إيران المهزومة: الشّيعة وقود للحرب وحطب للتّسوية؟

مدة القراءة 5 د

لم تطلق إيران صاروخاً واحداً من أجل تحرير القدس ولا من أجل نصرة غزّة، على الرغم من أنّ جمهورها لم يتمنَّ الموت لأحد بقدر ما تمنّاه لإسرائيل وشيطانها الأكبر أميركا. أمّا فيلق القدس التابع للحرس الثوريّ فقد كانت خرائطه تضمّ العراق وسوريا ولبنان من غير أن تمتدّ خطوطها إلى فلسطين المحتلّة.

 

لا يزال مبدأ الإمام الخميني قائماً، وهو الذي يبدأ بكربلاء وينتهي بالقدس التي ظلّت الإشارة إليها عند حدود الشعارات وهتافات الجمهور، لكنّ الهدف الأبرز يكمن في فكرة حملها الخميني من حياته الشخصيّة لتبتلي بها إيران، فكرة تقول إنّ الثورة الإسلاميّة لن تصل إلى القدس إلّا بعد تحرير العراق وسوريا ولبنان طبعاً.

قصفت إيران إسرائيل بصواريخها حين تعرّضت منشآتها النوويّة للقصف الإسرائيليّ. ما معنى ذلك؟ هناك معنى واحد لا خلاف عليه. كلّ شعارات تصدير الثورة لا قيمة لها مقابل تعرّض الجمهوريّة الإسلاميّة للخطر، فالنظام القائم في إيران منذ أكثر من خمس وأربعين سنة هو ركيزة المخطّط لقيام دولة شيعيّة جديدة في المنطقة، يكون الفرس هذه المرّة قادتها وتكون الفارسيّة لغتها.

لم تطلق إيران صاروخاً واحداً من أجل تحرير القدس ولا من أجل نصرة غزّة، على الرغم من أنّ جمهورها لم يتمنَّ الموت لأحد بقدر ما تمنّاه لإسرائيل وشيطانها الأكبر أميركا

إمبراطوريّة جاهزة؟

ليست تلك الفكرة جديدة، إذ تعود إلى العصر العبّاسيّ يوم اجتثّ الخليفة هارون الرشيد جذور الفساد البرمكيّ من دولته. كانت الملحمة الشعريّة الفارسيّة “شاهنامة الفردوسيّ” هي الردّ على تلك المحاولة. وهو ما يفضح كذب الصلة بالمذهب الشيعيّ. الصفويّة هي المحتوى الفارسيّ الذي اتّخذ من التشيّع غطاء. لا يزال النظام الإيرانيّ في حقيقة سياساته مقيماً في تلك الفكرة. وكلّ أتباعه السابقين والحاليّين حتّى اللاحقين هم على معرفة بحقيقة المشروع التوسّعيّ الإيرانيّ الذي اصطدم بصخرة الرفض الكامل من عموم دول المنطقة.

حلم الخميني تأسيس إمبراطوريّة فارسيّة في إطار مذهبيّ شيعيّ هو المنفذ الذي تتمكّن من خلاله دعوته من التسلّل إلى المنطقة العربيّة سعياً وراء السيطرة على الشيعة. لا ينسى الفرس بغضّ النظر عن معتقداتهم نكبة البرامكة التي تمكّن هارون الرشيد عبرها من إجهاض انقلاب الحكم الذي خُطّط له أن يكون نهاية للعصر الذهبيّ العربيّ. لذلك يكره الفرس بغداد ويكرهون مؤسّسها المنصور ويكرهون شارع الرشيد لأنّه يذكّرهم ولو مجازاً بفشلهم.

في واحدة من لحظات الغلوّ والغرور، صرّح أحد جنرالات الحرس الثوريّ بأنّ الإمبراطوريّة الفارسيّة الجديدة صارت جاهزة للإعلان، فهي تطلّ على الخليج، وعلى بحرَين عالميَّين هما البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسّط، وعاصمتها بغداد. يومها كان الخميني ميتاً. مات الخميني عام 1989 ولم يشهد سقوط العراق عام 2003، الذي شكّل إشارة البدء بتنفيذ المشروع التوسّعيّ نحو المنطقة برمّتها.

غير أنّ خطأً إيرانيّاً كان منتظراً ذهب بأربعين سنة من الجهد والأموال إلى الهاوية. كان السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل 2023 هو ذلك الخطأ.

حلم الخميني تأسيس إمبراطوريّة فارسيّة في إطار مذهبيّ شيعيّ هو المنفذ الذي تتمكّن من خلاله دعوته من التسلّل إلى المنطقة العربيّة سعياً وراء السيطرة على الشيعة

بانتظار طاولة التّسوية؟

ألا يزال حلم الخميني الإمبراطوريّ ممكناً من وجهة نظر ملالي طهران؟ لم يعد مقبولاً أن تستمرّ المؤسّسة الدينيّة في غضّ الطرف عن المسافة التي تفصل بين ما هو مأمول عقائديّاً وما هو ممكن واقعيّاً. وإذا كانت المؤسّسة العسكريّة الإيرانيّة قد أخفقت في الحفاظ على مكتسبات إقليميّة، استغرق الحصول عليها وإنجازها عقوداً من الزمن، فإنّها تتقاسم مع المؤسّسة الدينيّة مسؤوليّة انهيار ذلك الحلم وانسداد الأفق أمام أيّة تسوية تعيد إيران إلى ما كانت عليه يوم كانت تفاوض أوروبا بندّيّة وتكافؤ في الفرص.

النظام الثيوقراطيّ القائم في إيران مغلق على أسراره بطريقة قمعيّة صارمة، ولذلك لم يتسرّب حتّى الآن شيء من الأهداف التي سعت إليها إيران حين أوحت لقيادة “حماس” العسكريّة في الداخل بالقيام بتلك الغزوة التي أصابت إسرائيل بضربة غير مسبوقة في تاريخها العسكريّ. وعلى الرغم من أنّ إيران نفت تكراراً أن تكون على معرفة مسبقة بما حدث يوم السابع من أكتوبر، غير أنّ سلوك قياديّي “حماس” كان يؤكّد الشراكة الطويلة الأمد بين الطرفين، حتّى إنّ مقتل إسماعيل هنيّة في طهران كان جزءاً من الحرب في غزّة، وإيران هي التي كلّفت أذرعها بالمشاركة في حرب الإسناد، وهو ما أدّى في النتيجة إلى أن يتحرّر لبنان وسوريا معاً من الهيمنة الإيرانيّة. ذلك حدث مفصليّ في تاريخ المنطقة انتهت معه أحلام فارس الكبرى.

إقرأ أيضاً: هدنة صقور الشّيعة في العراق؟

إيران وهي تقاتل اليوم في العراق دفاعاً عن مصالحها هي ليست إيران التي دفع فلسطينيّو غزّة ثمن حلمها الأسطوريّ. هناك تقنيّات سياسيّة جديدة تستعملها إيران من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصاديّة في العراق، وفي الوقت نفسه تلقي بالعراق في تهلكة زمن ميت سيكون شيعة العراق أوّل ضحاياه. ذلك لأنّهم لن يربحوا شيئاً من الوقت الذي تسرقه إيران وهي تسعى إلى إطالة زمن صمودها في انتظار تسوية مع الولايات المتّحدة.

 

*كاتب عراقي

مواضيع ذات صلة

الفاتيكان تلقّى تجاوباً أميركيّاً يُعفي لبنان من الحرب؟

هل يستند الرئيس اللبنانيّ العماد جوزف عون إلى معطيات صلبة دفعته إلى القول إنّ “شبح الحرب ابتعد”؟ على طريقته فسّر الخشية من تجدّد الحرب بقوله…

مأزق إيران: “فيل الغرفة” الذي لا يراه ظريف

قلّما يتّفق المحلّلون على توصيف الواقع السياسيّ والاجتماعيّ الإيرانيّ، غير أنّ إجماعاً آخذاً في التشكّل بات يجمع طيفاً واسعاً ومتناقضاً من أصحاب الرأي على حقيقة…

المفاوضات: آخر “مقامرات” لبنان لتفادي الحرب الشاملة..

في الثالث من كانون الأوّل 2025، أعادت الناقورة مشهداً غاب منذ عقود: مسؤولون مدنيّون لبنانيّون وإسرائيليّون يجلسون وجهاً لوجه برعاية أميركيّة مباشرة. يقدِّم الخطاب الدبلوماسيّ…

من النّزاع العربي – الإسرائيلي إلى النّزاع الإيراني – الإسرائيلي

بعد حرب 1967 انخرط لبنان عسكريّاً في النزاع العربيّ – الإسرائيليّ من الباب الخلفيّ، أي من خارج إطار الدولة. مع اتّفاق القاهرة في 1969 انطلق…