ترامب “يُعنِّف” نتنياهو: الاتّفاقَ مع إيران و”الحب” لإردوغان

مدة القراءة 7 د

ما الذي دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إعلان بدء المفاوضات بين واشنطن وطهران في هذا التوقيت؟ لماذا استُدعِيَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن على وجه السرعة؟

 

 

لم تكن الطريقة التي طَلب فيها الرئيس دونالد ترامب من بنيامين نتنياهو الحضورَ إلى المكتب البيضاوي أثناء زيارة الأخير للمجر، إلّا إخطاراً من الرئيس الأميركي بوجود مسألة بالغة الأهميّة يريد بحثها مع نتنياهو.

نتنياهو إلى لائحة “المُعنَّفين”؟

منذُ حفلة “التعنيف” التي تعرّضَ لها الرّئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي أمام عدسات الإعلام في المكتب البيضاويّ، صارَ قبول دعوة ترامب إلى زيارته بحدّ ذاته نوعاً جديداً من “الكمائن السّياسيّة”.

القول إنّ استدعاءَ نتنياهو يتعلّق ببحث التعريفات الجمركيّة يُعدّ تسطيحاً للأمر. إذ إنّ مسألة كهذه يمكن مناقشتها وحلّها على مستوى وزراء الماليّة أو التجارة. أعلن ترامب بعد اللقاء الذي استمرّ لأكثر من ساعة ونصف ساعة أنّ واشنطن ستبدأ مفاوضات مباشرة مع إيران يوم السّبت المقبل.

لم تكن الطريقة التي طَلب فيها الرئيس دونالد ترامب من بنيامين نتنياهو الحضورَ إلى المكتب البيضاوي أثناء زيارة الأخير للمجر، إلّا إخطاراً من الرئيس الأميركي

منذ لحظة وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى البيت الأبيض، كان واضحاً من طريقة استقبال ترامب له أنّ الرئيس الذي يصعب توقّع تصرّفاته وقراراته يحضّر لطرح مسألة بالغة الجدّيّة، ولن يتوانى عن ضمّ نتنياهو إلى “لائحة المُعنَّفين في البيت الأبيض”، لكن بنمطٍ أخفّ ممّا حصلَ مع الرّئيس الأوكراني:

  • كانت تعابير وجه الرئيس الأميركي ترتسم بجدّية مطلقة، وتختلف عن تعابير المبالغة بالحفاوة عند استقباله نتنياهو عادةً.
  • كان لافتاً أنّ ترامب تعمّد دخول البيت الأبيض من دون أن يطلب من ضيفه الدخول معه، وتبعه نتنياهو بعد ثوانٍ من إدراكه أنّ ترامب بات داخل المقرّ الرئاسي.
  • كان لافتاً في المؤتمر الصحافيّ أنّ نتنياهو عرضَ وجهة نظر بلاده التي تُفسّر “الاتّفاق الجيّد” مع إيران باعتماد النّموذج الليبيّ، الذي أدّى إلى تفكيك البرنامج النّوويّ لنظام معمّر القذّافي. لكنّه أضافَ أنّ بلاده لن تُمانعَ أيّ جهودٍ دبلوماسيّة تؤدّي إلى منع طهران من امتلاك سلاح نوويّ. اللافتُ أيضاً أنّ المسؤول الإسرائيلي حاولَ أن يُنهيَ المؤتمر الصّحافي عند هذا الحدّ وشكرَ المُراسلين الموجودين في المكتب، إلّا أنّ ترامب أشارَ له بيدِه وقال: “انتظر ثانية، نحن بدأنا التّفاوض المباشر مع إيران، وسنكونُ أمام جلسةٍ تفاوضيّةٍ ذات مستوى رفيع يومَ السّبت المُقبل”.
  • تجنّب نتنياهو أن يوجّه أيّ انتقادٍ أو هجومٍ على إيران كما جرَت عادته عندَ زيارة الولايات المُتّحدة.
  • تعمّدَ ترامب أن يُعطيَ توجيهات لنتنياهو بأهمّيّة عدم استفزاز الرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان، وخاطبَ ضيفه الإسرائيليّ أمام عدسات الإعلام قائلاً: “أنا أحبّ إردوغان، وإن كانت لديكَ أيّ مُشكلة معه فأنا أستطيع المُساعدة على حلّها، لكن عليكَ أن تكونَ منطقيّاً، أنا رجل أؤمن بالحوار والمنطق”.
  • بدا واضحاً أنّ الرّجليْن ليْسا على تناغمٍ في ما يتعلّق بملفّ الحربِ في غزّة، إذ إنّ نتنياهو قال إنّه ناقشَ مع الرّئيس الأميركيّ سُبل “الإفراج عن الرّهائن واستكمال تدمير حركة حماس”. لكنّ ترامب أكّدَ في كلامه ضرورة إنهاء الحربِ في القطاع، وهذا تباينٌ كبير بين واشنطن وتل أبيب.

