باسيل: لا تطبيع من دون حقوق!

بموازاة تعزيز ورقة التفاوض الدبلوماسي لحلّ مسألة الإنسحاب الإسرائيلي، وتثبيت الحدود، وإعادة الأسرى، يمضي العدو الإسرائيلي في تكريس المنطقة العازلة جنوباً عبر توسيع بقعة الإحتلال بما يتجاوز المواقع الخمسة، وتنفيذ اغتيالات تطال عناصر في الحزب، وشنّ غارات جنوباً وبقاعاً يقول أّنّها تستهدف مخازن أسلحة للحزب.

بعد ضرب الحزب عسكرياَ، وسقوط نظام بشار الأسد، دخل الحدث الاميركي-اليمني على الخط ليمنح إسرائيل قوّة دفع أكبر في لبنان للإطباق نهائياً على الحزب. هو ستاتيكو قد يحكم المشهد الحدودي لفترة طويلة، وقد يقضم أشهر وسنوات من عمر العهد، كون الإسرائيلي “باقٍ ويتمدّد”، في لبنان وسوريا من دون رادع. لذلك، ستحاول السلطة الجديدة التعويض بـ “إنجازات” في الداخل، ريثما يُثمِر الحلّ الدبلوماسي.

 

قدّم الثنائي الشيعي ما يُشبِه “كارت بلانش” لـ “الدولة” للتصرّف في شأن فرض الإنسحاب الإسرائيلي الشامل من لبنان. في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، أقرّ أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم بـ “وجود حصار، ولن يسمحوا لنا بالراحة”، مؤكّداً إعطاء الدولة الفرصة الكاملة للحلّ السياسي، “والإسرائيليون يعرفون إذا لم يخرجوا من الأرض سيواجهون بمقاومة. ليس الآن، بل لاحقاً. صَبرَنا أخذناه بقرار، لنرى إلى أين سيصل الاتّفاق”.

يمضي العدو الإسرائيلي في تكريس المنطقة العازلة جنوباً عبر توسيع بقعة الإحتلال بما يتجاوز المواقع الخمسة

في ظل مرحلة الحلّ الدبلوماسي و”الصَبر الطويل”، تتقدّم إلى الواجهة بعض وقائع الداخل وتفرض نفسها على اللعبة الداخلية، أولها مدى تأمين الحاضنة الداخلية لتخلّي الحزب، لأول مرة منذ نشأته وضمن أدبياته وسلوكياته السياسية، عن ورقة قوّته، بترك الأمر للدولة بـ “التصرّف”، حيال واقع الإحّتلال ومصير سلاحه.

في هذا السياق، يلفت مطلعون إلى خطاب رئيس الجمهورية في إفطار دار الفتوى الذي استند بجزء منه إلى خطاب القسم حين تحدّث عن “أهمية المشاركة السياسية للجميع من دون تهميش، أو عزل، أو إقصاء لأي مكوّن”.

ربما الترجمة العملية الأولى لهذا الكلام، بعد تشكيل الحكومة، أخذت مداها في جلسة التعيينات في مجلس الوزراء، يوم الخميس الماضي، حين قال الرئيس جوزف عون أمام الوزراء، الذين سأل بعضهم عن المعايير التي حَكَمَت التعيينات الأمنية: “لقد تحقّقنا من السيرّ الذاتية لكل المرشّحين، وجميع الضبّاط أكفّاء. كما جرى اتّفاق مع رئيس الحكومة نواف سلام والرئيس نبيه بري على الأسماء”.

“ثلاثية” سياسية

“ثلاثية” التوافق السياسي من تأليف الحكومة إلى التعيينات الأمنية، ستشهد مزيداً من الاختبارات في التعيينات المقبلة، حتّى في ظل وجود آلية، وفي الملفّات الدسمة والحسّاسة المطروحة على طاولة مجلس الوزراء، خصوصاً المالية منها، وصولاً إلى إجراء الاستحقاق البلدي، والتعديلات المحتملة على قانون الانتخاب. نتحدّث هنا عن عدّة أستحقاقات قد تشكّل اختباراً حقيقياً لمظلّة التوافق السياسي، ومدى “صلاحيته” أمام تنفيذ أجندة العهد السياسية:

-بدءًا من 4 آذار وحتى تاريخ 4 نيسان، يمكن لوزارة الداخلية البدء بدعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات البلدية. هو استحقاق يدفش الثنائي الشيعي باتّجاهه، وبدأ يُشكّل فرزاً في التحالفات بالمناطق لا يُشبِه التحالفات النيابية بحكم المعطى “الأهلي” للاستحقاق. إقرار الميغاسنتر في “البلدية” يحتاج إلى قانون كونّه أقرّ في السابق لتطبيقه حصراً في الانتخابات النيابية، وهو بهذه الصيغة اختياري وليس مُلزِماً، ويحتاج إلى تسجيل مسبق، فيما اعتماد “البيوت الجاهزة” pre fabricated في القرى الحدودية لا يحتاج إلى قانون. وفق المعلومات، يضغط الثنائي الشيعي باتّجاه إتمام التصويت في بيوت جاهزة في القرى الحدودية المدمّرة وليس خارجها (صور أو صيدا)، لما لذلك من تأثير معنوي على الناخبين، ولكونه يُشكّل رسالة مواجهة مع الإحتلال. قرار السلطة السياسية، بكيفية التعاطي مع القرى المدّمرة، لم يُحسَم بعد،  فيما التأجيل التقني لا يزال محتملاً.

