شريطان مصوّران تمّ تداولهما في الأيّام الأخيرة يفتحان المجال السياسي والشعبي على عدد كبير من الأسئلة ليس أوّلها ولا آخرها: لماذا يكرهون السُّنّة؟
– الشريط الأوّل: عوائل سورية سنّية تغادر بطابور كبير منطقة الغوطة بضواحي دمشق عام 2016 بعد اتّفاق مع “الحزب” وجيش الأسد على المغادرة ضمن طريق آمنة تمّ تحديدها. ما إن وصلوا إلى منتصف الطريق يظهر في الشريط صوت مقاتل من “الحزب” يعطي الأوامر بتفجير موكب العائلات المغادرة لتتناثر أشلاء الأطفال والنساء والعجائز. أكثر من 750 مدنياً أُبيدوا في هذا التفجير.
– الشريط الثاني: إحراق خيم للّاجئين السوريين في بلدة العاقبية الجنوبية يوم الأحد الفائت بعد إشكال فرديّ. في الشريط أصوات لشباب من المنطقة تنادي باستكمال حرق خيم بني أميّة، ثمّ يظهر صوت آخر يقول “دعسنا بني أميّة”.
العبرة والاعتبار
لا وجود لمصطلح العبرة في قاموس اللبنانيين. الشيعة بكتلتهم الراديكالية الشعبية والسياسية وما يتفرّع عنها من ميليشيا وأمن، تمارس اليوم الإنكار “للعبرة والاعتبار”. ممارسة سبقهم إليها السُّنّة والموارنة والدروز في مراحل سابقة من تاريخ لبنان.
تتعاطى الراديكالية الشيعية اليوم في عام 2025 مع سُنّة سوريا ولبنان تماماً كما كانت تتعاطى معهم عام 2015. تتجاهل كلّ التطوّرات والأحداث والمتغيّرات كأنّها تنكر أو لا تريد أن تعترف أنّ نظام بشار الأسد قد سقط وأنّه مختبئ في موسكو، ولا أن تعترف أنّ الأمين العامّ لـ”الحزب” حسن نصرالله وخليفته هاشم صفيّ الدين قد قتلتهما إسرائيل، وأنّ قرى الحافة الجنوبية محتلّة اليوم واليهود الصهاينة يمارسون السياحة الدينية في منطقة “تلّة العباد”.
تتعاطى الراديكالية الشيعية اليوم في عام 2025 مع سُنّة سوريا ولبنان تماماً كما كانت تتعاطى معهم عام 2015. تتجاهل كلّ التطوّرات والأحداث والمتغيّرات
تمارس الراديكالية الشيعية فعل الإنكار لمسؤولية نظام طهران لعملية البيجر واغتيال السيّد واصطياد القادة الواحد تلو الآخر. تحاول استكمال الفكرة من حيث بدأت، أي من لحظة قرار العدوان والاعتداء على سُنّة سوريا، ومعهم سُنّة لبنان، بالانخراط في الدفاع عن نظام بشار الأسد تحت شعار “حماية الأضرحة”. لم يسعَ رفيق الحريري إلى إلغاء الشيعة أو الهيمنة على دورهم في المعادلة الوطنية. كان الحريري الأب يتلقّى كمّاً كبيراً من الانتقادات التي توجّه إليه من بيئته على خلفيّة تقديمه للشيعة على السُّنّة في بطانته ومؤسّساته ومنحه الدراسية. كان رفيق الحريري رحمه الله حليفاً ومنسّقاً دائماً مع الرئيس نبيه برّي. وهو نفسه من اختار الشارع الذي سيطلق عليه اسم جادّة هادي نصرالله بعد استشهاده حين نصح والده السيّد حسن في حينه أن يطلق الاسم على جادة جديدة وليست قديمة كي يحفظ الناس والعامّة الاسم.
المآلات المؤلمة والموقف الشّجاع
لم يقتحم السُّنّة قرى الشيعة في سوريا ولبنان. لم يقصفوا حسينية حارة حريك أو مسجد الحسنين، بل اقتحم “الحزب” وحلفاؤه قراهم وهدموا مساجدهم في القصير ويبرود وحمص وصولاً إلى طهران.
تحتاج المآلات المؤلمة إلى موقف شجاع بحاجة بدوره إلى شخصية شجاعة تاريخية تخفّف من غلواء الراديكالية الشيعية، وتداوي حالة الإنكار تمهيداً للتعاطي مع الوقائع والحقائق المستجدّة.
المطلوب قيادة شجاعة تُخرج الراديكالية الشيعية من فعل الكراهية للسُّنّة إلى فعل التعايش والتآخي. تمّت تجربة كلّ أدوات الحقد خلال عشرات من السنوات، فلماذا لا نلجأ إلى محاولة تجربة أدوات المحبّة والتعايش والتآخي؟
إقرأ أيضاً: ماذا يحمل الرّئيس إلى دارنا الوطنيّة؟
بنو أميّة لم ينتصروا في دمشق ولم ينهزم العباسيون بحمص. ما حصل في دمشق أنّ طاغية اسمه بشّار الأسد هرب إلى موسكو، وأنّ حراس مسلخ صيدانيا البشريّ تواروا عن الأنظار. ما حصل أنّ الشعب السوري انتصر حين انتصر الإنسان بكرامته وإنسانيّته.
لمتابعة الكاتب على X: