يوماً بعد آخر، تتّجه بوصلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نحو استئناف الحرب على غزة، هرباً من تداعيات طوفان 7 أكتوبر (تشرين الأوّل). وشكّلت التسريبات عن عقد لقاءات مباشرة تحدث للمرّة الأولى رسميّاً بين الإدارة الأميركية وحركة “حماس” لبحث إمكان الإفراج عن الأسرى لديها، ورقة ضغط على نتنياهو وحكومته، التي تسعى إلى تفخيخ كلّ المحاولات لاستئناف المرحلة الثانية من اتّفاق وقف النار، لأنّ ذلك سيعني ضرورة إعلان إسرائيل رسمياً عن انتهاء الحرب والانسحاب من غزة ودفع ثمن سياسي كبير ستتفكّك معه الحكومة الإسرائيلية.
إذا كانت رغبة نتنياهو بالعودة للحرب لا تشوبها شائبة، فإنّ عدّة اعتبارات تحول دون اتّخاذ ذلك القرار حالياً، ومنها الضغوطات الأميركية الرامية إلى ضمان الإفراج عن الأسرى الأميركيين لدى “حماس”، والضغوطات الداخلية التي تمارسها أحزاب المعارضة الإسرائيلية، وعائلات الأسرى، وعدم قدرة الجيش على العودة للقتال في غزة، خصوصاً في أعقاب التقارير التي نشرها الجيش الإسرائيلي وجهاز “الشاباك” عمّا جرى في 7 أكتوبر.
إذا كانت رغبة نتنياهو بالعودة للحرب لا تشوبها شائبة، فإنّ عدّة اعتبارات تحول دون اتّخاذ ذلك القرار حالياً، ومنها الضغوطات الأميركية
نتنياهو يلعب ورقة “الوقت”
يستخدم نتنياهو ورقة “الوقت” مع تلك الضغوطات، فهو إذ يبدي مرونةً وتفاعلاً مع تلك الاعتبارات ويمنحها بعض الوقت، يحاول تفكيكها وتقليل أثرها على توجّهه. فقد ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنّ “مسؤولين أميركيين اتّهموا إسرائيل بمحاولة إفشال المحادثات السرّية التي أجرتها الولايات المتحدة مع حركة “حماس” في الدوحة، وأكّدوا أنّ قرار التفاوض جاء بعد معلومات عن استعداد إسرائيل لعملية في غزة”، مضيفة أنّ “إدارة الرئيس دونالد ترامب لم تُطلع إسرائيل مسبقاً على هذه المفاوضات خشية أن تعرقلها، خصوصاً بعدما أحبطت تل أبيب جولة سابقة كانت مقرّرة الأسبوع الماضي”.
يهيّىء نتنياهو الظروف للذهاب إلى جولة جديدة من الحرب على غزة. والمؤشّر الأبرز تمثّل بتعيين رئيس جديد لأركان الجيش هو إيال زامير، الذي يعوّل نتنياهو عليه لتحقيق أهداف الحرب المتمثّلة بالقضاء على “حماس” وإعادة الأسرى الإسرائيليين، من دون تنفيذ المرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار.
عام الحرب
بدوره لوّح زامير، الذي بدا منتشياً بمنصبه الجديد، بالعودة إلى الحرب خلال خطابه في مراسم بدء ولايته، الأربعاء 5 آذار، قائلاً إنّ “حماس لم تُهزم بعد، وهذه المهمّة لم تُستكمل حتى الآن”، وعقد بعد ذلك اجتماعاً مع القيادات العليا للجيش، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية تفاصيله، وقال خلاله إنّ “2025 سيكون عام حرب، مع التركيز على غزة وإيران”، وأشارت هذه الوسائل إلى أنّ زامير يعمل على وضع خطط لاستمرار الحرب، وطالب بزيادة موازنة الأمن وتوسيع قاعدة الجيش.
أمّا المستوى السياسي في إسرائيل فهو يسير بسرعة هائلة لاستئناف الحرب، ويسعى إلى تعطيل أيّ كوابح قد تعيق ذلك، في ضوء خلافاته مع المؤسّسة الأمنيّة التي تزداد اتّساعاً وعمقاً بعد تحميله مسؤولية أحداث “السابع من أكتوبر” عبر تحقيقاتها بهذا الشأن، ويواصل وزراء الحكومة إطلاق التهديدات بفتح أبواب الجحيم على غزة.
يهيّىء نتنياهو الظروف للذهاب إلى جولة جديدة من الحرب على غزة. والمؤشّر الأبرز تمثّل بتعيين رئيس جديد لأركان الجيش هو إيال زامير
فتح أبواب الجحيم
أطلق وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس في 4 آذار تهديداً ضدّ “حماس”، قائلاً: “على حماس ألّا تخطئ في التقدير. إذا لم تفرج عن الأسرى قريباً فستُغلق أبواب غزة وتُفتح أبواب الجحيم”. وأضاف “سيواجه الجيش مسلّحيها بقوّة لم يسبق لهم أن رأوها”.
يستند تصوّر إسرائيل أنّ عام 2025 سيكون عام الحرب إلى “لجنة ناغيل”، التي عيّنتها الحكومة الإسرائيلية الصيف الماضي لدراسة بناء قوّة إسرائيل وميزانية الدفاع والأمن، والتي قدّمت توصياتها بهذا الشأن إلى نتنياهو في كانون الثاني. وكانت أبرزها زيادة نحو 15 مليار شيكل سنوياً للأجهزة الأمنيّة، وتمديد الخدمة العسكرية الإلزامية إلى 3 أعوام، وضرورة تجنيد جميع سكّان الدولة، والتحذير من تهديد سوري – تركي محتمل.
تداعيات الحرب، التي تريدها حكومة نتنياهو لتغيير الشرق الأوسط، لن تقتصر تأثيراتها على المنطقة، وإسرائيل لن تكون بعيدة عنها، ليس فقط في المجال العسكري، وإنّما على الصعيد الداخلي. فالحرب تعني تخلّي نتنياهو عن أسراه لدى “حماس”، الأمر الذي سيؤجّج غضب عائلاتهم ويزيد الشرخ والانقسام في المجتمع الإسرائيلي. كما أنّ الحرب كما يريدها نتنياهو تتطلّب منه تطويع “بقرات إسرائيل المقدّسة”، وإن اضطرّ إلى ذبحها، وهذا ما بدأ بفعله. إذ نجح نتنياهو في الإطاحة برئيس أركان الجيش هيرتسي هاليفي خلال الحرب، وأقصى وزير الحرب يؤاف غالانت، ويخطّط حاليّاً لإعفاء “الحريديّين” من الخدمة العسكرية، وهو ما يغضب شريحة واسعة داخل إسرائيل.
يبدو أنّ إسرائيل تُهيّئ الظروف من أجل تنفيذ الخطّة. فقد ذكرت صحيفة “معاريف” الجمعة 7 آذار أنّ الاستعدادات لتنفيذ خطّة ترامب تجري بالتعاون بينهما
السّكّين على عنق الشّاباك
لم تقتصر سكّين نتنياهو على الجيش، بل وصلت إلى عنق جهاز الشاباك، إذ يضغط نتنياهو من أجل إقالة رئيس الجهاز رونين بار، خاصة في أعقاب نشر تحقيقه حول إخفاق الجهاز في “7 أكتوبر”. وقد شنّ نتنياهو هجوماً على الجهاز قائلاً إنّ “الشاباك لم يقرأ الصورة الاستخبارية، وكان أسير تصوّر معيّن”، وأضاف: “في التقديرات الاستخبارية المتواصلة، حتى قبل أيام معدودة من المجزرة (هجوم 7 أكتوبر)، كانت النظرية المركزية في الشاباك تفيد أنّ حماس معنيّة بالحفاظ على الهدوء، ولن تفتح معركة”.
إقرأ أيضاً: ترامب يدفع بإسرائيل الكبرى: أين المقاومة السّياسيّة؟
إذا كانت إسرائيل قد فشلت في تحقيق الأهداف التي أعلنتها للحرب على غزة، كالقضاء على قوّة “حماس”، وتحرير أسراها بالقوّة، إلّا أنّها نجحت في جعل غزة منطقة منكوبة غير صالحة للحياة، وهي إذ تعود للحرب تريد استكمال الهدف الأكبر، وهو تهجير الغزّيين، مستندة بذلك إلى ضوء أخضر أميركي.
يبدو أنّ إسرائيل تُهيّئ الظروف من أجل تنفيذ الخطّة. فقد ذكرت صحيفة “معاريف” الجمعة 7 آذار أنّ الاستعدادات لتنفيذ خطّة ترامب تجري بالتعاون بينهما، بحيث تتولّى الإدارة الأميركية عبر فريق متخصّص الترويج لها في المحافل الدولية، بينما تتولّى مديرية الهجرة الإسرائيلية، التي تمّ إنشاؤها من قبل وزارة الأمن الإسرائيلية، القيادة وتوفير الإطار الشامل للعملية والعمل على الأرض والتركيز على أساليب التنفيذ.