ماذا يخيف “الحزب” في “تكنوقراط” مستقلة؟

مدة القراءة 6 د


حين أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري إستقالة حكومته، إجتهد حزب الله عبر خطاب ثانٍ لأمينه العام حسن نصرلله وعدد كبير من المعلقين في كافة الفضاءات للقول إن الاستقالة لم تكسر كلمة نصرالله، مشددين أن الحزب إكتفى بالقول إنه ”لا يؤيّد استقالة الحكومة“. لم يحتمل حزب الله، أن يحصل تطور الاستقالة خارج ارادته، فسارع للإيحاء بأنه وإن كان لا يحبذها الا أنه لم يضع على سقوطها خطاً أحمر. فصورة ”كلمة نصرالله“ و”خطاب الفصل“ صورة شديدة الحساسية بالنسبة لحزب الله، وقد تم رسمها بإصرار وعناد ومثابرة، حتى صارت لا تحتمل أدنى إهتزاز. لكنها في الوقت نفسه وفي مرات ولو قليلة أوقعت نصرالله في فخ التسرع، كيوم أعلن عام ٢٠٠٧ أن مخيم نهر البارد خط أحمر، قبل أن يتجاوزه الجيش اللبناني سريعاً ضارباً بكلمة نصرالله عرض الحائط، أو يوم تراجع عام ٢٠١٤ عن صيغة 9 – 9 – 6 الحكومية التي تمسك بها نصرالله في ثلاث اطلالات تلفزيونية وذهابه الى حد التلويح ان ما يطرحه الحزب راهناً قد لا يقبل به مع تطور الاوضاع الميدانية في سوريا لمصلحة المحور الذي يمثله الحزب وحلفائه.

 

ليس من مبرر للإعتقاد أن من لا يحتمل إنكسار كلمته، ويستنفر لوأد هذا الانطباع بشتى أشكال المناورات اللغوية، سيحتمل خروجه من الحكومة اللبنانية المقبلة. ثمة من يستسهل الاقتراح على حزب الله أن يقبل بتشكيل حكومة تكنوقراط، تكون أقرب لمزاج الشارع المنتفض، بحجة أن الحزب لا زال يملك الأكثرية في البرلمان وبوسعه اسقاط الحكومة، متى رأى أنها تحيد بإتجاه خيارات سياسية كبيرة لا تناسبه. وثمة من سيحاجج أن الصفة الاستراتيجية لوجود حزب الله في الحكومة مبالغ فيها، لا سيما وأن الحزب كبر واشتد عوده بين العامين ١٩٩٢ و٢٠٠٥ وهو خارج كل الحكومات التي شُكلت.

 

غير أن الجلوس في مقعد حزب الله يوفر منظوراً مختلفاً تماماً للحسابات التي تحكم قراره وتدفعه للتمسك بالتمثيل السياسي في أي حكومة مقبلة، وتعلى من منسوب توجسه من خيارات التكنوقراط أو الحكومات اللاسياسية.

 

فالحزب، ومنذ النقاش الذي اندلع حول توليه وزارة الصحة في الحكومة المستقيلة، يعتبر نفسه المُستهدف الأول من طرح الحكومات اللاسياسية، وهي قناعة تزداد رسوخاً في ضوء الهجمة الأميركية عليه من خلال العقوبات، والتصريحات الاخيرة لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، الذي إعتبر أن للشعبين العراقي واللبناني الحق في إختيار مساريهما بعيدا عن تدخل المرشد الإيراني علي خامنئي.

 

وفق هذا المنظور يرى حزب الله أن خروجه من الحكومة سيُقدم في الاعلام الدولي والاقليمي كما في التصريحات السياسية أنه هزيمة سياسية لها ما قبلها وما بعدها بشأن حضور الحزب وحصانته السياسية.

 

ولعل أكثر ما يقلقه هو باب التفاعلات الذي ستفتحه ”هزيمته“ في لبنان بين الحالة الشيعية اللبنانية ونظيرتها على الساحة العراقية والتي تشهد اشتباكاً شيعياً شيعياً هو الأكثر جذرية منذ سقوط نظام صدام حسين عام ٢٠٠٣، وإستتباب الحكم للحالة السياسية الشيعية الدائرة في فلك إيران.

 

قد تبدو مشاهد احراق صور الخميني وخامنئي وقاسم سليماني في كربلاء والبصرة والديوانية غير قابلة للتكرار في بيروت أو الجنوب او البقاع. غير أن خروج حزب الله من الحكومة، سيُعد إنتصاراً للشرائح الشيعية التي إنتفضت في وجهه في لبنان، وسيشجعها على أشكال أكثر راديكالية في التعبير عن اعتراضها. كما أن إهتزاز مواقع حزب الله الحكومية وهو المنتج الايراني الارسخ والاقوى بين منتجات إيران، سيزيد من ضعف مكانة وحصانة الاحزاب الدينية الشيعية العراقية، وسيرفد المتظاهرين العراقيين بالمزيد من اسباب المثابرة والاصرار على المواجهة.

 

وإذا كان الواقع الشيعي هو الساحة الأكثر استراتيجية بالنسبة لحزب الله وحساباته، الا أن هذه الحسابات تشمل انعكاس اي قرار يتخذه على الساحات الاخرى لا سيما الساحة المسيحية.  فمنذ تفاهم مار مخايل مع الجنرال ميشال عون في شباط ٢٠٠٦ شكل جزء كبير من البيئة السياسية والشعبية المسيحية رافعة لحزب الله غطته في حرب تموز ٢٠٠٦ وفي قرار تدخل حزب الله في سوريا عام ٢٠١٣، كما غطت جزءاً كبيراً من الخيارات السياسية الاقليمية لحزب الله في اشتباكه مع المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة.

 

يعرف حزب الله أن أي حكومة لا سياسية تنطوي على مغامرة كبيرة بجعل الرئيس ميشال عون ورجل عهده الاول جبران باسيل يدفعان ثمن الهبة الشعبية في الشارع، بلا أي ضمانات جدية حول المستقبل السياسي لجبران باسيل، وفي غياب أي بدائل سياسية تملأ فراغ الناجم عن الاقرار بإفلاس العونية السياسية. وسيحاذر حزب الله أن يهدي القوات اللبنانية إنتصاراً مسيحياً، هي التي إنحازت الى الشارع ومطالبه منذ اللحظة الأولى عبر استقالة وزرائها في الحكومة، والإنخراط غير المباشر في لعبة دعم الشارع لا سيما في مناطق الغلبة العونية، في مقابل تحول عون وباسيل الى أهداف ثابتة ومركزية لقوى ثورة ١٧ تشرين الأول.

 

أما سنياً، فالواضح أن الثورة إنتشلت السنة من هوة الاحباط التي دخلوها بعد السابع من أيار ٢٠٠٨، وخسارة الرهان على تغيير سياسي في سوريا، وتضاؤل الاثر السياسي للمحكمة الخاصة بلبنان الناظرة في جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. بقي لحزب الله سعد الحريري، الشريك في ”عهد حزب الله“ المولود من رحم التسوية الرئاسية عام ٢٠١٦، في حين أن الجمهور الطبيعي للحريرية نزل الى شوارع صيدا وبيروت وطرابلس، جاعلاً من الاخيرة عروس الثورة وأيقونتها بلا منازع.

 

حتى العراضة المنظمة التي حاول الحريري أن يحتمي بها بعد يوم من استقالته، في مناطف النفوذ المستقبلي، بدت مفتلعة وباهتة بإزاء الحرارة التي ظلت ترتفع في ساحة طرابلس أو تنامي الاعتراض الصيداوي، وثبات الاعتراض البيروتي.

 

خرج السنة من الاحباط، وإستعادوا الكثير من المبادرة والحيوية السياسية، بلا عداء مذهبي او استنفار منظم او استعارة هويات بدل عن ضائع، كانت تبدأ بتركيا اردوغان ولا تنتهي بالخليفة البغدادي..

 

حين قال نصرالله أن حزب الله هو الأقوى في المعادلة الداخلية، فاته أنه يتحدث عن توازرنات ما قبل الثورة. لا يزال الحزب صاحب الغلبة العسكرية، لكنها غلبة فاقدة لإمكانية الترجمة الى غلبة سياسية. في عالم غير عالم ما بعد ١٧ تشرين الاول كان يمكن لحزب الله أن يذهب بإتجاه حكومة مواجهة، تسمي رئيسها الاغلبية التي يديرها الحزب، وتضع لبيانها الوزاري مهمة واحدة: مواجهة المؤامرة. ما ينقصه هو تعريف أدّق للمؤامرة التي لن يعثر عليها في عيون الفتية الذين ملأوا الشوارع ولا في عيون أمهاتهم الذي زينوا بالامس ساحة الشهداء، كما لم تتزين من قبل.

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…