منذ بدء سريان قرار وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، الذي لم تلتزمه إسرائيل، والأدقّ منذ فتح النقاش واسعاً في شأن سلاح “الحزب” قبل سنوات من إعلان حرب الإسناد، يتقدّم إلى الواجهة السياسية عنوانان أساسيّان يكسران حالة المراوحة التي طبعت ملفّ السلاح على مدى عهود: احتمال قيام حوار ثنائي، لا سابق له، بين رئيس الجمهورية و”الحزب”، وتوجّه الحكومة، كما قال رئيسها نوّاف سلام، إلى طرح مسألة حصريّة السلاح على طاولة مجلس الوزراء “إن لم يكن في جلسة الحكومة المقبلة، يلّلي بعدها. ورح تسمعوا ما يُطمّنكم”. يحدث هذا الأمر في ظلّ مفاوضات توصف بـ”المصيريّة” بين الولايات المتحدة الأميركية وطهران ستجري اليوم في سلطنة عُمان، ويراهن من خلالها فريقا المواجهة في لبنان على أن تأتي لمصلحة خياراته السياسية.
تكشف معلومات “أساس” أنّ “فكرة عقد حوار ثنائي بين الرئيس جوزف عون، عبر فريق توكَل إليه هذه المهمّة، و”الحزب”، وهي فكرة “صُنِعت” في عين التينة وطرحها الرئيس نبيه برّي ضمن الخيارات المتاحة للنقاش في موضوع السلاح، ربطاً بالمؤثّرات الخارجية التي تحكم هذا الملفّ، وباستعداد “الحزب” نفسه، كما أعلنت قياداته مراراً، للحديث في ملفّ السلاح والاستراتيجية الدفاعية”.
تفيد المعطيات بأنّ الرئيس بري، قبل أن يطرح الفكرة في الفضاء السياسي، تناقش فيها مع رئيس الجمهورية في زيارته الأخيرة لقصر بعبدا، فيما يقول العارفون إنّ “الرئيس عون اعتبرها فكرة جديرة بالبحث، وطرحُها بحدّ ذاته يشير إلى نيّة تعاون، وسيبدأ العمل على بلورتها قريباً، علماً أنّ الهدف من هذا الطرح تنفيذ ما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري عن حصرية السلاح وبسط سلطة الدولة بقواها الذاتية”.
تكشف معلومات “أساس” أنّ “فكرة عقد حوار ثنائي بين الرئيس جوزف عون، عبر فريق توكَل إليه هذه المهمّة، و”الحزب”، هي فكرة “صُنِعت” في عين التينة
على صعيد الحكومة، لا معلومات عن توجّه حكومي قريباً لطرح ملفّ السلاح على طاولة مجلس الوزراء، فيما الحكومة نفسها غارقة في ملفّات الإصلاح، وعلى رأسها مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، وتعيينات مجلس الإنماء والإعمار، وباقي التعيينات الإدارية، وفق الآليّة التي أقرّتها أخيراً. وقد تقاطعت مواقف أكثر من وزير عند غياب “أيّ مؤشّرات حتى اللحظة إلى طرح بند حصرية السلاح في المدى القريب، أو إلى أنّ استراتيجية الأمن الوطني، التي تضمّنها خطاب القسم، ستكون من ضمن مهامّ الحكومة، أو مهمّة الجيش التي قد يعرضها على المجلس الأعلى للدفاع، برئاسة رئيس الجمهورية، وحضور نائبه رئيس الحكومة”.
في هذا السياق، كشف رئيس حزب القوّات سمير جعجع أنّ “وزراء “الحزب” الممثّلين في الحكومة طرحوا بند السلاح في جلسة سابقة لمجلس الوزراء على أساس وضع جدول زمني فوري لتسليم “الحزب” سلاحه، وطلب منهم رئيس الجمهورية بعض الوقت”، وقال جعجع، الذي تحدّث عن مهلة زمنية قصوى لا تتعدّى ستّة أشهر لتسليم “الحزب” سلاحه جنوب الليطاني وشماله، “لأنّه لا فرق بين الشمال والجنوب”.
مع الحوار ولكن
من جهة “الحزب”، عكست مواقف بعض نوّابه تركيب بازل، قد يكون مقصوداً، لأنّها المرّة الأولى منذ نشأة “الحزب” التي يُحاصَر فيها “رسميّاً” حيال مصير سلاحه، وفرض تسليمه للدولة، برعاية أميركية مباشرة. فالنائب علي فياض أكّد انفتاح “الحزب” على “أيّ مسار حواريّ داخلي تطلقه الدولة اللبنانية لمعالجة الملفّات العالقة”، محذّراً في الوقت نفسه من “الضغط على الجيش اللبناني لنزع سلاح “الحزب” ومحاصرة لبنان ماليّاً، ومنع إعادة الإعمار”، ومتحدّثاً عن تزايد مؤشّرات الاحتقان الداخلي.
على صعيد الحكومة، لا معلومات عن توجّه حكومي قريباً لطرح ملفّ السلاح على طاولة مجلس الوزراء، فيما الحكومة نفسها غارقة في ملفّات الإصلاح
أمّا النائب حسن فضل الله فكشف “عن تواصل دائم مع رئيس الجمهورية، وعندما يدعو إلى الحوار ويحدّد شكله ويضع أسسه الوطنية سنشارك”، لكنّه أكّد أنّ “الأولوية الآن هي لمواجهة الحكومة الاعتداءات الإسرائيلية”.
فيما كان لافتاً تأكيد رئيس الجمهورية المستمرّ لـ”تعاون” الحزب ومرونته، تفيد المعلومات بأنّ “الحزب”، كما تقول شخصيّة لصيقة به، “لن يكون بوارد الجلوس إلى أيّ طاولة حوار تبحث في تسليم سلاحه في ظلّ احتلال إسرائيل للمواقع الخمسة في الجنوب، واستمرار اعتداءاتها اليومية برّاً وجوّاً، وتنفيذها اغتيالات من دون رادع. صحيح أنّ “الحزب” ترك للدولة مهمّة إلزام إسرائيل بتطبيق قرار وقف إطلاق النار والانسحاب، لكن لم يصل الأمر إلى القبول بسحب ورقة المقاومة منه، التي لا تزال قابلة للاستخدام بأيّ لحظة، إذا استمرّت إسرائيل في انتهاكاتها”.
في هذا السياق برز أمس موقف المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي تحدّث عن “لوبي سياسي مجنون يعمل وكيلاً بين واشنطن وبيروت، وعينه على نزع سلاح المقاومة الذي يُشكّل أكبر ضمانة للسيادة. هذا الأمر لن يتمّ، ولا توجد قوّة في الأرض تستطيع تحقيق هذه المهمّة القذرة. ولا نقاش إلّا في الاستفادة من قدرات المقاومة وتوظيفاتها الوطنية”.
إقرأ أيضاً: “السّلاح” على طاولة الحكومة قريباً!
حتّى الآن لا يبدو “الحزب”، وفق نقاشاته الداخلية، متماهياً مع خطاب سياسي عامّ يتحدّث عن وضع أجندة زمنية لتسليم السلاح، لا إجراء حوار في شأنه. أكثر من ذلك، يتحدّث قريبون من الثنائي الشيعي عن وجود لغط بين النسختين العربية والإنكليزية لاتّفاق وقف إطلاق النار، حيث إنّ النسخة الإنكليزية تشير إلى عبارة “الانسحاب بدءاً من جنوب الليطاني”، فيما النسخة العربية تتحدّث حصراً عن سحب السلاح وتفكيك المنشآت جنوب الليطاني.
هو تفصيل بسيط، له دلالاته، لكن لن يكون له تأثير على “الموجة” الدولية-الداخلية التي باتت تحاصر “الحزب”، ليس فقط بسلاحه، بل على الحدود الشرقية والمطار ومرفأ بيروت، وفي ملفّ إعادة الإعمار. تفيد المعلومات أيضاً بأنّ بعض الطلبات الأمنيّة الحسّاسة، بدأ يسمعها قادة أجهزة أمنيّة من ضيوف غربيين، لم تكن طوال السنوات الماضية تُطلب منهم، وبعضها ستكون له تداعيات مباشرة على “الحزب” وبيئته.
لمتابعة الكاتب على X: