لماذا يستعصي لبنان على العلاج؟

مدة القراءة 3 د

عام 2020 أعدّ البنك الدوليّ تقريراً عن الاقتصاد اللبنانيّ قال فيه إنّ جمع النفايات يكلّف خزينة الدولة تسعة في المئة من الدخل القوميّ. عام 2024 ازدادت أكوام النفايات ارتفاعاً وارتفعت معها نسبة الإنفاق على جمعها. لا يتحدّث تقرير البنك الدوليّ عن النفايات السياسيّة، فهذه كلفتها أعلى بكثير، وهي غير قابلة للجمع ولا حتّى لإعادة التدوير.

من هنا السؤال: كيف يمكن لدولة تعجز عن معالجة نفايات مواطنيها أن تعالج قضايا الحرب التي تهدّدها أو قضايا السلام التي تتطلّع إليها؟

 

 

أجابت على هذا السؤال مجلّة “إيكونوميست” البريطانيّة (عدد 20 آب 2020) في مقال ألقت فيه اللوم على الطبقة السياسيّة، فقالت إنّ “زعماء الحرب الذين دمّروا لبنان خلال الحرب الأهليّة (لم تكن حرباً أهليّة) يشكّلون اليوم الطبقة السياسيّة التي تنهب الدولة”.

تحدّثت المجلّة عن اللعب على “عواطف” الجماعات الطائفيّة وإثارتها، ثمّ استغلال هذه الإثارة لمزيد من التوظيف السياسيّ الذي يفتح بدون مراقبة أو مراجعة أبواب الوصول إلى المال الحرام! من هذه الأبواب “أكوام النفايات” التي تزرع شوارع بيروت والمدن اللبنانيّة الأخرى.

تقول مجلّة “إيكونوميست”: لم يكن التقاتل الداخليّ ولا التدخّل الخارجيّ سبب الدمار الذي أصيبت به بيروت ومدن لبنانيّة أخرى. لكنّ عجز الدولة وترهّلها وانقسامها هي التي أدّت إلى الكارثة.

على الرغم من فداحة هذه الكارثة، لم يتغيّر شيء جوهريّ. ذلك أنّ مبدأ تقاسم السلطة تحوّل إلى مبدأ تقاسم المنافع والاستثمارات الحرام.

عام 2019 كانت نسبة الفقر في لبنان لا تتعدّى 45 في المئة. ارتفعت هذه النسبة عام 2020 إلى 75 في المئة، وربّما تتجاوز اليوم ثمانين في المئة

حتّى الطّيور هربت!

من شواطئ لبنان المنهوبة، مع ما فيها من موانئ فينيقيّة تاريخيّة، إلى المرتفعات الجبليّة التي تحوّلت من غابات خضر إلى كسّارات جرّدتها من كلّ أخضر. حتّى الطيور المهاجرة وجدت لنفسها طريقاً بعيداً من سماء لبنان. تعلّمت هذه الطيور أنّ التحليق في سماء لبنان لم يعد آمناً، وأنّ مياه أنهاره لم تعد سائغة للشرب، وأنّ أشجاره تحوّلت إلى مكامن لممارسة متعة القتل من أجل القتل!

ربّما الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة المسيّرة (درونز)، التي تكاد لا تغادر الفضاء اللبنانيّ، أقنعت هذه الطيور بأنّ أجواء لبنان لم تعد آمنة، وأنّ مياه أنهاره لم تعد سائغة وأنّ أغصان أشجاره لم تعد مثمرة.

إقرأ أيضاً: ثلاث معارك ومصير الانتخابات مجهول

عام 2019 كانت نسبة الفقر في لبنان لا تتعدّى 45 في المئة. ارتفعت هذه النسبة عام 2020 إلى 75 في المئة، وربّما تتجاوز اليوم ثمانين في المئة.

إذا كانت هذه الأرقام صحيحة، وهي أرقام البنك الدوليّ، فإنّ معنى ذلك أنّ اللبنانيّين يعيشون وهْمَ التقدُّم، تقدُّم في أرقام الهجرة، تقدُّم في تزوير الشهادات الجامعيّة، تقدُّم في فنون الالتفاف حول حقوق المواطنين من البنوك المنهوبة إلى المرفأ الذي دمّرته قنبلة باخرة الأمونيوم المهرَّب (مهرّب لمن؟).

في الحسابات الأخيرة }إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم{ (الرعد:11). ورجال التسلّط لا السلطة هم واجهتنا السياسيّة، وسوف يستمرّون في الواجهة حتّى إشعار آخر وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

مواضيع ذات صلة

“صومالي لاند”: نتنياهو يوسّع رقعة الابتزاز؟

فجأة بات الإقليم، الذي انفصل عن الصومال “الأمّ” عام 1991 وتعامل معه العالم كخبر هامشيّ، متناً يشغل العالم ويطرق باب واشنطن.   بعد ساعات من…

قمّة فلوريدا: نتنياهو يتوثّب للحرب وترامب يجنح للحصار

ستُحدّد اجتماعات دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو وجهة الصراع في الشرق الأوسط خلال عام 2026. ومن دون المبالغة في توقّع تغيير جوهريّ…

فيلم “السّتّ”: حين تُنزع القداسة عن كوكب الشّرق

عندما ملأت سيّدة الغناء العربيّ أمّ كلثوم الدُنيا وشغلت الناس، كانت تُتعب فعليّاً مَن بعدها، ليس من حيث الفنّ والنجوميّة والطرب فقط، وإنّما من حيث…

“أبو عمر”… سوسيولوجيا بُنية التّبعيّة

حين تتصدّر أخبار حدّاد سيّارات من وادي خالد عناوين الصحافة العربيّة والدوليّة، لأنّه نجح لبرهة في انتحال شخصيّة أمير سعوديّ وابتزاز البعض في نادي الطبقة…