بالأمس انتهت أعمال “مؤتمر الحوار الوطنيّ” السوريّ. بعض مَن حضر قال: “أكثر من توقّعاتنا وأقل من طموحاتنا”. بدل أن يطمئن المؤتمر السوريّين زاد قلقهم على مستقبل سوريا، وزادت خشيتهم من تراجع الدعم الدوليّ.
بعد أيّام قليلة على هروب الأسد، شكّل الشرع حكومة انتقالية ضمّت معاونيه السابقين في إدلب، تنتهي مدّتها في الأوّل من آذار المقبل. ثمّ أعلن عقد “مؤتمر الحوار الوطنيّ”. وبدأت تُطرح أسئلة: من سيشارك فيه؟ هل ستُدعى التشكيلات السياسيّة المعارضة التي نشأت بعد الثورة وقبلها؟ ومن سيمثّلها؟ وهل تُدعى مكوّنات الشعب السوري الدينيّة والطائفيّة والقوميّة إلى المشاركة؟ وعلى أيّ أساس ستُدعى؟ ومن سيمثّلها؟ وما المواضيع التي ستُطرح في مؤتمر الحوار الوطنيّ؟ هل تنبثق عنه جمعيّة تأسيسيّة تقوم بصياغة الدستور الجديد للبلاد؟ وغير ذلك من الأسئلة.
طرحنا هذه الأسئلة على العديد من الشخصيّات السوريّة المعارضة لنظام الأسد، التي ناضلت منذ ما قبل الثورة وأثناءها، وذلك في حوارات على موقع “أساس”، فكان الجواب: لم يتّصل بنا أحد. لم نُدعَ إلى “مؤتمر الحوار الوطنيّ”، ولا نعلم ما هو دوره وما هي مواضيعه.
بعد أيّام قليلة على هروب الأسد، شكّل الشرع حكومة انتقالية ضمّت معاونيه السابقين في إدلب، تنتهي مدّتها في الأوّل من آذار المقبل
غموض وشكوك
في البداية كانت الإجابات تبرّر الغموض الذي يلفّ هذا المؤتمر. سرعة انهيار النظام فاجأت الجميع، والمسؤولية الملقاة على الشرع ورفاقه كبيرة، و”الشباب لا خبرة سياسيّة لديهم لإدارة بلاد كبيرة ومعقّدة مثل سوريا في مرحلة انتقاليّة شديدة التعقيد محلّيّاً وإقليمياً ودوليّاً”، تقول مصادر سوريّة لـ”أساس”. ولكن مع تقدّم الأيّام والأسابيع بدأت الشكوك، خاصّة مع خروج العديد من التصريحات عن عدم دعوة الكيانات السياسيّة في الخارج لأنّها لا تمثّل السوريين في الداخل! تمثيل مكوّنات المجتمع السوريّ الدينيّة والطائفيّة والقوميّة والمناطقيّة بقي أيضاً غامضاً.
كان السؤال الكبير عن تمثيل الأكراد، خاصّة في ظلّ عدم انضمام قوات سوريا الديمقراطيّة (قسد) إلى السلطة الجديدة في دمشق، ولم تنخرط في الجيش السوري الجديد، ولم تتخلَّ عن سلطتها في إدارة شرق سوريا بواسطة “مجلس سوريا الديمقراطيّ” (مسد)، علماً أنّ المجلس الوطنيّ الكرديّ والعديد من الشخصيات الكرديّة لا يعتبرون “قسد” تمثّل الأكراد، إنّما هي سلطة أمر واقع في الشرق الذي يضمّ ثلاث محافظات غالبيّة اثنتين منها (دير الزور والرقّة) من العرب.
قبل يوم واحد من عقد المؤتمر وُجّهت الدعوات إلى المشاركين، فعبّر البعض بسخرية عن تلقّيه الدعوة إلى المؤتمر “قبل نصف ساعة” من انعقاده
خلال هذه الفترة وأثناء طرح كلّ هذه الأسئلة تراجع الكلام عن مؤتمر الحوار الوطنيّ وبرز تثبيت الشرع لسلطته في دمشق. في نهاية كانون الثاني أعلن “مبايعته” رئيساً على سوريا قادة الفصائل التي قبلت الانضمام إلى الجيش الجديد. ومن أبرز مهامّه تشكيل “مجلس تشريعي”.
منذ أسابيع عاد الكلام عن مؤتمر الحوار الوطنيّ. شكّل الشرع لجنة تحضيريّة له ضمّت 7 أشخاص، ستّة منهم من هيئة تحرير الشام أو قريبون منها، باستثناء سيّدة اسمها هند قبوات، على ما يقول مصدر سوريّ معارض. وهو ما أكّد احتكار هيئة تحرير الشام لها، يضيف المصدر السوريّ.
دعوة قبل نصف ساعة!
قبل يوم واحد من عقد المؤتمر وُجّهت الدعوات إلى المشاركين، فعبّر البعض بسخرية عن تلقّيه الدعوة إلى المؤتمر “قبل نصف ساعة” من انعقاده. فالعديد من المدعوّين في الخارج لم يتسنَّ لهم حجز تذكرة سفر. وبعضهم لا يحمل جواز سفر أو لديه جواز سفر منتهي الصلاحية. يبدو أن هذه الطريقة في الدعوات كانت مقصودة لعدّة أسباب:
- عدم حضور شخصيات لديها الخبرة السياسيّة وقادرة على إعلاء الصوت في المؤتمر وخارجه.
- عدم فسح المجال أمام الشخصيات المدعوّة لتحضير نفسها ووضع أوراق عمل ربّما تتعارض مع توجّهات الشرع وهيئة تحرير الشام في رؤيتهما للنظام الجديد ودستور البلاد المنتظر، علماً أنّ المؤتمر سيخرج بتوصيات غير مُلزمة.
- عدم إتاحة الوقت للمشاركين في المؤتمر لتحضير أنفسهم ومواضيعهم وأفكارهم للمؤتمر ولا للتشاور فيما بينهم.
هذه الحقيقة أكّدتها طريقة انعقاد المؤتمر. فهو عُقد بيوم واحد. ضمّ 600 مشارك توزّعوا على ستّ لجان تحت عناوين “الحرّيات الشخصيّة” و”العدالة الانتقاليّة” و”البناء الدستوريّ” و”إصلاح وبناء المؤسّسات” و”دور المجتمع المدنيّ” و”المبادئ الاقتصاديّة”. كلّ لجنة ضمّت 100 مشارك. اجتمعوا في ورش عمل لبضع ساعات فقط. وفي نهاية النهار أُعلن البيان الختامي! أكّدت المصادر لـ”أساس” أنّ “الشرع أراد من عقد المؤتمر بهذه السرعة توفير الغطاء للحكومة التي سيشكّلها مطلع شهر آذار”.
مصادر سوريّة عبّرت لـ”أساس” عن مخاوفها على مستقبل سوريا واستقرارها، وحتى عن خشيتها من العودة إلى الحرب الأهليّة
عدم طمأنة السوريين
المؤتمر الذي انتظره السوريون ليكون مؤتمراً تأسيسيّاً لسوريا الجديدة زاد القلق لديهم على مستقبل سوريا:
1- ماذا عن ديمقراطيّة النظام ومدنيّة الدولة؟
2- هل يحتاج وضع دستور جديد للبلاد إلى أربع أو ثلاث سنوات كما قال الشرع في 29 كانون الأوّل الفائت؟
مصادر سوريّة عبّرت لـ”أساس” عن مخاوفها على مستقبل سوريا واستقرارها “تحت كلّ وسادة بندقيّة”، تقول المصادر. العديد من السوريين حصلوا على أسلحة متوسّطة مع ذخائرها من مخازن الجيش السوري الذي تفكّك حتى قبل سقوط النظام البائد، فهرب ضبّاطه وعناصره وتركوا مخازن الذخيرة مفتوحة.
تُبدي المصادر ذاتها خشيتها من تراجع الدعم الدولي لسوريا في المرحلة الانتقاليّة وتلك التي ستليها، خاصّة الدول الغربيّة التي اشترطت مشاركة الجميع في المرحلة الانتقاليّة وفي النظام المقبل، وديمقراطيّة النظام، وحفظ حقوق الأقلّيّات وغيرها. تأخذ المصادر السوريّة على الشرع أيضاً تركيزه على طمأنة الخارج وعدم طمأنة السوريين أنفسهم. وعبّرت عن ذلك أمام وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال وجوده في باريس للمشاركة في المؤتمر الدولي من إجل سوريا.
إقرأ أيضاً: الحوار الوطنيّ في سوريا: “حكمة” العجلة وأحكامها
بيان الإدارة الذاتيّة المتحفّظ على المؤتمر أوّل الغيث. ستكون هناك ردود أخرى من شخصيات سورية.
لمتابعة الكاتب على X: