لن يتغيّر وجه الشّرق الأوسط قبل كسر إيران

بالغ بنيامين نتنياهو دائماً بأنّه يريد تغيير وجه الشرق الأوسط. لكنّ الذي حقّقه مع أميركا هو قطع الأذرع الإيرانية. ولأنّ إسرائيل لا تثق بزعمها، تتابع الهجمات في سورية ولبنان وغزّة، على الرغم من قرارات وقف النار. فيما تقبل إيران التفاوض على النووي، وليس على البالستي، وبشكلٍ غير مباشر. فهل يقبل دونالد ترامب؟ ومتى تتوقّف الهجمات الإسرائيلية وبأيّ شروط؟

 

 

منذ سنواتٍ وسنوات يطالب اللبنانيون والعرب بفصل المسألة اللبنانية عن المشكلات الأميركية والإسرائيلية مع سورية وإيران. ومنذ عهد حافظ الأسد مروراً بعهد بشار الأمجد(!)، كان الفصل مرفوضاً باعتبار وحدة المقاومة وأخيراً وحدة الساحات، التي حاول بشار الأسد الخروج منها، لكنّها أزالته قبل أن تزول. ولا ندري اليوم ماذا كان كلُّ طرفٍ يقدّم. الأسديّون كانوا يعتبرون أنّ لبنان وجبهته مع إسرائيل تخدم قضيّة تحرير الجولان(!)، ولذلك ينبغي أن تبقى الجبهة اللبنانية مفتوحة لحين تتمكّن سورية من التفاوض على استعادة الجولان. وكلّما مضت السنون، كان هذا الهدف يزداد ابتعاداً، إلى أن وصل لمرحلة الإخماد باعتراف دونالد ترامب خلال رئاسته الأولى بالجولان جزءاً من الوطن العبري.

لا نعرف بالتحديد في ما كانت تفكّر إيران حليفة الأسدين، ولماذا تريد من خلال “الحزب” أن تبقى الجبهة مفتوحة. لكن ربّما كان المراد الإيراني أمرين: الضغط على أميركا وإسرائيل لحماية النفس، وكأنّ “الحزب” هو خطّ الدفاع الأوّل. والأمر الثاني: استخدام الأذرع للتبادل بشأن النووي.

بالغ بنيامين نتنياهو دائماً بأنّه يريد تغيير وجه الشرق الأوسط. لكنّ الذي حقّقه مع أميركا هو قطع الأذرع الإيرانية

كلّ يوم يقول لنا نتنياهو إنّه يريد تغيير وجه الشرق الأوسط. وأولى خطوات ذلك ضرب الأذرع الإيرانية أو إفراغ الجبهات من حول إسرائيل. وقد تحقّق معظم ذلك من خلال إخماد الجبهات من جهة غزّة وجنوب لبنان واليمن البعيد غير السعيد، والنفوذ الإيراني ونفوذ “الحزب” في سورية. وتريد إسرائيل الآن، وقد تحقّق أكثر ذلك، أن ينتهي الخطر النووي الإيراني، إمّا بالضرب أو بالتفاوض كما يريد ترامب.

أصحاب فضيلة!

هل هذا هو ما يقصده نتنياهو بتغيير وجه الشرق الأوسط؟ يمضي الآن خطوةً أبعد لتفكيك الدول من حول إسرائيل لكي لا يكون للصراع مستقبل، وتذهب البقيّة المتصدّعة إلى التطبيع. وهذا هو معنى استمرار الضرب في سورية التي غادرها الأسد من غير عودة، واستمرار الضرب في لبنان الذي جرى إقرار الـ 1701 بشأنه. لكنّ إسرائيل ومن ورائها إدارة ترامب لا تكتفيان بإخلاء منطقة جنوب الليطاني، بل تطمحان إلى إنشاء لجان تفاوضية تمهّد للتطبيع مع الكيان العبري.

لا نعرف أحقّاً أدركت إيران التغيّر الراديكالي للمشهد وقرّرت التفاوض مع ترامب حول النووي والصواريخ البالستية مباشرةً أو بشكلٍ غير مباشر، ودونما اعتمادٍ بأيّ شكل على الأذرع. حتّى اليمن قالت إيران إنّها ستسحب منه عناصر الحرس الثوري بعدما بدأوا يتعرّضون للقتل في الهجمات الأميركية الصاعقة. عندما كانوا يقصفون صدّام عام 2003 وهو ساكت، كنّا نظنّه صامداً، لكنّه سرعان ما انهار. وكذلك الأمر على ما يبدو في اليمن. الحوثيون يقولون إنّهم وطّنوا أنفسهم على الصراع في الأمد الطويل، لكنّ خروج الإيرانيين الاضطراريّ، وقد كانوا يكتمون وجودهم بصنعاء، يعني أنّهم سيقبلون مغادرة اليمن بعدما قُتل عددٌ منهم. وما يزال الأمر يحوم من حول الميليشيات العراقية ذات التبعية لإيران، التي يقال إنّ قائد الحرس الثوري حذّرها من التحرّك وخوّفها بشأن نوايا أميركا وإسرائيل.

ما يزال هناك أمران: إلى أين تمضي إسرائيل بشأن سورية ولبنان؟ الأميركيون ساكتون عن الشأن السوري ولا ندري إلى متى. أمّا اللبنانيون فيعتقدون أنّهم أصحاب فضيلة باعتبارهم أقارب ترامب، وسيعطيهم مهلة للبدء بنزع سلاح “الحزب”، ويزعمون أنّهم أبوا تشكيل اللجان التي يراد من ورائها التمهيد للتطبيع مع إسرائيل. فما الذي سيحصل فعلاً؟ وهل تتوالى الهجمات على سورية ولبنان؟

حتّى الآن ما وافق الإيرانيون إلّا على التفاوض على النووي دون البالستي الذي يعتبره الإيرانيون سلاحاً دفاعيّاً، وأمّا الإسرائيليون فلا

الحلّ الصّعب

يبقى النووي والبالستي، وقد قال الإيرانيون عبر عُمان إنّهم يقبلون التفاوض غير المباشر. وكان ترامب قد أعطاهم مهلة شهرين، فهل يقبل أن تتطاول مراحل المفاوضات غير المباشرة إلى أجلٍ لا يُسمَّى؟! حتّى الآن ما وافق الإيرانيون إلّا على التفاوض على النووي دون البالستي الذي يعتبره الإيرانيون سلاحاً دفاعيّاً، وأمّا الإسرائيليون فلا.

إقرأ أيضاً: هذا ما يُقلق نوم خامنئي

لم ينجح نتنياهو في تغيير وجه الشرق الأوسط، بل في تقطيع الأذرع الإيرانية. وإذا تردّد الإيرانيون أو احتالوا فقد يسمح ترامب لنفسه ولإسرائيل بالتفكير في الحلّ العسكري. وهو أمرٌ صعبٌ، فإيران بلادٌ مترامية الأطراف، وإذا كانوا قد عجزوا عن إنهاء حماس في غزة، وهي الجزيرة الصغيرة التي سيطر عليها الخراب، فيكف ستنجح الحملة على “القارّة” الإيرانية؟ هي قصّة بدأت بالنسبة للميليشيات قبل أربعين عاماً، وتريد أنت يا ترامب إنهاءها في شهور؟! هذا اللايقين في لبنان وسورية وإيران لا يمكن الصبر عليه من جانب أهل المنطقة المنكوبين، فكيف بأميركا وإسرائيل؟!

*كُتِب هذا المقال قبل لقاء ترامب – نتانياهو الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي أنّه يفاوض إيران ويريد اتفاقاّ معها.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@RidwanAlsayyid

مواضيع ذات صلة

الحزب غير المُمانع: المخيّمات والحدود الشرقية أولاً

بات معلوماً كلّ ما حملته معها أخيراً الموفدة الأميركية مورغان أورتاغس، تصريحاً أو تلميحاً، حيال ما تطلبه إدارتها من السلطات اللبنانية. لم يكن الأهمّ تمسّكها…

قطر تُسوّق الأصفري: رسائل إلى الشّرع أم انقلاب عليه؟

أطلّ رجل الأعمال السوري – البريطاني أيمن الأصفري في حلقة موسّعة وشاملة عبر تلفزيون “سوريا اليوم”، وقد تركّز النقاش على استعراض المرحلة الماضية، ومواكبة مستفيضة…

كنوز إيران تعزز ميول ترامب الديبلوماسية

على مدى عقدين، تعالت أصوات الصقور في إسرائيل وأميركا مطالبة بمهاجمة البرنامج النووي الإيراني. وطوال المدّة نفسها، قوبلت هذه الدعوات بالرفض والمماطلة من أصحاب القرار…

لقاء نتنياهو وترامب: مفاجأة تلامس الإذلال

قبل حوالي شهرين من زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الأخيرة للبيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نشر معهد السياسات والاستراتيجية في جامعة ريخمان…