هل تقيّد مكابح ترامب “إنجازات” نتنياهو؟

مدة القراءة 7 د

تمكّن بنيامين نتنياهو من إقناع شريحة من الإسرائيليّين بأنّ استهداف “الحزب” أدّى إلى انهيار نظام بشّار الأسد في سوريا، وأنّ استهداف البرنامج النوويّ الإيرانيّ وتدمير معظم قدرات “حماس” العسكريّة أسّسا للبنى التحتيّة لخطّة دونالد ترامب في غزّة.

لكن على الرغم من كلّ الإنجازات التي يتباهى بها نتنياهو، ومنها عودة جميع الأسرى الأحياء و27 جثماناً من أصل 28، وسيطرة إسرائيل على 53% من مساحة القطاع، ثمّة قضايا تشغل بال الإسرائيليّين على مختلف المستويات، وتجعلهم يتساءلون عن إمكان صرف هذه الإنجازات في الأهداف السياسيّة التي تعمل لها حكومة نتنياهو اليمينيّة.

 

لم تتمكّن إسرائيل، بنظر العديد من النخب فيها، من تجريد “حماس” و”الحزب” من سلاحهما، ولا من إقامة سلطة بديلة في غزّة. على الجانب الإيرانيّ، ترى هذه النخبة أنّ طهران تعيد بناء منظومة الصواريخ التي تمكّنت من اختراق القبّة الحديديّة، ووضعت أمنهم أمام تحدّيات غير مسبوقة.

عليه، تتعلّق الأسئلة التي تحظى باهتمامهم في هذه الأوقات، وقبل زيارة نتنياهو للقاء الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب للمرّة الخامسة، بما سيعود به نتنياهو من أوراق في الجبهات التي ما تزال مفتوحة في لبنان وغزّة وسوريا.

هل يبيع ورقة المرحلة الثانية في غزّة لترامب، وينتزع منه غضّ النظر عن الاستمرار في سياسة الضغط على نظام الشرع في سوريا بهدف انتزاع تنازلات أمنيّة كبيرة؟ هل يقلب الطاولة على السفير الأميركيّ لدى تركيا، توم بارّاك، الذي يتحدّث عن مقاربات جديدة في التعامل مع سلاح “الحزب”، فيقنع ترامب بعدم جدوى المسار الدبلوماسيّ أو إعطاء مهل جديدة للحكومة اللبنانيّة؟

رأى بعض المسؤولين الإسرائيليّين والباحثين أنّ إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها

نتنياهو يراهن على عقبات خطّة ترامب

ينتظر الجميع في إسرائيل لقاء نتنياهو بالرئيس ترامب في نهاية الشهر الجاري في فلوريدا، إذ يسود الاعتقاد أنّ نتائج هذه الزيارة ستكون لها تداعيات إقليميّة، وسيتمّ البحث فيها بملفّات إيران ولبنان وغزّة وسوريا، المعتبرة جبهات مفتوحة حتّى الآن.

ترامب

من غير الواضح حتّى الآن هل كان بالإمكان تسوية التضارب القائم بين جدول أعمال ترامب وأجندة نتنياهو على جبهتَي غزّة وسوريا في هذه الزيارة. ينظر ترامب باهتمام بالغ إلى الإنجاز الذي حقّقه في إنهاء الحرب في غزّة، ويعمل مع فريقه على تذليل العقبات التي تواجه الانتقال إلى المرحلة الثانية، وبعضها من صناعة نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرّف في الحكومة.

بالطبع، يراهن الأخير على العقبات التي تواجه تشكيل القوّة المتعدّدة الجنسيّات، وعلى التوافق مع المستوى الأمنيّ في إسرائيل في ما يتعلّق بعدم قدرة هذه القوّة على نزع سلاح “حماس”. يراهن أيضاً على أنّ “حماس” لا تريد التخلّي عن سلطتها، بل تسعى إلى تثبيتها في ما يُعرف حاليّاً بـ”غزّة الغربيّة”.