كان لافتاً أنّ ترامب تعمّد دخول البيت الأبيض من دون أن يطلب من ضيفه الدخول معه، وتبعه نتنياهو بعد ثوانٍ من إدراكه أنّ ترامب بات داخل المقرّ الرئاسي

ترامب مُستعجل.. ابحث عن الصّين

تكمنُ أسبابٌ عديدةٌ خلفَ استعجال ترامب معالجة ملفّات إيران وسوريا وغزّة، وأولويّتها بالنّسبة لإدارته في الوقت الحاليّ. ولهذا كانَ ترامب حريصاً على أن تكونَ الجلسة على مستوى المؤسّسات لا على المستوى الشّخصيّ. تجلّت هذه الصّورة في الوفد الإسرائيليّ الذي ضمّ إلى جانب نتنياهو وزير الشّؤون الاستراتيجيّة رون ديرمر، وهو الشّخص الذي يدير ملفّ المفاوضات مع حماس بعد إقصاء نتنياهو لرئيس الموساد ديفيد برنياع عن الملفّ، ومُستشار الأمن القوميّ تساحي هنغبي.

أمّا الفريق الأميركيّ فضمّ كُلّاً من: نائب الرّئيس جي. دي. فانس، وزير الدّفاع بيت هيغسيث، وزير الخارجيّة مارك روبيو، مُستشار الأمن القوميّ مايك والتز، والمبعوث الأميركيّ إلى الشّرق الأوسط ستيفن ويتكوف.

ليسَت هذه الخطوة تفصيلاً. إذ يُعتبر ترامب ونتنياهو رجليْن عابريْن للمؤسّسات، والشّواهدُ على ذلك كثيرة، من حادثة الكابيتول وصراع ترامب مع مؤسّسات الدّولة العميقة، وصولاً إلى صراع نتنياهو مع “ميزان السّياسة الإسرائيليّة”، أي القضاء والأمن (الجيش والشّاباك والموساد).

الإشارة التي أرادها ترامب من شكلِ الاجتماع هو القول إنّ الملفّات المطروحة للبحثِ هي ملفّات تُعنى بها المؤسّسات الأميركيّة، وذات أولويّة قصوى بالنّسبة لواشنطن.

  • يُخطّط ترامب لزيارة المنطقة منتصف الشّهر المُقبل، في أوّل زيارة خارجيّة له بعد دخوله البيتَ الأبيض. هذا يعني أنّ الرّئيس الأميركيّ يُريدُ الوصولَ إلى نهايةِ هذه الملفّات قبل أو تزامناً مع زيارته للشّرق الأوسط.
  • تولي إدارة ترامب أهمّيّة بالغة لملفّ الصّراع التّجاريّ مع الصّين. وهي بحاجة إلى إقفال ما استطاعت من ملفّات ساخنة للتفرّغ للمعركة التّجاريّة، التي توقّع فانس أن تستمرّ في الـ40 سنةً المُقبلة.
  • تُعتَبرُ إيران ملجأً سياسيّاً – اقتصاديّاً مُهمّاً للولايات المُتحدة في هذه الفترة التي تلت فرضَ الرّسومِ الجُمركيّة على كلّ دولِ العالم. إذ إنّ الاتّفاق مع إيران ورفع العقوبات عنها من شأنهما أن يُعِيدا الشّركات الأميركيّة إلى السّوق الإيرانيّ. فعلى سبيل المِثال، كانت إيران عام 2016 قد طلبت 80 طائرة من شركة “بوينغ” الأميركيّة بقيمة 16.6 مليار دولار. لكنّ الصّفقة عُلّقت بعد إعادة فرضِ العقوبات عليها مع انسحاب ترامب من اتّفاق 2015.

تكمنُ أسبابٌ عديدةٌ خلفَ استعجال ترامب معالجة ملفّات إيران وسوريا وغزّة، وأولويّتها بالنّسبة لإدارته في الوقت الحاليّ

أضِف إلى ذلكَ أنّ الشّركات الأميركيّة مُهتمّة بتطوير قطاع النّفط الإيرانيّ، الذي تعودُ أغلبَ معدّاتِه إلى سبعينيّات وثمانينيّات القرن الماضي، وعودة النّفط الإيرانيّ إلى الأسواق من شأنها أن تُخفّضَ أسعار النّفط، وهذا ما تطمح إليه إدارة ترامب. إضافة إلى أنّ إيران تمتلكُ رابع أكبر مخزونٍ من معدنِ الليثيوم، ومعادِن ثمينة أخرى مثل الزنك والنّحاس والفحم وخام الحديد واليورانيوم والرصاص والذهب والبوكسيت (للألمنيوم) والموليبدينوم والأنتيمون والكبريت.

  • إنّ أيّ اتّفاقٍ بين إدارة ترامب وإيران سيُعدّ مُختلفاً عن اتّفاق 2015، وسيلقى قبولاً من دول المنطقة، وسيساهم في إبعادِ إيران عن الصّين، إذ تُعتبر إيران محطّةً أساسيّة في عبور خطّ التجارة الصّينيّ من شرق آسيا إلى أوروبا.
  • يُريدُ ترامب أن يُسجّل إنجازاً على صعيد السّياسة الخارجيّة في ظلّ عاصفة الرّسوم الجمركيّة، خاصّةً أنّ الملفّ الرّوسيّ – الأوكرانيّ أكثر تعقيداً من الملفّ النّوويّ الإيرانيّ. وتعتبر إدارة ترامب أنّ هناك أرضيّة سياسيّة ترتبطُ بمقترحَيْ المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ويتكوف ومصر لإنهاء الحربِ في غزّة.

ينتظر الجميعُ الجلسة المُرتقبة بين واشنطن وطهران في العاصمة العُمانيّة مسقط. سيجلس المُجتمعون في غرفةٍ واحدةٍ بحضور الوسيط العُمانيّ. تُسمّيها واشنطن بالمفاوضات المُباشرة. وتسمّيها طهران بغير المُباشرة، على اعتبار أنّ وفدَها الذي سيرأسه وزير الخارجيّة عبّاس عراقتشي لن يُخاطِبَ مباشرةً الوفدَ الأميركيّ برئاسة ويتكوف.

إقرأ أيضاً: أميركا – إيران: تفاوضٌ تحتَ “هدير” الـB52

هذه تفاصيل لا يُتوَقّفُ عندها. الأكيدُ أنّ الجلسة هذه ستبحثُ الملفّ النّوويّ ولا شيءَ غيره. فالرّئيس الأميركيّ لم يأتِ على ذِكر البرنامج الصّاروخيّ ولا سلوك إيران الإقليميّ حتى الآن. وهذا يشير إلى أنّ طهران نجحت مرحلياً في فصلِ الملفّات بعيداً عن الـPackage deal. تبقى العيْنُ على طاولة مسقط، فهل ينجحُ ترامب حيثُ فشلَ بايدن أم النّتيجة ستكونُ عينها وتكونُ إيران أمام ضربةٍ لم تتعرّض لها دولة ذات سيادة منذ الحرب العالميّة الثّانية؟

الجواب في مسقط..

مواضيع ذات صلة

الجيش جنوب اللّيطاني: mission is done!

في مثل هذا اليوم تماماً، قبل خمسة أشهر، وُقّع على اتّفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، برعاية أميركية، بعد أكثر من عام ونصف عام…

لماذا ينتظر “الحزب” 12 أيّار؟

بات معروفاً أنّ الحوار الذي ينادي به رئيس الجمهورية جوزف عون، للجلوس إلى طاولة ثنائية مع “الحزب” لمعالجة مسألة السلاح، يراوح مكانه. لا خطوة في…

مفاوضات مسقط: تفاؤل قد يقلبه نتنياهو

لم تنتقل المفاوضات بين إيران والولايات المُتّحدة إلى نقطةٍ يُمكنُ البناء عليها للتفاؤل التّام أو للتّشاؤم. لكنّ تقاطعَ المصالح الإيرانيّة مع أميركا بقيادة دونالد ترامب…

واشنطن تصعّد و”مشروع” الحوار مستمرّ

منذ الإعلان الرئاسي الثلاثي من بعبدا في 18 شباط الماضي، الذي شكّل خارطة طريق “دبلوماسيّة” لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتكريس “دور الجيش اللبناني واستعداده التامّ وجهوزيّته…