لم يعد ينفع التلطّي خلف مصطلحات التهويل للتعمية على حقيقة الوضع الذي يواجهه لبنان. فالرسالة الأميركية كانت واضحة، منذ بدء المبعوثة الأميركية زيارتها للبنان بعد ظهر الجمعة وزيارتها الأولى لمعراب، وصولاً إلى لقاءاتها مع الوزراء الذين تمّ اختيارهم لِما لحقائبهم من دور وواجب في الإصلاح المطلوب. أمام لبنان فرصة محدودة زمنيّاً للبدء بتنفيذ واجباته المحدّدة وفق الأجندة الدولية، وإلّا فإنّ البلد سيكون متروكاً ساحة مفتوحة أمام إسرائيل من جهة، وأمام انهياراته الداخلية من جهة أخرى.
في عودة سريعة إلى ما قبل الحرب الأخيرة، لا بدّ أن نتذكّر زيارات آموس هوكستين، التي غُلّفت ببروباغاندا تطمينيّة لم تكن تقارب واقع الحال. كانت الطبقة السياسية تدّعي أنّ هوكستين “يهوّل” و”يهدّد”. في حين كان ينقل التهديدات بواقعية، ويحاول تجنيب لبنان مصير حرب الـ66 يوماً التي دمّرت قرى الجنوب والبقاع ومناطقهم. لذلك ليس التطمين مطلوباً اليوم، ما دامت كلّ المؤشّرات داخلياً وخارجياً تقود إلى خلاصة واحدة: رئيس الجمهورية جوزف عون أمام تحدٍّ كبير، والمطلوب من “الحزب” التعاون حفاظاً على ما بقي في هذا البلد.
في عودة سريعة إلى ما قبل الحرب الأخيرة، لا بدّ أن نتذكّر زيارات آموس هوكستين، التي غُلّفت ببروباغاندا تطمينيّة لم تكن تقارب واقع الحال
عون يبادر
مقابل السقف العالي الذي وصلت به مورغان أورتاغوس إلى بيروت، تقول معلومات “أساس” إنّ الجانب اللبناني، وتحديداً في قصر بعبدا، كان متجهّزاً لهذا اللقاء. إذ بالإضافة إلى ما سبق أن قاله الرئيس عون عن كيفية معالجة السلاح وفق أولويّة المحافظة على السلم الأهليّ في البلاد، كان يحمل تصوّراً جدّيّاً للمرحلة المقبلة، وفق تقسيم زمني قريب المدى وبعيد المدى.
لذلك سيكون من الدقّة وصف اللقاء بأنّه كان إيجابياً، إلّا أنّ المطالب الأميركية والدولية تضع لبنان أمام امتحان كبير وتحت الخطر. وعليه، تقول مصادر سياسية لـ”أساس” إنّ الأيّام المقبلة بعد الزيارة ستحمل دلالات مهمّة على مستوى الخطوات التي تعتزم “الدولة” أن تقوم بها على مستوى الأمن والإصلاحات معاً. لذلك نجاح السلطة في اجتياز هذا الامتحان يفترض تعاوناً بين الجميع، وتحديداً “الحزب” على مستوى الأمن، والقوى السياسية على مستوى صراعاتها على إقرار الإصلاحات.
فهل يلاقي “الحزب” الرئيس عون في مسعاه؟
لا مؤشّرات بعد إلى هذا الأمر.
وهل تلاقي القوى الماليّة في البلد إصلاحات صندوق النقد متجاوزةً خسائرها؟
لا مؤشّرات أيضاً إلى هذا الأمر بعد. لذلك تقول مصادر دبلوماسية إنّ الرئيس عون اليوم أمام مسؤولية كبيرة تتمثّل في البدء بالعمل تنفيذيّاً على العناوين العالقة.
مقابل السقف العالي الذي وصلت به مورغان أورتاغوس إلى بيروت، تقول معلومات “أساس” إنّ الجانب اللبناني، وتحديداً في قصر بعبدا، كان متجهّزاً لهذا اللقاء
أولويّة أمن الحدود والمعابر
ربّما الحديث العلني الذي أدلت به أورتاغس في نهاية زيارتها اللبنانية قد نجح في اختصار الكثير. لكن لا بدّ من الإضاءة على أكثر من عنوان كانت أساسيّة لدى المبعوثة الأميركية في لقاءاتها مع الرؤساء كافّة ومع القوى المختلفة. على المستوى الأمنيّ:
- أوّلاً: الحرص على تقدُّم أكبر وأسرع للجيش اللبناني جنوب الليطاني لتنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار.
- ثانياً: نزع سلاح “الحزب” وكلّ الميليشيات، بما فيها المخيّمات الفلسطينية، وعلى مستويات عدّة، من السلاح الثقيل إلى المتوسّط والخفيف.
- ثالثاً: بدء العمل على ترسيم الحدود البرّية بين لبنان وإسرائيل.
- رابعاً: بدء ترسيم وضبط كامل وحازم للحدود بين لبنان وسوريا، بما يؤكّد عدم وصول أيّ سلاح إلى “الحزب”.
- خامساً: ضبط المعابر الجوّيّة والبحرية بشكل كامل، وعدم السماح لـ”الحزب” بأيّ نفوذ فيها، إن لجهة تمرير السلاح أو المال.
المستوى الاقتصاديّ والماليّ
إلى ذلك، قالت مصادر سياسية لـ”أساس” إنّ اجتماعات أورتاغوس بوزراء الاتّصالات والطاقة والاقتصاد والمال والخارجية، بالإضافة إلى حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، لها أهداف محدّدة تتوزّع وفق الشكل الآتي:
- أوّلاً: تأكيد ضرورة تطبيق إصلاحات صندوق النقد في ما يتعلّق برفع السرّية المصرفية، والسماح للتدقيق بالوصول إلى السنوات الماضية بهدف التحقيق في تبييض الأموال والحسابات المضخّمة.
- ثانياً: تأكيد إعادة هيكلة المصارف، بما فيها سدّ وإقفال أيّ نوافذ قد يكون “الحزب” عبر منها إلى النظام المصرفي اللبناني.
- ثالثاً: إزالة الهيكلية الماليّة لـ”الحزب”، بما فيها المصرفية الرسمية عبر مؤسّسات الدولة، أو غير الرسمية عبر المؤسّسات الخاصّة أو الكاش .
- رابعاً: تعيين إدارة جديدة في مجلس الإنماء والإعمار على اعتباره مدخلاً لأيّ تمويل ممكن.
إقرأ أيضاً: أورتاغوس: ورقة لبنان في تل أبيب..
بناء على هذه العناوين، تقول المعلومات أنّ واشنطن ستراقب عن كثب الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة اللبنانية وهذه الوزارات للتأكّد من إنجاز ما هو مطلوب منها وفق الأجندة الدولية.
واحد من المحاذير، التي أصرّت أورتاغوس على تكرارها، هي دعوتها السلطة اللبنانية إلى ألّا تنتظر أو تراهن على الوقت، أي على المفاوضات الأميركية الإيرانية، لأنّه حينئذٍ يمكن أن يفوتها القطار، بالإضافة إلى تحذيرها بشكل واضح من خطورة إطلاق أيّ صواريخ إضافية على إسرائيل.
لمتابعة الكاتب على X: