كواليس مفاوضات أميركا: إيران أولاً..

بين ازدحام الساحة السياسية بالعناوين الإشكالية، لا شكّ أنّ “تطبيع” العلاقات بين لبنان وإسرائيل واحدة من أهمّ القضايا التي شغلت الكواليس في الفترة الماضية. قبل أيّام جاء كلام المبعوثة الأميركية مورغن أورتاغس ليطرح علامات استفهام عن بعده “الدبلوماسي”.

 

سبق لموقع “أساس” أن نشر أنّ لبنان رسمياً لا يعنيه من اللجان سوى العمل على العناوين الثلاثة: الانسحاب والحدود والأسرى، من دون الدخول في أيّ شكل من أشكال التطبيع. اليوم تظهّرت كواليس المفاوضات التي كاد التطبيع أن يطيح بها، قبل الوصول إلى تسلّم لبنان الأسرى بعد اجتماع الناقورة يوم الثلاثاء الماضي.

عمل جوزف عون منذ انتخابه رئيساً على وضع هذه الملفّات على الطاولة. فهي بطبيعة الحال تُشكّل تحدّياً كبيراً بعدما تسلّم عون كرسي القصر مع احتلال إسرائيل لجزء من أراضي لبنان، وفي ظلّ استمرار أسر عدد من اللبنانيين، أحياء وجثامين، علاوة على جنوب مدمّر بالكامل، بعد حرب أقلّ ما يقال فيها أنّها كانت قاضية.

بدأ التحدّي، وبدأ الفريق الذي أمسك بالملفّ بالعمل على إتمامه بأقصى سرعة. بين واشنطن وبيروت كانت المفاوضات قاسية، لا سيما أنّ لبنان لا يملك شيئاً يبادله مع إسرائيل سوى التطبيع، وهو ما كان خطّاً أحمر بالنسبة للفريق المفاوض.

ساهم الفريق اللبناني في إقناع واشنطن بأنّ إنجاح العهد لا يكون باستمرار الاحتلال أو باستمرار الغارات، بل بالعمل على تأكيد سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها، لأنّ أيّ أمر غير ذلك سيعني خرقاً من جهة إسرائيل للقرار 1701 ولاتّفاق وقف إطلاق النار، فلا يمكن عندئذٍ محاسبة لبنان ولا الجيش ولا “الحزب” على تطبيقه أو عدم تطبيقه القرارات الدولية. عملت واشنطن مع الجانب الإسرائيلي على البدء بالتفاوض وإطلاق عدد من الأسرى، وسط ضغط من تل أبيب لأن تكون المفاوضات دبلوماسية وآليّة التسلّم والتسليم في الناقورة مختلفة عن الآليّة الموجودة حاليّاً. رفض الجانب اللبناني الأمر، وفرض الإبقاء على الآليّة نفسها من دون حصول أيّ تعديل.

قال مصدرٌ سياسيٌّ مطّلع على المفاوضات لـ”أساس” إنَّ الكلامَ عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل كاد أن يفجّرَ المفاوضاتِ قبل تسليمِ الدُّفعةِ الأولى من الأسرى

لم يُسقط نجاح الجانب اللبناني التفاوض ولا تسليم الأسرى الخمسة. بل ما كاد أن يسقطه هو التقارير الإعلامية التي رافقت الجانبين، مروّجة من جهة، ومتّهمة من جهة أخرى، بأنّ التطبيع وُضع على مسار التطبيق. أثارت هذه الحملات استياءً لبنانياً رسمياً، فكاد الأمر أن يؤدّي إلى إيقاف كلّ شيء. ثمّ جرى استيعاب الحساسيّات، فبدت أورتاغس في كلامها حريصة على التوازنات والحساسيّات كي لا يتحوّل كلامها ضرراً على العهد.

لبنان

تسريبات أميركيّة بالجملة

بعدما أثار كلام أورتاغس عن تشكيل لجانٍ من أجل استكمالِ العمل الدبلوماسي جدلاً واسعاً، وبعدما قرأه البعضُ مقدِّمةً للتطبيع، قال مصدرٌ أميركيٌّ مشارِكٌ في المناقشات لـ”أساس” إنَّ التقاريرَ المبالَغ فيها عن تطبيع العلاقات بين لبنان وإسرائيل تكادُ تُعيقُ مفاوضاتِ الحدود قبل البَدءِ فيها. وأشار إلى أنَّ محادثاتِ التطبيع سابِقةٌ لأوانِها، وأنَّ أمنَ الحدود هو الأولويّةُ الرئيسية في الوقت الراهن، بالإضافة إلى خلوّ لبنان من سلاح “الحزب”، والعملِ على تطهير الإداراتِ من المسؤولين الفاسدين.

