هل تُهدّد ممارسات وزير الخارجيّة يوسف رجّي بحصول أزمة دبلوماسيّة بين لبنان وثلاث دول؟ هذا أقلّه ما تستخلصه مصادر وزاريّة في حال أصرّ وزير “القوّات اللبنانيّة” على عدم توقيع مراسيم ثلاثة سفراء، وافق مجلس الوزراء على تعيينهم في مناصب دبلوماسيّة في قبرص واليابان والغابون، ولم يوقّع رجّي حتّى الآن مراسيم تعيينهم!
في جلسة مجلس الوزراء، الإثنين الماضي، التي دشّنت أولى جلسات مناقشة مشروع قانون الفجوة الماليّة، وجّه رئيس الجمهوريّة جوزف عون رسالة مباشرة للوزير رجّي (من دون أن يُسمّيه)، وخلفه “القوات”، مفادها الآتي: “لا يمكن لوزير إيقاف مراسيم وقرارات يتّخذها مجلس الوزراء، بل يجب أن تسلك هذه المراسيم مسارها اللازم”.
تضمّنت المقرّرات التي أذاعها وزير الإعلام بول مرقص ، كما أشار “أساس” في مقال سابق، رسالة إلى رئيس حزب “القوّات” سمير جعجع أيضاً، بعدما طلب الأخير من رئيس الجمهوريّة توجيه رسالة إلى مجلس النوّاب من أجل دراسة مشروع قانون الحكومة المتعلّق بتصويت المغتربين، واعتبر عون أنّ “المجلس النيابيّ يمثّل النظام الديمقراطيّ ويجب أن يكون الكلام والنقاش داخل المجلس”.
هذا مع العلم أنّ رئيس الجمهوريّة، في تصريحه على هامش مشاركته في قدّاس الميلاد في بكركي يوم الأحد، أعاد التذكير بأنّ “مجلس النوّاب، انطلاقاً من مبدأ احترام فصل السلطات، لديه دور يجب أن يلعبه. واجباتنا ضمان سلامة الانتخابات، وأمّا وفق أيّ قانون فهذا شأن مجلس النوّاب. ليناقشوا أيّ قانون يريدون”.
تجربة شربل نحّاس
لكن على هامش المواجهة “النيابيّة” بين بعبدا ومعراب، طَفَت إلى الواجهة مواجهة دبلوماسيّة أكثر حساسيّة يقول عنها قريبون من بعبدا إنّ “تلكّؤ وزير الخارجيّة عن توقيع مراسيم ثلاثة سفراء، وافق مجلس الوزراء على اعتمادهم في الخارج، قد يؤدّي إلى أزمات دبلوماسيّة جدّيّة مع اليابان وقبرص التي وقعّ لبنان معها قبل أشهر اتّفاق ترسيم الحدود البحريّة، إضافة إلى الغابون التي تحتضن إحدى أكبر الجاليات اللبنانيّة في الخارج”.
في الحالة الراهنة انقلب الوزير رجّي، برأي مصادر وزاريّة، على مرسوم التشكيلات الدبلوماسيّة الذي صدر بالإجماع
تفيد معلومات “أساس” أنّه بعد إقرار التشكيلات الدبلوماسيّة في 17 تمّوز الماضي يرفض الوزير رجّي حتّى الآن توقيع مراسيم ثلاثة سفراء هم: جان مراد (قبرص)، عبير طه (اليابان) ومازن كبّارة (الغابون).
يصل الأمر في بعض الأروقة الحكوميّة إلى حد استحضار تجربة تقديم وزير العمل الأسبق شربل نحّاس استقالته عام 2012 لمخالفته “التضامن الوزاريّ”، وذلك على خلفيّة رفضه توقيع مرسوم يتعلّق ببدل النقل باعتباره مخالفاً للقانون، ويُهدّد حقوق الأجراء.
صحيح أنّ خلاف الوزير نحّاس آنذاك كان بشكل أساس مع المرجعيّة السياسيّة التي سمّته وزيراً للاتّصالات ثمّ وزيراً للعمل، وأنّ نحّاس كان يقف إلى جانب الأجراء حماية لحقوقهم القانونيّة وليس ضدّهم، إلّا أنّ الخلاصة هي أنّ نحّاس، بالنتيجة، خالف مبدأ التضامن الوزاريّ واستقال “بالتراضي” آنذاك.
في الحالة الراهنة انقلب الوزير رجّي، برأي مصادر وزاريّة، على مرسوم التشكيلات الدبلوماسيّة الذي صدر بالإجماع.
أزمة دبلوماسيّة ثلاثيّة؟
يقول مطّلعون إنّ “سبب عدم توقيع رجّي مراسيم السفراء جان مراد ومازن كبّارة وعبير طه قد يعود إلى استدعائهم، في فترات سابقة إلى الإدارة المركزيّة، وهو ما وضع علامات استفهام عن إعادة تعيينهم مجدّداً في الخارج”.

لكنّ قرار وزير الخارجيّة يكاد يُفجّر قنوات التواصل “الدبلوماسيّة” التي لا تزال تحكم حتّى الآن علاقة بعبدا بمعراب، إذ لا يجد قريبون من رئيس الجمهوريّة “أيّ سبب مقنع يعطي رجّي الحقّ في عرقلة قرارات صادرة عن مجلس الوزراء والإضرار بمصالح لبنان مع دول أساسيّة”.
إلى ذلك تتراكم المآخذ على رجّي لدى مرجعيّات رئاسيّة، خصوصاً أنّه “يجتهد في التصرّف ممثّلاً لحزب القوّات وليس للدولة اللبنانيّة، وتشي بعض التقارير الدبلوماسيّة عن سلسلة لقاءات أجراها مع سفراء وموفدين دوليّين بأنّ مصلحة الدولة اللبنانية العليا وقرارات مجلس الوزراء لا تتحكّمان بخطابه ومواقفه بل أجندة معراب وقناعاته الشخصيّة”.
عَلِم “أساس” أنّ في 18 تشرين الثاني الماضي صدر قرار “الشورى” لمصلحة مراد “باعتبار القرار المطعون فيه يستوجب الإبطال
“الشّورى” يُنصف السّفراء
في هذا السياق، تفيد معلومات “أساس” أنّ جان مراد، التي كان الرئيس عون عيّنها مستشارته للشؤون الدبلوماسيّة قبل تعيينها سفيرة لبنان في قبرص، تقدّمت أمام مجلس شورى الدولة بمراجعة للطعن بقرار وزارة الخارجيّة استدعاءها إلى الإدارة المركزيّة ببيروت في أيلول 2023، حين كانت تشغل منصب القائمة بأعمال مندوب لبنان في الأمم المتّحدة.
أتى القرار الذي وُصِف يومها بـ”غير المبرَّر”، على خلفيّة إلقاء مراد كلمة مرتجلة من خارج النصّ الرسميّ في جلسة مجلس الأمن شدّدت فيها خلال مداولات التجديد لـ”اليونيفيل” على تمسّكها برفض الصيغة التي تلغي التنسيق بين قوّات الطوارئ الدوليّة في الجنوب والحكومة اللبنانيّة.
عَلِم “أساس” أنّ في 18 تشرين الثاني الماضي صدر قرار “الشورى” لمصلحة مراد “باعتبار القرار المطعون فيه يستوجب الإبطال لعدم استناده إلى وقائع وأسباب تبرّر استدعاء مراد إلى الإدارة المركزيّة، وأنّ السلطة الممنوحة للوزير لاستدعاء الدبلوماسيّين إلى الإدارة المركزيّة ليست سلطة كيفيّة أو تعسّفيّة”.
هذا مع العلم أنّ مراد ضمّنت دعوى الطعن أنّ “قرار الاستدعاء صِيغ كإجراء عقابيّ مقنّع، غير معلَّل، وقد نصّ في سابقة لم يعرفها تاريخ وزارة الخارجيّة على تسليم المستدعية مكاتب البعثة ودار السكن في يوم تبلّغها القرار في 22 أيلول 2023″، إضافة إلى ذكرها كمّ المخالفات القانونيّة التي تضمّنها قرار الاستدعاء.
يقول مطّلعون إنّ “سبب عدم توقيع رجّي مراسيم السفراء جان مراد ومازن كبّارة وعبير طه قد يعود إلى استدعائهم، في فترات سابقة إلى الإدارة المركزيّة
يُذكر أيضاً أنّ وزارة الخارجيّة استدعت عام 2020 القنصل العامّ للبنان في تركيا السفير مازن كبّارة، ثمّ أوقف مجلس الشورى تنفيذ قرار الاستدعاء عام 2024، لا سيّما أنّ قرار الاستدعاء يومها ارتبط بسلسلة من التجاوزات القانونيّة.
هذا وطلبت قنصل لبنان العامّ في نيويورك السفيرة عبير طه عام 2024 نقلها من موقعها إلى الإدارة المركزيّة في بيروت. يُذكر أنّ جان مراد وعبير كانتا في طليعة لائحة الناجحين المقبولين في وزارة الخارجيّة، والسفراء الثلاثة من أصحاب السلوك الدبلوماسيّ الجيّد.
إقرأ أيضاً: عون – جعجع… و”العهد”
رسالة سابقة
ليست المرّة الأولى عمليّاً، التي يوجّه فيها رئيس الجمهوريّة رسالة إلى “القوّات” لتصويب الأداء، ففي حزيران الماضي أكّد عون “ضرورة محافظة الوزراء على التضامن الوزاريّ”. يومها استهدفت رسالة عون سمير جعجع، بعد تقديم “القوّات” طعناً بالقرارين الصادرين عن مجلس الوزراء، وأحدهما عن وزير الطاقة جو صدّي، بوكالة الوزيرة تمارا الزين، في شأن رفع سعر المحروقات وتجميده عند مستويات مرتفعة، على الرغم من التوافق السياسيّ المسبق على القرار.
لمتابعة الكاتب على X:
