لا يُبدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اهتماماً بالاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في تل أبيب والقدس على إقالة رئيس الشاباك رونين بار والمستشارة القضائية، والتنصّل من اتّفاق وقف إطلاق النار بغزّة ولا تعنيه استطلاعات الرأي الرافضة لأدائه بنسبة 66 بالمائة، والمؤيدين له بنسبة 31 بالمائة.
بات نتنياهو يشعر أنّه أقوى من أيّ وقت مضى منذ تشكيله الائتلاف اليمينيّ، الذي بدأ عهده باحتجاجات رفضاً لخطّة “الإصلاح القضائي”، بل ويعتقد أنّه يستند إلى ائتلاف متماسك حتّى اللحظة، جرّاء قيامه بخطوات عدّة ساهمت في ذلك أخيراً، وهي تتوزّع وفق الشكل الآتي:
1- استئناف الحرب على غزّة وعدم المضيّ بالمرحلة الثانية من اتّفاق الهدنة ضمِنا بقاء وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي هدّد بتفكيك الحكومة في حال المضيّ نحو المرحلة الثانية، وإعادة إيتامار بن غفير، الذي استقال من منصبه، وزيراً للأمن قبل إبرام اتّفاق وقف إطلاق النار في كانون الثاني الماضي.
2- دمج وزير الخارجية، جدعون ساعر، وحزبه “اليمين الرسمي”، في صفوف حزب الليكود الذي يتزعّمه مرّة أخرى.
3- شنّ حملة إقالات وتنحيات في مرافق الدولة لضمان هيمنة الحكومة وسيطرتها، مثل إقالة رئيس جهاز “الشاباك”، والبدء بإجراءات إقالة المستشارة القضائية للحكومة غالي ميارا، سبقتها حملة إقالات وتنحيات لمسؤولين وقادة كبار في وزارة الجيش.
4- تلبية مطالب أحزاب الائتلاف اليميني، والجماعات الاستيطانية، وإطلاق العنان لمخطّطاتهم الاستيطانية في الضفّة الغربية، ضمن مشروع ضمّها وفرض السيادة عليها.
5- وعد حاخامات حزب يهدوت هاتوراة بالعمل على سنّ قانون مناسب لإعفاء طلّاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، وضخّ ميزانيات كبيرة للفئات الحريديّة المتشدّدة ومؤسّساتها.
لا تقتصر شهوة اليمين الإسرائيلي للسيطرة على إحكام قبضته على القضاء، بل تطال وسائل الإعلام
استقرار الائتلاف
هذه الترتيبات التي قام بها نتنياهو قادت بالفعل إلى مصادقة الكنيست في 25 آذار الجاري على الموازنة العامّة لعام 2025 بأغلبيّة بلغت 66 عضواً، مقابل معارضة 52 عضواً في الكنيست.
ضمنت هذه الخطوة استقرار الائتلاف الحكومي حتّى نهاية الولاية القانونية للكنيست، في تشرين الأوّل 2026، علماً أنّ عدم المصادقة على الموازنة قبل 31 آذار كان سيؤدّي إلى تفكيك الحكومة تلقائيّاً والذهاب لانتخابات مبكرة.
هاجم رئيس المعارضة في إسرائيل يائير لابيد مصادقة الائتلاف على الموازنة قائلاً: “هذه ميزانية سارقين، مخصّصة لسارقين، على حساب أشخاص مستقيمين. ونتنياهو يُبعد نفسه عن هذه الميزانية ويختبئ، وهو يعلم أنّ هذه الميزانية لا تشكّل اقتصاداً وإنّما إفساد للاقتصاد. وهذه الميزانية تقرّبنا بشكل خطير من النقطة التي لن تكون فيها هذه الدولة قادرة على حماية نفسها”.
تترجم حكومة نتنياهو قوّتها اليوم بعودتها إلى تمرير خطّة “الانقلاب القضائي” التي توقّف العمل بها في السابع من أكتوبر، وعمليّاً بدأت بذلك من خلال تصويتها على إقالة المستشارة القضائية للحكومة، ومصادقة الكنيست فجر 27 آذار على القانون المركزي في خطّة الانقلاب القضائي، وهو قانون إعادة تشكيل لجنة اختيار قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية، الذي بموجبه سيضمن اليمين فرض سيطرته على السلطة القضائية وتحويلها إلى نموذج مُطيع يمتنع عن التدخّل في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية.
قاطعت أحزاب المعارضة جلسة الكنيست خلال التصويت، بينما تقدّمت “جمعية حقوق المواطن في إسرائيل” بالتماس إلى المحكمة العليا لإبطاله، معتبرة أنّ هدف الحكومة من هذا التعديل “هو تعزيز تأثير السلطة التنفيذية على اختيار القضاة في المحكمة العليا وسائر المحاكم، بما يسمح بفرض تعيين قضاة “مطيعين” يدينون بمناصبهم للسياسيّين”، بدلاً من قضاة “مستقلّين وحياديّين”.
تترجم حكومة نتنياهو قوّتها اليوم بعودتها إلى تمرير خطّة “الانقلاب القضائي” التي توقّف العمل بها في السابع من أكتوبر
في سابقة من نوعها، أصدر قادة المعارضة في إسرائيل يائير لابيد وأفيغدور ليبرمان وبيني غانتس ويائير غولان تعقيباً مشتركاً قالوا فيه إنّ “الحكومة الإسرائيلية صادقت على قانون هدفه جعل القضاة تابعين لإرادة السياسيين”، وأضافوا: “في الوقت الذي لا يزال فيه 59 رهينة في غزّة، وعوضاً عن توحيد الشعب وتركيز الجهود لإعادتهم، عادت هذه الحكومة لتشريعاتها التي مزّقت المجتمع قبيل 7 أكتوبر”.
شهوة اليمين
نظراً لما يمتلكه الائتلاف من قوّة داخل الكنيست، لن يجد صعوبة في تمرير أيّ قانون، ومن المؤكّد أنّ تشريعات أخرى ضمن خطّة التعديلات القضائية ستُطرح للتصويت بعد انتهاء عطلة الكنيست.
تعبيراً عن ازدراء وعدم اكتراث الائتلاف للاحتجاجات الشعبية، أكّد رئيس الائتلاف الحكومي في إسرائيل عضو الكنيست أوفير كاتس (حزب الليكود) أنّ التشريعات ستستمرّ على الرغم من الاحتجاجات الواسعة في الشوارع، مضيفاً: “لن نتوقّف عند هذا الحدّ، ونحن مستمرّون”، مضيفاً: “لا أتأثّر بما يحدث هناك”.
لا تقتصر شهوة اليمين الإسرائيلي للسيطرة على إحكام قبضته على القضاء، بل تطال وسائل الإعلام، إذ وعد نتنياهو وزير الاتّصالات شلومو كرعي، حسب الإعلام العبري، بإعادة طرح القوانين التي تهدف إلى تقييد وسائل الإعلام، بعد تمرير الميزانية، ومن بينها قانون الإذاعة الذي قد يضرّ بمحطّات البثّ العامّة، فيما سيعزّز مكانة المحطّات الإذاعية الخاصّة، وقانون “عِدان بلاس” الذي يهدف إلى تحسين أوضاع قناة 14، المعروفة بتوجّهاتها المؤيّدة لليمين، وغير ذلك من القوانين.
لا يُبدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اهتماماً بالاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في تل أبيب والقدس
يدرك نتنياهو أنّ فترة الهدوء والاستقرار التي حقّقها داخل الائتلاف اليميني لا تعني بالضرورة أنّها سوف تستمرّ، خاصة بعد انتهاء مدّة الحكومة، في ظلّ معطيات مقلقة له تخرج بها استطلاعات الرأي، وكان آخرها صباح 28 آذار في صحيفة معاريف، التي أشارت إلى تراجع الائتلاف الحكومي بأربعة مقاعد إلى 50 مقعداً، بسبب هبوط الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش إلى ما دون نسبة الحسم، مقابل حصول الائتلاف المعارض لنتنياهو على 61 مقعداً، بدون الأحزاب العربية.
إقرأ أيضاً: نتنياهو يهندس فشلاً جديداً للموساد
حسب الاستطلاع، إذا خاض رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت الانتخابات بحزب جديد فسيحصل على 27 مقعداً، وسيتراجع الليكود إلى 19 مقعداً، وهو ما سيعني تراجع الائتلاف الحكومي اليميني إلى 44 مقعداً، فيما سيحصل الائتلاف المعارض لنتنياهو على 67 مقعداً بدون الأحزاب العربية. هذا وأعرب 66% من المستطلَعين عن عدم رضاهم عن أداء نتنياهو رئيساً، مقابل رضى 31%.