الشّرق الأوسط في قلب لعبة الأمم

مدة القراءة 4 د

أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب ثلاث مبادرات من شأنها أن تغيّر العالم:

 

– المبادرة الأولى في الشرق الأوسط تقوم على أساس أنّ اسرائيل على حقّ، ليس في غزّة فقط، بل وفي الضفّة الغربية والجولان أيضاً، وأنّه انطلاقاً من هذا الحقّ يمكن توسيع مشروع “السلام الإبراهيمي” ليشمل دولاً عربية (وإسلامية) عديدة أخرى.

– المبادرة الثانية في أوروبا تقوم على أساس إنهاء الحرب في أوكرانيا بتفاهم أميركي – روسي مباشر، أي من دون المرور عبر الاتّحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي. وقد أطلق مبادرته بنجاح معتمداً على إدراك الكرملين أنّه إذا توقّفت الولايات المتحدة عن الدعم العسكري والسياسي لأوكرانيا، فإنّ الحرب تنتهي حتماً، لأنّ دول الحلف الأطلسي عاجزة عن مواصلة التمويل والتسليح.

– المبادرة الثالثة في الشرق الأقصى، ومحورها تايوان. يعرف الرئيس الأميركي أنّ الرئيس الصيني تشي جينبينغ ملتزم أمام شعبه باستعادة تايوان إلى الوطن الأمّ عام 2027. ويعرف أنّ الاستعدادات الصينية العسكرية أصبحت جاهزة، سواء لفرض حصار صيني على تايوان أو حتّى لاجتياحها.

الشرق الأوسط

من هنا كان انفتاحه على الكرملين لقطع الطريق أمام تفاهم صيني– روسي. وهو تفاهم يقوم على أساس تأييد الصين لروسيا في أوكرانيا مقابل تأييد روسيا للصين في تايوان. يلغي إنهاء الحرب الأوكرانية حاجة روسيا إلى التحالف مع الصين.

ترامب بعد نيكسون

في عهد الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون قام وزير خارجيّته هنري كيسنجر بمبادرة احتوائيّة للصين لقطع الطريق أمام تحالف صيني – سوفيتي. وكانت تلك المبادرة عنواناً لتحوّل جديد في العلاقات الدولية. اليوم يقوم الرئيس ترامب بالمبادرة ذاتها لكن بشكل عكسي. فهو ينفتح على موسكو (عبر بوّابة وقف الحرب الأوكرانية) لقطع الطريق أمام تحالف روسيّ– صيني يضيّق الخناق على الولايات المتحدة في تايوان والشرق الأقصى.

 يبدو واضحاً أنّ قضيّة الشرق الأوسط لم تعد قضيّة إقليمية لذاتها، بل أصبحت جزءاً من لعبة الصراع الدولي

ترامب يهودي سرّاً؟

إذا نجح الرئيس ترامب في تقديم ورقة إنهاء الحرب الأوكرانية لموسكو، وفي تقديم ورقة تجنّب الحرب التايوانية لبكين، فسيجد نفسه قادراً ليس فقط على ليّ ذراع إيران النووية، لكن على تجميع دول المنطقة تحت المظلّة الاستراتيجية الأميركية، وبالتالي على التصرّف بحرّيّة مطلقة في الشرق الأوسط. فالرئيس الأميركي، الذي تردّدت أنباء داخل الولايات المتحدة عن أنّه اعتنق اليهودية سرّاً، يعتبر أنّ تعميم “حلّ الطريق الإبراهيمي” ليشمل بقيّة الدول العربية هو الهدف الأسمى الذي يتطلّع إليه.

يعرف الرئيس ترامب أنّ بإمكانه ليّ ذراع الاتّحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وهو لم يخفِ كراهيته لأوروبا في مناسبات عديدة.

يعرف الرئيس ترامب أيضاً أنّه على العكس من ذلك لا يستطيع ليّ ذراع الصين وقد أصبحت دولة نووية متقدّمة، لكنّه يستطيع ليّ ذراع تايوان التي تعيش تحت المظلّة الأميركية منذ انفصالها عن الوطن الأمّ، وهو الانفصال الذي لم يتحوّل إلى دولة مستقلّة، خوفاً من ردّ الفعل الصيني.

لن يغيّر الرئيس ترامب العالم من خلال الاستيلاء على قناة باناما، ولا حتى من خلال ضمّ كندا لتكون الولاية الأميركية الواحدة والخمسين، ولا حتى من خلال ضمّ جزيرة غرينلاند الدانمركية، لكنّه يستطيع أن يفعل ذلك إذا نجح أوّلاً في قطع الطريق على التحالف الروسي – الصيني من جهة، وفي تطويع الدول الأوروبية من خلال إخضاعها للتسوية المباشرة التي يقوم بها مع روسيا حول الحرب الأوكرانية… وفوق ذلك كلّه تحويل الشرق الأوسط إلى ساحة سلام بين إسرائيل والدول العربية.

إقرأ أيضاً: تصدّع التّحالف الأميركيّ – الأوروبيّ… يغيّر العالم

من هنا يبدو واضحاً أنّ قضيّة الشرق الأوسط لم تعد قضيّة إقليمية لذاتها، بل أصبحت جزءاً من لعبة الصراع الدولي. وفي هذه اللعبة اليد الطولى مع الأسف الشديد هي للولايات المتحدة التي تتماهى مع إسرائيل وكأنّهما واحد.

مواضيع ذات صلة

هل ينطبق “قانون الفراغ” على وقائع التّاريخ؟(2-2)

يطرح الباحث المغربي كمال القصير “قانون الفراغ” لتفسير وقائع التاريخ وللتنبّؤ بها أيضاً، على شكلٍ أفضل ممّا تفعله نظريّة العصبيّة لدى ابن خلدون، أو لاستكمال…

زيارة سعوديّة مفصليّة لطهران

منذ توقيع الاتّفاق السعودي – الإيراني، الذي رعته الصين في العاشر من آذار 2023، والذي تحدّث عن “احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية“،…

لبنان يرفض “حشداً” في جيشه: طهران تردّ من بغداد؟

لم يخطر في بال رئيس الجمهورية جوزف عون، ولم يصدر عن رئيس الحكومة نوّاف سلام ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أو حتى في أيّ تحليلات…

طهران بلسانين… وواشنطن بفعل واحد؟

ينتظر العالم بأسره نتائج الجولة من المفاوضات الإيرانية– الأميركية. ينتظر إشاراتها ونتائجها. ويترقّب مسارها. وقد تبتعد إيران عبرها عن عتبة التخصيب النووي. طبعت هذه المفاوضات…