في هذا السياق، كتب عاموس هرئيل في مقالته في “هآرتس” بعنوان “السؤال المُلحّ: هل يُجبِر ترامب نتنياهو مرّة أخرى على المضيّ قدماً في قطاع غزّة؟”: “يتعثّر الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطّة في القطاع، بينما يواصل ترامب الحديث عن ذلك كأمر محسوم، ويستعدّ لإعلان احتفاليّ في الشهر المقبل. تستعدّ الإدارة الأميركيّة لتشكيل قوّة استقرار دوليّة، ونشرها في القطاع، وإطلاق مشاريع واسعة النطاق في المستقبل لإعادة إعمار الدمار الذي خلّفه الجيش الإسرائيليّ خلال الحرب”.

قبل سفر نتنياهو إلى واشنطن، ارتفعت الأصوات في إسرائيل التي تقول إنّ أميركا ترامب تمثّل “الكابح” فيما تواجه إسرائيل تحدّيات الحرب

أضاف: “لكنّ العقبات تتراكم، والجدول الزمنيّ مرشّح للتأجيل، إذ تعهّدت دول قليلة فقط بالمساهمة وإرسال جنود ضمن قوّة الاستقرار، ولا تنوي أيّة منها في الوقت الراهن نشر قوّاتها في “غزّة القديمة”، أي النصف الغربيّ من القطاع الذي ما يزال خاضعاً لسيطرة “حماس”. لا يوجد تقريباً أيّ شخص في الجانب الإسرائيليّ، لا في المؤسّسة العسكريّة، ومن المؤكّد ليس نتنياهو، يعتقد أنّ تفكيك “حماس” ونزع سلاحها بطرق سلميّة بواسطة قوّة ردع ترامب وحدها هدف قابل للتحقّق”.

أميركا وإسرائيل: علاقات غير متكافئة

الاعتقاد السائد في إسرائيل أنّ الضربة على قطر غيّرت موقف ترامب، الذي أجبر نتنياهو على الاعتذار من رئيس وزراء قطر، ولاحقاً ألزمه بالقبول بوقف إطلاق النار في غزّة. الانطباع حاليّاً أنّ مناورات نتنياهو في موضوع غزّة صارت ضّيقة، وموافقته على توقيع اتّفاق توريد الغاز إلى مصر قبل سفره إلى واشنطن أتت استجابة لطلب ترامب.

لكن يتساءل هرئيل عن “مدى إمكان إدماج هذا الاتّفاق في مخطّط ترامب للتقارب بين مصر وإسرائيل كجزء من خطط “اليوم التالي” للحرب في غزّة”.

يتساءل يوفال سادي على موقع القناة 12 العبريّة: “علامَ حصلت إسرائيل في مقابل هذه المطالب؟ رسوم جمركيّة أميركيّة بنسبة 15% على الصادرات الإسرائيليّة، وقلق إسرائيليّ من عدم تجديد اتّفاق المساعدات العسكريّة”.

أضاف: “هذا أيضاً تطوّر جديد. لقد بات واضحاً للجميع أنّ الحديث لا يدور حول علاقات متكافئة بين دولتين، بل حول علاقة بين قوّة عظمى ودولة هي حليفة جزئيّاً ودولة تابعة جزئيّاً”.

إسرائيل في مواجهة “الكابح الأميركيّ”

قبل سفر نتنياهو إلى واشنطن، ارتفعت الأصوات في إسرائيل التي تقول إنّ أميركا ترامب تمثّل “الكابح” فيما تواجه إسرائيل تحدّيات الحرب على خمس جبهات. ذهب النقاش بين النخب الإسرائيليّة إلى الاعتقاد بأنّ حكومة نتنياهو فقدت استقلاليّة قرارها في مواجهة ضغوط ترامب.

ينتظر الجميع في إسرائيل لقاء نتنياهو بالرئيس ترامب في نهاية الشهر الجاري في فلوريدا

رأى بعض المسؤولين الإسرائيليّين والباحثين أنّ إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها، ومراجعة أحد مبادئ نظريّة بن غوريون في الأمن القوميّ، وهو “الاعتماد على قوّة عظمى”.

