مخايل” إلى مخطوطة أرشيفية.

حصل التباعد في أكثر من محطة، وعَكَسَه بأمانة جمهور الطرفين رغم خطابات باسيل “المقاوِمة” داخل وخارج لبنان. وعون الذي ذهب أبعد من ذلك في تكريس نظرية التكامل الوجودي مع الحزب مانحاً حتى حليفه الشيعي “شيك على بياض” في تغطية ذهابه للقتال في سوريا.

 

يقابل ذلك اعتراف من مسؤولين قريبين من المقاومة بأن التعامل مع باسيل كان الأصعب مقارنة بباقي الأفرقاء السياسيين

وحتى لحظة تعبيد الطريق أمام الولادة المحتملة لثالث حكومات سعد الحريري في عهد ميشال عون، بقيت المناوشات بين الطرفين مضبوطة تحت سقف تحصين التحالف الثنائي، خصوصاً على أبواب استحقاق رئاسي يريده “الجنرال” أن يكون معلّباً لمصلحة رجل الظلّ جبران باسيل.

وعناوين الخلاف لم تكن هامشية، إذ طالت التمديد لمجلس النواب، وقوانين الانتخاب، والعلاقة مع قيادة الجيش في عهد العماد جان قهوجي، والتعيينات، وبعض الملفات الاقتصادية وأخرى مرتبطة بمكافحة الفساد، وخطة الكهرباء، ومداولات قانون الاىتخاب على أساس نسبي، وصولًا الى التحالفات في بعض المناطق خلال الانتخابات الأخيرة وهي كادت تلهب الجبهة العونية -الشيعية، وصولاً إلى العقدة السنية خلال مفاوضات تشكيل حكومة العهد الثانية. حينها زادت من منسوب التوتر، فيما لم يجد “التيار” في نواب ووزراء الحزب سنداً حقيقياً له في ملف مكافحة الفساد.

يقابل ذلك اعتراف من مسؤولين قريبين من المقاومة بأن التعامل مع باسيل كان الأصعب مقارنة بباقي الأفرقاء السياسيين بسبب “نَفَسه الطائفي” ومناوراته ومروحة خلافاته الواسعة مع الجميع تقريباً.

 

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…