المفاوض الإيرانيّ مُربك والأميركيّ مستفيد

مدة القراءة 6 د

الإيجابية التي انتهت إليها الجولة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتّحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، تحوّلت إلى منصّة للعديد من المسؤولين الإيرانيين للدخول على خطّ التفاوض من خلال الحديث عن آليّات التفاهم وشروطه وأبعاده، إضافة إلى ما تسعى طهران للحصول عليه مقابل التنازلات التي ستقدّمها… وهو ما أوقع الموقف الإيراني في فخّ الإرباك والتخبّط الذي يدفع واشنطن إلى رفع سقف مطالبها وشروطها.

 

إذا ما كان كبير مستشاري المرشد الأعلى علي لاريجاني اتّخذ جانب التصعيد في مواقفه وتصريحاته، في ردّه على التعدّدية في الموقف الأميركي والاختلاف الذي يسيطر على تصريحات مسؤولي الإدارة الأميركية، والذي يصل حدّ التناقض أحياناً، فإنّ المواقف الإيرانية تبقى منسجمة مع مواقف وزارة الخارجية المكلّفة إدارة ملفّ التفاوض تحت إشراف المرشد الأعلى للنظام والمتابعة المباشرة لرئيس الجمهورية.

في المقابل، جاءت مواقف الأدميرال علي شمخاني، أحد مستشاري المرشد، والأمين العامّ السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، لتنسف الاستراتيجية التي يتبعها النظام في التفاوض مع الإدارة الأميركية، وتضع الإدارة الدبلوماسية المسؤولة عن التفاوض في دائرة الضعف أمام المفاوض الأميركي. وذلك عندما تحدّث عن الخطوات التي يمكن أن تقوم بها طهران في ما يتعلّق بالأنشطة النووية مقابل قيام واشنطن بإلغاء كامل العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على إيران.

تحدّث شمخاني عن خطوات كان من المفترض أن تكون الورقة الأخيرة في يد المفاوض الإيراني في حال لم يستطِع الحصول على الحدّ الأقصى من مطالبه، أي إذا لم يستطِع إقناع الجانب الأميركي بالسماح له بالاحتفاظ بأنشطة تخصيب اليورانيوم المرتفعة التي تراوح بين 20 في المئة و60 في المئة. بمعنى آخر، قدّم شمخاني مسبقاً للإدارة الأميركية كلّ ما يمكن أن توافق عليه طهران في حال أُجبرت على تنازلات مؤلمة في أنشطتها النووية، الأمر الذي أضعف موقف المفاوض الإيراني وخفّض من سقف المناورة لديه على طاولة التفاوض.

تحدّث شمخاني عن خطوات كان من المفترض أن تكون الورقة الأخيرة في يد المفاوض الإيراني في حال لم يستطِع الحصول على الحدّ الأقصى من مطالبه

خدمة إيرانيّة مجّانيّة

يمكن القول إنّ ما قدّمه شمخاني في الحوار الصحافي الذي أجراه مع قناة NBC News كان بمنزلة خدمة مجّانية للمفاوض الأميركي، وسهّل عليه التشدّد في فرض المزيد من الشروط، وأن ينقل مطلب تفكيك البرنامج النووي وإنهاء أنشطة التخصيب على الأراضي الإيرانية بالكامل من مستوى الضغط للحصول على تنازلات من المفاوض الإيراني، إلى مستوى الشرط الذي يمهّد الطريق للحصول على مزيد من التنازلات.

إيران

شملت التنازلات التي تحدّث عنها شمخاني تأكيداً أنّ إيران لن تقوم بأيّ أنشطة تخصيب عالية في حال الاتّفاق مع دونالد ترامب، وأنّها تتعهّد أن لا تتّجه لتصنيع سلاح نوويّ أبداً، وأن تتخلّص من كلّ مخزونها من اليورانيوم المخصّب بمستويات عالية التي يمكن استخدامها في الجانب العسكري، وأن تقوم بالتخصيب في المستويات الدنيا التي تحتاج إليها للأنشطة غير العسكرية، وأن تسمح للمفتّشين الدوليين بالرقابة على كلّ الأنشطة مقابل إلغاء العقوبات الاقتصادية.

دفعت هذه التنازلات، التي تشكّل الورقة الأخيرة للمفاوض الإيراني، الرئيس الأميركي لإعادة نشر ما قاله في لقائه مع قناة NBC من أنّ هذا التراجع في المطالب يفتح الطريق أمام رفع مستوى المطالب الأميركية والعودة للحديث عن تفكيك البرنامج النووي وإخراج كلّ المخزون من اليورانيوم المخصّب مقابل شراء ما تحتاج إليه لمنشآت إنتاج الطاقة الكهربائية من الخارج، والتدرّج في إلغاء العقوبات إلى حين التأكّد من النوايا الإيرانية وحجم تعاونها مع الهواجس الدولية، خاصة ما يرتبط بالدور والنفوذ الإيرانيَّين في الإقليم، إلى جانب إضعاف برنامجَيها للصواريخ والطائرات المسيّرة وتحديد قدراتهما.

البحث الإيراني مستمرّ عن مخارج للحدّ من ضغوط أميركية لم تكن مطروحة في المفاوضات التي قادت إلى اتّفاق عام 2015

يكشف إضعاف المفاوض الإيراني، من خلال الخدمة التي قدّمها شمخاني، عن ضعف من نوع آخر بات ينخر في جسد النظام ومنظومة القرار فيه، وظهر بشكل واضح في الإرباك الذي سيطر على الموقف الإيراني إزاء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيّته تغيير اسم الخليج الفارسي إلى الخليج العربي. إذ لم تجد منظومة القرار الإيرانية ردّاً سوى توجيه رسالة عبر الوسطاء مفادها بأنّ أيّ إجراء أو موقف يصدر عن الرئيس الأميركي سيدفع النظام  نحو وقف المفاوضات والانسحاب منها، مع ما يعنيه ذلك من الذهاب إلى مستويات جديدة من التصعيد المفتوح على جميع الاحتمالات من كلا الطرفين. وهذا ما لن يحدث إلا كلامياً..

جهد لتخفيف المطالب

المؤشّر الأكثر دلالة على مستوى الضعف الذي تعاني منه منظومة القرار هو أنّ المفاوض الإيراني يبذل الكثير من الجهد من أجل التخفيف من مستوى المطالب والشروط الأميركية، خاصّة ما يتعلّق بمطلب تفكيك منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز وأصفهان وفردو. والدليل على ذلك هو الاقتراح الذي يتمّ الحديث عنه ويظهر فيه استعداد إيران لانشاء “كونسرسيوم” مع دول الجوار الخليجي، وتحديداً السعودية والإمارات، لتخصيب اليورانيوم تحت إشراف دولي، وحتّى أميركي مشدّد، بهدف تعزيز الثقة الدولية بالنوايا الإيرانية وضمان عدم ذهابها إلى الأبعاد العسكرية.

شملت التنازلات التي تحدّث عنها شمخاني تأكيداً أنّ إيران لن تقوم بأيّ أنشطة تخصيب عالية في حال الاتّفاق مع دونالد ترامب

البحث الإيراني مستمرّ عن مخارج للحدّ من ضغوط أميركية لم تكن مطروحة في المفاوضات التي قادت إلى اتّفاق عام 2015، الذي سمح لإيران بالاحتفاظ بعمليّات تخصيب اليورانيوم بكميّات محدّدة عند مستوى 20 في المئة، إلى جانب التخصيب عند مستوى 3.67 في المئة لإنتاج الطاقة الكهربائية، من دون الإشارة إلى أيّ شروط تطالب بتفكيك المنشآت النوويّة.

إقرأ أيضاً: اليمن يُخصّب الحوار الأميركيّ الإيرانيّ

إعادة التمركز التي قامت بها الإدارة الأميركية وتعزيز موقع منطقة الشرق الأوسط في المعادلات الاستراتيجيّة الأميركية التي كرّستها زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية، والتي برزت بشكل واضح  بإلغاء العقوبات الاقتصادية عن سوريا، قد تشكّل فرصة للنظام الإيراني لالتقاط الإشارات الإيجابية وإمكان الحصول من ترامب على قرار بإلغاء العقوبات عليه بشكل شامل في حال تجاوب مع المطالب الأميركية في جميع الملفّات، وتفتح الباب أمام تعاون جديد بين الطرفين قائم على معطيات مختلفة بما يضمن تعزيز الاستقرار في الإقليم ويعيد إحياء موقع إيران على خريطة المنطقة والعالم السياسية والاقتصادية.

مواضيع ذات صلة

من يستدرج لبنان للعداء مع سوريا؟

تعاملت دول جوار سوريا مع تحوّلاتها بشكل متفاوت. لكنّها أجادت التموضع بدقّة ووضوح وثبات. بقي لبنان منذ ذلك الحدث قبل عام، منقسماً، متصدّعاً على المستوى…

الأزمة السّوريّة داخل السّجون اللّبنانيّة تتصاعد

بعد أسابيع على زيارة نائب رئيس الحكومة طارق متري لدمشق، ولقاء رئيس الحكومة نوّاف سلام بالرئيس السوريّ أحمد الشرع على هامش منتدى الدوحة، زار الأربعاء…

سيمون كرم يخلُف نعيم قاسم

لا يختلف اثنان على أنّ تعيين سيمون كرم، الدبلوماسيّ/المدنيّ، على رأس لجنة “الميكانيزم” المكلَّفة بالتفاوض مع إسرائيل، أوقف تدحرج “الحرب الشاملة” التي كانت إسرائيل تهدّد…

تكامل خليجيّ مُتصاعد… ورسائل وازنة لثلاثة جيران

لم تكن القمّة الخليجيّة الأخيرة عاديّة أو استثنائيّة. يُمكن القول إنّها بينهما، توقيتاً ومضموناً. تبني دول مجلس التعاون الستّ (السعوديّة والإمارات وقطر والكويت وعُمان والبحرين)…