حماس ومراجعة الحسابات

منذ السابع من أكتوبر 2023 والرد الإسرائيلي على “زلزاله” وحركة حماس تقاتل وتفاوض وحدها، فلا هي أوجدت صيغة فلسطينية موحدة لمعالجة الحالة، ولا قدّمت للغزيين إجابة عن سؤال اليوم التالي، وكيف ترى الحل القابل للتحقق في غزة، دون أن نوسع السؤال ليشمل الحرب على الضفة وآليات إعادة الإعمار بعد كل هذا الدمار.

قاتلت حماس وفاوضت، غير أن متغيرات جذرية مهولة وقعت في المنطقة، ملخصها انفضاض الحلفاء من حولها وأقربهم حزب الله، الذي جازف بفتح معركة إسنادٍ أزعجت إسرائيل، إلا أنه أذعن أخيراً لميزان القوى الذي فرض عليه انسحاباً إلى شمال الليطاني، مع إعلان سياسي بفك الارتباط القتالي مع غزة، وكذلك انحسار النفوذ الإيراني إلى حدوده الدنيا بخسارة الكنز السوري، الذي أسفر عن انتهاء الوجود الإيراني في أثمن قطعة جغرافية في الشرق الأوسط، ما أغلق الرئة الأساسية التي يتنفس منها حزب الله وتنطلق منها إيران إلى تطوير نفوذها في المنطقة.

كل ذلك حدث وحركة حماس تقاتل بما تبقى لديها من إمكانيات عسكرية وتفاوض بما تبقى لديها من رهائن.

بينما إسرائيل تطور أجندتها في القطاع بمزيد من القتل والتدمير وعلى نحو معلن تضحي بالرهائن، فإن عادوا بصفقات يتم إبرامها تحت النار، فهذا أمر جيد، وإن لم يعودوا، فهذا بالنسبة لصانع القرار الرسمي في إسرائيل لن يكبل يبديه عن مواصلة الحرب، التي ارتبط استمرارها بوجوده السياسي.

حماس الآن سياسياً وقتالياً وكما اختارت أو فُرض عليها، هي في عين العاصفة، وهي صاحبة القرار الأول والأخير بشأن الحرب والمفاوضات والهدن والتبادل.

الناس في غزة يرون موتهم اليومي ولا يرون أفقاً لانتهاء الحرب، ولا يرون كذلك من يهب لنجدتهم أو يحمي ما تبقى لهم، وها هم يصرخون.

والوسطاء تضيق المساحات أمامهم بفعل الجنون الإسرائيلي المستند إلى الدعم والتبني المفتوح لكل ما يُفعل من قبل إدارة ترمب، والحلفاء القدماء كلٌ يفتش عن مخارج لأزماته الخاصة بما في ذلك أم الأذرع والجبهات إيران.

لا أحد يملي على حماس ما ينبغي أن تفعل، ولا أحد لديه حلولاً مضمونة لهذه المأساة المتمادية، وبما أن حماس لعبت الدور بمفردها منذ زلزال السابع من أكتوبر وأدارة المفاوضات بمفردها كذلك، فما يقترحه كثيرون عليها وبعد كل الذي حدث في غزة ومن حولها وفي الإقليم كله، أن تراجع حساباتها على ضوء المستجدات وأن تتخذ القرارات الملائمة.

ولعلها تجد في الوسطاء ما يساعدها على معالجة الحالة، خصوصاً وأن الوسطاء إن لم يكونوا حلفاء لحماس مثل قطر، فهم أصدقاء حريصون مثل مصر، أمّا أمريكا المتمتعة بدور الشريك الكامل لإسرائيل، والوسيط المنحاز في اللعبة فهي في واقع الأمر من يحاصر حماس وغزة ويقود الحرب بجملتها وتفاصيلها.

هذه هي حقائق الواقع وبديهي أن تكون المستجدات منها كفيلة بمراجعة الحسابات وهذا ما ينبغي أن يحدث اليوم قبل الغد.

أمّا ما هو أهم من ذلك كله فهو القضية الأساس، قضية الشعب الفلسطيني ومصيره التي لا أمل لإسرائيل بتصفيتها، ذلك بفعل حراسة شعبها لها ومهما نجحت أو أخفقت الطبقة السياسية بكل ألوانها فرصيد القضية الكامن في شعبها لا ينفذ ولا يُهزم.

 

*نقلاً عن موقع مسار

مواضيع ذات صلة

ترامب وبايدن: إدارتان تتقاسمان مآزق المنطقة

اختبرنا في وقت قصير جدّاً حكم الديمقراطيين في أميركا، ولاحقاً حكم الجمهوريين، فما هو الفارق بينهما؟ وكيف تعاطى كلٌّ منهما مع أزمات المنطقة؟   الإدارة…

نتنياهو يُطوّع القضاء: إسرائيل بقبضة التطرّف..

لا يُبدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اهتماماً بالاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في تل أبيب والقدس على إقالة رئيس الشاباك رونين بار والمستشارة القضائية، والتنصّل من…

أكراد إيران: النوروز “عيد” الهويّة..

شكّلت مناسبة عيد النوروز “اليوم الجديد” أو بداية السنة الإيرانية الجديدة (الهجرية الشمسية 1404)، اختباراً حقيقياً لمدى قدرة النظام الإيراني على تلمّس التحدّيات والمخاطر التي…

ثُمانية بن سلمان على خطى المؤسّس: نفعل فوق ما فعلوا

ثماني سنوات. كانت ملء العين والخاطر. لا يُماثل محمّد بن سلمان غيره في كلّ أحواله. وعلى سجيّة من يطلب المجد يصبر عليه. صبر الرجل واجتهد…