قطر ليست قدراً.. بأصغر رجالها؟

لطالما كان للدوحة أينما حلّت في السياسة دور ومبادرات. تلعب دور الوسيط عندما يفتقد العالم في أزماته الوسطاء. تذهب حيث لا يذهب الآخرون، وتأخذ وتعطي كأنّها مصنع للأفكار والأدوار. استضافت حركة طالبان عندما لفظها الكون من المكان والزمان وتحوّلت في لحظة ما إلى مقرّ للفارّين من بلادهم وكأنّها أرض اللجوء السياسي والديني لكلّ من أصابه الكثير أو القليل من غدرات الزمان.

 

في لبنان ما كان حظّ جهة ما في الدوحة دائماً وكثيراً مصيبة للتوفيق والنجاح. أطلّت الدوحة على لبنان عبر أسماء وصولاً إلى مبعوث من هنا أو من هناك. أرادت الولوج إلى الملفّ الرئاسي فعرضت دعم على أحد المرشّحين الكبار كي ينسحب من السباق، ثمّ عرضتها على كتل ومستقلّين من النواب تسويقاً لمرشّح بات اسمه مرشّح الدوحة في الصالونات وعبر وسائل الإعلام حتى جاءت الكلمة الكبرى من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بانتخاب العماد جوزف عون رئيساً للبلاد، فأعلنت الدوحة التزامها ونفضت يديها من المبعوثين وكلّ ما تمّ تداوله من أفكار.

آخر الإرهاصات أنّ جهة ما في قطر ضمن مذهب استيراد اللاعبين والوسطاء، بالإضافة إلى سفيرها المعتمد الذي له كلّ التقدير والاحترام لدقة تعابيره وأدائه الدبلوماسي، اعتمدت باسل الحسن رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وسيطاً ينسّق زيارات النواب والجمعيات والشخصيات اللبنانية للدوحة ويسرّب الشائعات إلى الإعلاميين ونشرات الأخبار.

لطالما كان للدوحة أينما حلّت في السياسة دور ومبادرات. تلعب دور الوسيط عندما يفتقد العالم في أزماته الوسطاء

آخر الإبداعات والتسريبات أنّه التقى المبعوث الأميركي الخاصّ إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف في الدوحة ونقل عنه لأحد الزملاء الإعلاميين أنّ إدارته غير راضية عن أداء المسؤولين اللبنانيين في التعامل مع “الحزب”، مشدّداً على أنّ واشنطن ترفض هذا النهج القائم على المناورة والمراوغة، مؤكّداً أنّ ويتكوف سيطلب من لبنان الذهاب نحو مفاوضات مباشرة مع إسرائيل وتكليف شخصية مدنية بهذه المهمّة (راسماً على وجهه ابتسامة، كأنّ شخصه الكريم سيقع عليه الاختيار). وهو ما دفع مكتب ويتكوف إلى أن يصدر بياناً ينفي كلّ هذا الكذب، مشيراً إلى أنّه لم يلتقِ بأي شخصية لبنانية في قطر، وأنّ ما نُقل من كلام هو “كاذب ومضّلل، والترويج لشائعات زائفة لا يؤدّي إلّا إلى نشر الفوضى وتقويض مصداقية وسائل الإعلام”. ولفت بيان ويتكوف إلى أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوضحت علناً وسرّاً أنّ الولايات المتحدة تدعم الحكومة اللبنانية بقيادة رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام.

قطر

لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل تمّ تسريب معلومات عن أنّ النوّاب الذين زاروا قطر الأسبوع الفائت، اشتكوا هناك من سياسة المملكة العربية السعودية في لبنان، وتجاهلها لهم في عدد من الاستحقاقات. فسارع أحد النواب إلى نفي ذلك في بيان، مفنّداً تفاصيل الزيارة، مؤكّداً أنّه لم يسمع من المسؤولين القطريين إلّا كلّ خير عن المملكة العربية السعودية، وأنّها صاحبة الكلمة، وخلفها يسير كلّ الأشقّاء.

إسألوا جنبلاط عنه

هل ما جاء عبر باسل الحسن هي أفكار جهة قطرية أم من عنديّاته وبنات أفكاره كما حصل في العديد من المحطّات، وحكايته مع الاشتباكات الفلسطينية الأخيرة في مخيّم عين الحلوة خير دليل على صحّة ما يُقال، ومن لم يتابع ذلك فليسأل عنه الزعيم وليد جنبلاط فعنده كامل الحكاية وتفاصيلها؟

قطر يمكنها أن تكون دولة مبادَرة وأدوار، إلّا أنّه لا يمكنها أن تكون بأيّ شكل من الأشكال قدراً أو صانعة للأقدار

ما الذي حققته هذه الجهة عبر اعتمادها على باسل الحسن حتى تتحوّل من دولة تستضيف المونديال إلى جهة تحوّل ملعبها السياسي اللبناني إلى ما يشبه “الحوش” باللغة المصرية و”البورة” باللغة اللبنانية كي يلهو فيها اللاعبون الصغار؟

الكرة أوّلاً في ملعب القيادة القطرية المرجو منها أن تصوّب الخيار، وثانياً في ملعب رئيس الحكومة نوّاف سلام الذي يداوم باسل الحسن في مكتب قريب من مكتبه في السراي الحكومي دون أيّ مبرّر أو فعّالية، فهل هو موجود لتنفيذ أجندة تخريبية لعهد رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الذي استبعده قبل أن يُنتخب رئيساً من جلساء مكتبه في وزارة الدفاع باليرزة لأنّه استشعر في حينه خطورة التعاون معه بسبب أنّه يستند في أسلوبه إلى منطق الشائعات بأنّه قريب من دوائر القرار والأمن في بعض السفارات، ويفتقد للدّقة في ما ينقل أو في ما يسمع من أخبار؟

إقرأ أيضاً: قيام الدولة: بالإرغام أو بالغلبة؟

قطر يمكنها أن تكون دولة مبادَرة وأدوار، إلّا أنّه لا يمكنها أن تكون بأيّ شكل من الأشكال قدراً أو صانعة للأقدار بقدرة واحد من صغار الرجال باحث عن دور..

مواضيع ذات صلة

قطار الرّئيس: التّعيينات القضائيّة بالأسماء والتّفاصيل

بعد الانتهاء من التعيينات الأمنيّة وفقاً للخارطة الموضوعة، يستكمل الرئيس جوزف عون الإمساك بمفاتيح التحكّم والسيطرة في مفاصل الدولة، وذلك عبر ملفّ التعيينات القضائية حيث…

وليد جنبلاط في خطر؟

الأول من كانون الأول 1982، صوت انفجار كبير يهزّ بيروت. كنّا في حينه طلاباً نستمع إلى الشاعر عصام العبد الله ناظر مدرستنا (ثانوية رمل الظريف)،…

إلى “كلّنا إرادة”: ردّكم في معرض الإثبات

من حقّ “كلنا إرادة” أن تردّ على أيّة مقالة تتحدّث عنها أو تتناولها. لكن ليس من حقّها أن تصف ما جاء في مقالة الزميل عبادة…

قمتا الرياض والقاهرة

في الطريق إلى القمة العربية الشاملة، التي ستعقد في القاهرة في السابع والعشرين من الشهر الجاري، تعقد قمة خماسية في الرياض. القمتان الأولى والثانية، تجسدان…