أمّا صحيفة هآرتس فقد نقلت عن مصدر إسرائيلي قوله: “نحن بعيدون كلّ البعد عن التطبيع مع لبنان”. وكان وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين قد قال في مقابلة مع “قناة 14” العبرية اليمينية: “من المبكر الحديث عن تطبيع مع لبنان. علينا أوّلاً أن نتعامل مع إيران، وننتظر أن ينجح الرئيس دونالد ترامب في إكمال المهمّة، باتّفاق أو بطريقة أخرى. وإذا لم يفعلها ترامب، فنحن سنفعل ذلك. فقط عندها يمكن الحديث عن أيّ خطوة باتّجاه التطبيع”.

لبنانيّاً، قال مصدرٌ سياسيٌّ مطّلع على المفاوضات لـ”أساس” إنَّ الكلامَ عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل كاد أن يفجّرَ المفاوضاتِ قبل تسليمِ الدُّفعةِ الأولى من الأسرى، وإنَّ موقفَ لبنان ثابتٌ من هذا الموضوع وغيرُ قابلٍ للمساومة. أمّا تشكيلُ اللجانِ الثلاثِ التي تحدّثت عنها أورتاغس في مقابلتها مع قناة “الجديد”، فهو أمرٌ محتَّم، وسيحصلُ لمتابعة العناوينِ الثلاثة: الأسرى والانسحاب والحدود.

بين واشنطن وبيروت كانت المفاوضات قاسية، لا سيما أنّ لبنان لا يملك شيئاً يبادله مع إسرائيل سوى التطبيع

في معلومات “أساس” أنَّ اللجانَ ستُشكَّلُ من عسكريّين ومدنيّين تِقْنيّين بحَسَبِ عنوان البحث، على اعتبار أنّ التحرير واستكمال التفاوض على الحدود بالطريق الدبلوماسية سيَستَلزِمُ وجودَ شخصيّةٍ مدنية .

 

اقتراح “القوّات”: مش وقته

في السجال الداخلي، وفي ما يتعلّقُ بطلب حزب القوّاتِ اللبنانية سحبَ سلاحِ “الحزب” في ستّة أشهر، كان لافتاً ما طرحَه الوزير جو عيسى الخوري على طاولة اجتماع مجلسِ الوزراء الأخير من خطّة لنزع سلاح “الحزب” في مدّة زمنية محدّدة.

قالت مصادر أميركية لـ”أساس” إنّ ما جاء على لسان أورتاغس عن تطبيق الـ1701 جنوب الليطاني ليس زلّة لسان، بل هو تعبير عن أولويّات سبق أن وضعتها الإدارة الأميركية للملفّ اللبناني. إذ لم يحن الوقت بعد للحديث عن السلاح في كلّ لبنان. أمّا الجانب اللبناني فتقول مصادر سياسية إنّ هذا الاقتراح سيكونُ لاحقاً ضِمن استراتيجيةِ الأمنِ الوطني، لكنّها غيرُ مطروحةٍ في الوقت الحالي .

إقرأ أيضاً: أوّل إنجاز دبلوماسيّ: عون يسترجع الأسرى

إسرائيليّاً، يبدو كلّ شيء مرتبطاً بمصير التفاوض مع إيران. فمتى سقطت إيران يسقط “الحزب”، ولذلك كان كلام وزير الطاقة واضحاً. ولذا تبدو الأنظار متوجّهة في الأسابيع المقبلة إلى طهران قبل التلهّي بقضيّة السلاح جنوب الليطاني أو شماله.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@josephinedeeb

مواضيع ذات صلة

“أمن العهد”: حدود و”تحرير” وانتخابات

بعد إقرار سلسلة التعيينات الأمنيّة والعسكريّة عُيّن، وفق معلومات “أساس”، العميد نقولا تابت ليحلّ مكان العميد في الجيش إدغار لاوندس، بعد تعيينه مديراً عامّاً لأمن…

يزيد بن معاوية.. قوياً.. فظاً.. غليظاً..(2-4)

“كان معاوية وما يزال رجلاً تصعب معرفته. ومن الصعب كذلك التأكّد ممّا نعرفه حقّاً عنه، وحتّى فهم ما نعرفه أو نعتقد أنّنا نعرفه”، وذلك بحسب…

معاوية بن أبي سفيان.. طموح ودهاء (1-4)

الدولة الأمويّة “عربيّة أعرابيّة” بحسب تعبير الجاحظ (توفي عام 870م). وهي الدولة الكبرى في تاريخ الإسلام، إذ تمتدّ من حدود الصين إلى حدود فرنسا. كان…

التّمايز الأميركيّ – الفرنسيّ من لبنان… وتقاطعه

نقطتان بارزتان وردتا على لسان مورغان أورتاغوس في مقابلتها التلفزيونية على “الجديد”، توقّفت عندهما أوساط دبلوماسية أوروبية، وهما: – تجنّب الموفدة الأميركية الغوص في تفاصيل…