“الحزب” يطلب وأورتاغوس تحذّر من انتظار أميركا-إيران…

زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس للبنان يومَي الجمعة والسبت، سبقتها التسريبات التحذيرية. وحين حلّت في بيروت، اختارت الهدوء والدبلوماسية، بدل التشدّد واللهجة الصارمة. هذا هو الأسلوب الترامبيّ في التفاوض، وقد فعلت التسريبات فعلها: التلويح بالعصا ثمّ تقديم جزرة التفاوض.

البارز في ما نُقل عن أورتاغوس دعوتها لبنان إلى عدم ربط نزع سلاح “الحزب” بما ستؤول إليه العلاقة الأميركية الإيرانية. ولهذه النصيحة خلفيّات، تعيد موضوع السلاح إلى أصله الجوهري.

 

 

لم تتخلَّ المبعوثة الأميركية خلال لقاءاتها مع الرؤساء الثلاثة عن الحديث بشأن التباطؤ في إجراءات لبنان لتنفيذ اتّفاق وقف النار، ومصادرة سلاح “الحزب” حتى في جنوب نهر الليطاني. سمعت منهم شكواهم من استمرار القصف الإسرائيلي واحتلال التلال الخمس. إلّا أنّها اكتفت بالقول إنّ واشنطن تعمل على حلول لانسحاب إسرائيل، ولم تطرح فكرة اللجان للتفاوض أو أيّ نوع من التطبيع، وأُعجبت بفكرة الرئيس نوّاف سلام بأن تتولّى هي المفاوضات المكّوكية بين البلدين. لكنّها تذرّعت بإطلاق الصواريخ من الجنوب، فإدارتها تؤيّد حقّ إسرائيل في الردّ، ومسؤولية الدولة اللبنانية منعها.

قبل مجيئها إلى لبنان، كانت في الأوّل من نيسان الجاري على اتّصال شبه يومي مع رئيس الجمهورية العماد جوزف عون والرئيس سلام، بعدما طالباها بالضغط على إسرائيل لوقف تصعيدها، عبر قصفها العنيف لضاحية بيروت الجنوبية إثر إطلاق صاروخين على أراضيها. أبلغت الجانب اللبناني، بعد توسّطها مع تل أبيب، أنّ الأخيرة ستوقف تصعيدها الذي أسقط 3 أبنية إلّا إذا عاد إطلاق الصواريخ. وذلك يعزّز، من وجهة نظرها، حجّتها بأنّ “تباطؤ” إجراءات لبنان يؤخّر نزع سلاح “الحزب” المطلوب “في أقرب وقت ممكن”.

زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس للبنان يومَي الجمعة والسبت، سبقتها التسريبات التحذيرية. وحين حلّت في بيروت، اختارت الهدوء والدبلوماسية

انتظار الحوار بين أميركا وإيران؟

بموازاة السجال بين لبنان والدبلوماسية الأميركية في الخروق الإسرائيلية، وإجراءات الجيش، توقّف سياسيون أمام ما تسرّب عن دعوتها إلى عدم ربط نزع سلاح “الحزب” بما يجري من ضغوط وتلويح بالحرب أو التفاوض بين أميركا وإسرائيل. قالت إنّه من غير المعروف كيف ستتّجه الأمور. لكنّ البعض يشير إلى وقائع، منها:

  • علم “أساس” أنّ ملاحظة أورتاغوس جاءت إثر معلومات عن أنّ قيادة “الحزب” لم تجد حرجاً في إبلاغ دبلوماسي فرنسي بأنّ من الأفضل ترقّب حصيلة ما يجري بين أميركا وإيران لعلّ النتيجة تسهّل التعاطي مع مسألة سلاحه، لا سيما إذا حصل اتّفاق بينهما. الدبلوماسي معنيّ بعمل اللجنة الخماسية المكلّفة الرقابة على تنفيذ اتّفاق وقف النار وترتيبات تطبيق القرار 1701 (تضمّ أميركا، فرنسا، إسرائيل، لبنان و”اليونيفيل”). وفي تقدير المصادر المطّلعة على هذه الواقعة أنّه لا بدّ من أن يكون الجانب الأميركي قد اطّلع عليها، فنبّهت أورتاغوس من تلك المراهنة.
  • سياسي لبناني أبلغ “أساس” أنّه سمع من أحد القياديين في “الحزب” أنّه ينتظر ما سينتج عن الحوار الأميركي الإيراني. يرى خصوم “الحزب” أنّ مراهنته هذه تنسجم مع “وهم” إيراني بانتزاع حصّة من نفوذ لذراعها اللبناني، إذا حصلت صفقة مع ترامب. على العكس من ذلك، ترى بعض الأوساط الشيعية أنّ قيادة “الحزب” تريد الخلاص من اصطفافها خلف المناورات الإيرانية، وتتمنّى اتّفاقاً إيرانياً أميركياً يوفّر عليها مزيداً من الانخراط في الحروب، بينما لم يعد تنظيمه ولا جمهوره قادرين على تحمّل الخسائر.

يثبت ربط مسألة السلاح بما سيؤول إليه التفاوض أو المواجهة بين أميركا وإيران أنّ احتفاظ “الحزب” بالسلاح له وظيفة إيرانية وليست لبنانية

الوظيفة الإيرانيّة للسّلاح

  • يثبت ربط مسألة السلاح بما سيؤول إليه التفاوض أو المواجهة بين أميركا وإيران أنّ احتفاظ “الحزب” بالسلاح له وظيفة إيرانية وليست لبنانية. في حال رجحت المواجهة، فهذا يعني أنّ احتفاظ “الحزب” به هو للمساهمة في الدفاع عن إيران، وذلك عبر استخدام ما بقي لديه من صواريخ كبيرة وبعيدة المدى ضدّ إسرائيل. وفي حال رجحت صفقة ما في الملفّ النووي ودور إيران الإقليمي، يكون السلاح ورقة تفاوض في يد طهران. ومن الطبيعي أن تجرّدها واشنطن منها.
  • بعض التكهّنات ترى في تمهّل بعض أركان السلطة اللبنانية في طرح مسألة سلاح “الحزب”، تجنّباً لإشكال معه ومع بيئته الشعبية والسياسية. يراهن بعضهم ضمناً على أن يسهّل حسم مصير العلاقة الأميركية الإيرانية معالجة معضلة السلاح. فقادة “الحزب” يصرّون علناً على استمرار المقاومة، بحجّة بقاء الاحتلال الإسرائيلي. وانتظار ما ستؤول إليه العلاقة بين واشنطن وطهران يوفّر على لبنان توتّرات داخلية جرّاء الخلاف على تفسير اتّفاق وقف النار والأعمال العدائية. إذ يميّز الثنائي الشيعي في مسألة نزع سلاح “الحزب” بين جنوب نهر الليطاني وشماله، الذي يعتقد أنّه متروك للحوار في “استراتيجية الأمن الوطني”، كما يسمّيها الرئيس عون، فيما يرى السياديون اللبنانيون، ولا سيما حزب “القوات اللبنانية”، أنّ اتّفاق وقف النار نصّ على نزعه على الأراضي اللبنانية كافّة، والمطلوب وضع جدول زمني لسحبه، وليس حواراً بشأنه. يشمل ذلك سلاح الميليشيات كافّة، والسلاح الفلسطيني داخل المخيّمات وخارجها. ويفترض، حسب أوساط وزارية، أن يتمّ النزع استناداً إلى اتّفاق الطائف، الذي ينصّ على بسط سلطة الدولة على كلّ الأراضي اللبنانية “بقواها الذاتية”. الاستناد إلى الطائف، الذي يشدّد عليه الرئيس سلام، يُغني عن متاهات السجال في اشتمال القرار 1701 على سلاح المقاومة، ووجوب أن ينفّذ لبنان القرار 1559.

إقرأ أيضاً: أميركا – إيران: تفاوضٌ تحتَ “هدير” الـB52

مهما يكن انعكاس التكهّنات في شأن نزع السلاح، فإنّ الانطباعات عن أنّ لهجة أورتاغوس المرنة علناً، في زيارتها الأخيرة، تعود أيضاً، كما قال وزير الثقافة غسّان سلامة، إلى أنّها باتت تميل نحو النظر إلى الملفّ اللبناني على أنّه جزء من الصورة الأوسع في المنطقة. وترمز زيارتها للمتحف الوطني إلى أنّها باتت مهتمّة بالاطّلاع على الجوانب التاريخية للمشهد اللبناني.

 

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

الحزب غير المُمانع: المخيّمات والحدود الشرقية أولاً

بات معلوماً كلّ ما حملته معها أخيراً الموفدة الأميركية مورغان أورتاغس، تصريحاً أو تلميحاً، حيال ما تطلبه إدارتها من السلطات اللبنانية. لم يكن الأهمّ تمسّكها…

قطر تُسوّق الأصفري: رسائل إلى الشّرع أم انقلاب عليه؟

أطلّ رجل الأعمال السوري – البريطاني أيمن الأصفري في حلقة موسّعة وشاملة عبر تلفزيون “سوريا اليوم”، وقد تركّز النقاش على استعراض المرحلة الماضية، ومواكبة مستفيضة…

كنوز إيران تعزز ميول ترامب الديبلوماسية

على مدى عقدين، تعالت أصوات الصقور في إسرائيل وأميركا مطالبة بمهاجمة البرنامج النووي الإيراني. وطوال المدّة نفسها، قوبلت هذه الدعوات بالرفض والمماطلة من أصحاب القرار…

لقاء نتنياهو وترامب: مفاجأة تلامس الإذلال

قبل حوالي شهرين من زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الأخيرة للبيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نشر معهد السياسات والاستراتيجية في جامعة ريخمان…