يلفت مطلعون إلى خطاب رئيس الجمهورية في إفطار دار الفتوى الذي استند بجزء منه إلى خطاب القسم حين تحدّث عن “أهمية المشاركة السياسية للجميع من دون تهميش، أو عزل، أو إقصاء لأي مكوّن”

-بات بِحكم المؤكّد أنّ أي مواجهة سياسية محتملة لا يمكن لأي فريق أن يخوضها من داخل مجلس الوزراء بل خارجه، وذلك لعدم إمتلاك أي فريق الثلث المعطّل. لذلك فالتوافق السياسي الثلاثي، أو الرباعي، والخماسي هو رهينة تفاهمات ظرفية تُنتجها الكواليس، بحسب الملف. وحتى الآن لم يَصدُر عن الوزراء الشيعة الخمسة ما يوحي بأنّهم “وديعة” للثنائي الشيعي. فيما يتحدّث الوزراء المحسوبون على “جوّ” القوات والكتائب بلهجة تصعيدية حيال سلاح الحزب، وضرورة فرض أجندة لتسليم السلاح، لم تجد صدى لها لدى الرئيسين، خصوصاً لجهة إلتئام المجلس الأعلى للدفاع للبحث بالموضوع.

-على المستوى المسيحي نحن أمام مشهد غير مسبوق منذ العام 2005: قوى أحزاب المعارضة “سابقاً” مع وزراء من المجتمع المدني داخل الحكومة، فيما حزب السلطة، “سابقاً”، “التيار الوطني الحر” خارجها. وأمس كرّس النائب جبران باسيل الإنقسام بين من “همّ جوا وبرّا” في خطاب تصعيدي واضح أبعده أكثر فأكثر عن “إعلانه” الأول، باعتباره “كتلة داعمة للعهد”، حكومة ورئيساً. فقد كرّس باسيل سقوط ورقة التفاهم بينه وبين الحزب، وتحدّى الدولة تنفيذ القرار 1701 وسحب السلاح من الحزب وحصر السلاح بيدّ الدولة، قائلاً “تفضّلوا للتنفيذ. وفينا نعمل تفاهم مفروض”، لكن مع معارضته سحب السلاح “من خلال حرب أهلية، وحصول تطبيع مفروض من دون حقوق، فيما يجب أن يكون سلاماً عادلاً مع حقوق”. كما رفع السقف عالياً حيال ضرورة مواجهة إحتلال “جيش النازحين” وإخراجه فوراً من لبنان، و”سنفضح عملاء الإحتلال”، إضافة إلى رفضه “المسّ بقانون الانتخاب”، خصوصاً لجهة اعتماد صوتين تفضيليين “لترجيح أكثرية عددية”، واصفاً “الانتخابات النيابية المقبلة بالحرب الكونية النووية علينا”.

إقرأ أيضاً: “أمن العهد”: حدود و”تحرير” وانتخابات

– سيُشكّل ملف إعادة الإعمار أكثر الملفّات ثقلاً على العهد الحالي. وبرأي كثيرين، سيتحوّل إلى ورقة ضغط حقيقية على الرئيسين عون وسلام، فيما بدأت قيادات الحزب تضع بيئتها اللصيقة في أجواء توحي بأنّ “الأمر قد يطول ولن تبدأ ورشة الإعمار في المدى القريب، مع ضرورة التحسّب لأي طارئ قد يحدث ربطأ بهذا الملف وباستمرار الانتهاكات الإسرائيلية والحصار المالي على الحزب”.

لمتابعة الكاتب على X:

@MalakAkil

مواضيع ذات صلة

“حِصار” ثلاثيّ والحكومة تُحيّد “الحزب”

مع سقوط قرار وقف إطلاق النار في غزة وتجدّد الحرب الإسرائيلية على القطاع، فُتِح الباب واسعاً أمام فرضيّة “سقوطه” في لبنان أيضاً، من زاوية استكمال…

الحدود الشّماليّة الشّرقيّة: الرّواية الكاملة للاشتباكات الأخيرة

هل عُقدت صفقة بين الحكومتين اللبنانية والسورية ليخيّم هدوء نسبي قطعته اشتباكات مسائية على الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا، بعد توتّرات أمنيّة عنيفة شهدتها المنطقة…

حاكم مصرف لبنان: الخماسية تختلف على التسمية..

بعدما نشرت وكالة “رويترز” تقريرها عن اهتمام شديد تُوليه الولايات المتحدة الأميركية لمنصب حاكم مصرف لبنان، وإجرائها عدد من المقابلات مع مرشّحين للمنصب، لا بدّ…

واشنطن للسوداني: الإفراج عن تسوركوف أو العقوبات

ما جديد ملفّ الباحثة الإسرائيليّة – الرّوسيّة إليزابيث تسوركوف المختطفة في العراق؟ وهل اقتربَ موعد الإفراج عنها؟ وماذا أبلغت واشنطن الى المسؤولين في بغداد؟  …