في هذا الإطار، كتب كوبي ميخائيل في مقالته في القناة العبريّة 12 تحت عنوان “بحضن خانق من البيت الأبيض: إسرائيل لا تزال غارقة في المعركة”: “إنّ إمكان تكريس واقع يبقى فيه قطاع غزّة منقسماً على طول “الخطّ الأصفر”، مع بقاء “حماس” صاحبة سيادة فعليّة في المنطقة الخاضعة لسيطرتها في القطاع، هو إمكان سيّئ وخطِر على إسرائيل. وقد يتحوّل تقييد الولايات المتّحدة لها إلى سابقة خطيرة أيضاً في ما يتعلّق بـ”الحزب” وإيران، ويضيّق هامش حركتها في سوريا”.

تابع الكاتب: “إنّ الانخراط العميق للولايات المتّحدة في الساحات، قطاع غزّة، لبنان، سوريا وإيران، إلى جانب تعميق العلاقات الاستراتيجيّة مع قطر والسعوديّة، وتحالفات الدفاع معهما، تضع إسرائيل أمام صعوبة في ما يتعلّق بحرّيّة عملها في مواجهة التحدّيات على كلّ ساحة، ويضيّق هامش المناورة الإسرائيليّ في مواجهة الدولتين أكثر فأكثر قربُ الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني من الرئيس ترامب، والتقدير العلنيّ الذي يبديه لهما. هذا التوتّر يصعب حسمه في ظلّ المصالح الأميركيّة وإصرار ترامب على تشكيل بنية إقليميّة جديدة عبر توسيع اتّفاقات أبراهام، التي كان يرغب في أن تشمل أيضاً سوريا ولبنان”.

إقرأ أيضاً: ترامب “يستدعي” نتنياهو لفرض المرحلة الثّانية

السعودية تتصدّر العالم السنّي

تنتظر المنطقة زيارة نتنياهو ولقاءه ترامب، والرهانات في إسرائيل متعدّدة. لكنّ من غير المتوقّع أن نشهد مساراً يتراجع فيه هذا الأخير عن استعمال مكابحه في مواجهة خطط ومناورات نتنياهو، لا سيما عندما يتعلّق الأمر بمصالحه الشخصيّة ومصلحة أميركا. لم يفهم الإسرائيليّون بعدُ التحوّل الكبير الذي يجري في البيت الأبيض، والرهان على العالم السنّيّ ودوره، وفي مقدَّمه المملكة العربيّة السعوديّة، في إعادة هندسة الشرق الأوسط. المرحلة التي كانت تملي فيها إسرائيل شروط رسم مستقبل المنطقة صارت من الماضي.

 

* أستاذ العلوم السياسيّة في الجامعة اللبنانيّة

لمتابعة الكاتب على X:

@WalidSafi16

مواضيع ذات صلة

الفاتيكان تلقّى تجاوباً أميركيّاً يُعفي لبنان من الحرب؟

هل يستند الرئيس اللبنانيّ العماد جوزف عون إلى معطيات صلبة دفعته إلى القول إنّ “شبح الحرب ابتعد”؟ على طريقته فسّر الخشية من تجدّد الحرب بقوله…

مأزق إيران: “فيل الغرفة” الذي لا يراه ظريف

قلّما يتّفق المحلّلون على توصيف الواقع السياسيّ والاجتماعيّ الإيرانيّ، غير أنّ إجماعاً آخذاً في التشكّل بات يجمع طيفاً واسعاً ومتناقضاً من أصحاب الرأي على حقيقة…

المفاوضات: آخر “مقامرات” لبنان لتفادي الحرب الشاملة..

في الثالث من كانون الأوّل 2025، أعادت الناقورة مشهداً غاب منذ عقود: مسؤولون مدنيّون لبنانيّون وإسرائيليّون يجلسون وجهاً لوجه برعاية أميركيّة مباشرة. يقدِّم الخطاب الدبلوماسيّ…

من النّزاع العربي – الإسرائيلي إلى النّزاع الإيراني – الإسرائيلي

بعد حرب 1967 انخرط لبنان عسكريّاً في النزاع العربيّ – الإسرائيليّ من الباب الخلفيّ، أي من خارج إطار الدولة. مع اتّفاق القاهرة في 1969 انطلق…