الإسماعيليّة الآغاخانيّة: نشأتها ورجالاتها (2/2)

أسئلة كثيرة طُرحت وتُطرح حول الإسماعليّة الآغاخانيّة منها ما هو قديم، ومنها ما هو حديث. تبدأ تلك الأسئلة كيف نشأت؟ وما سرّ علاقتها بالإنكليز لتنتهي عن سبب إعادة الضوء عليها مع وفاة مرشدها وما إن كانت هذه العودة سرٌّ كبير.

 

 

ما هي الإسماعيلية الآغاخانيّة؟ كيف نشأت؟ وما علاقة الإنكليز بها في الهند البريطانية؟ وما هي شخصيّات هذه الطائفة؟ وما هي الأدوار الاستثنائية التي قامت بها منذ نهاية القرن التاسع عشر؟

النشأة

نشأت الإسماعيلية الآغاخانيّة من رحم الإسماعيلية النزاريّة التي هي بدورها انشقاق عن الدولة الفاطمية، بسبب حرمان نزار بن المستنصر من الإمامة. ونتج عن هذا الانشقاق تأسيس الحسن بن الصبّاح (توفّي عام 1124م) الدولة الإسماعيلية النزاريّة في جبال البُرز الإيرانية شمال غربي قزوين، وقاعدتها قلعة “ألموت” الحصينة.

هي الدولة التي عُرفت عند المؤرّخين الأوروبيين بدولة الحشّاشين، وكانت معروفة بفدائيّيها الذين يغتالون أعداءهم، سواء أكانوا أمراء مسلمين أو صليبيّين. إثر القضاء على هذه الدولة على يد المغول عام 1256م، انتقلت السلالة الإسماعيلية النزارية إلى إيران. وهناك تأسّست الأسرة الآغاخانيّة على يد الشاه حسن علي آغا خان الأوّل (توفّي عام 1881م).

كان حاكم إقليم كرمان في أيّام شاه إيران فتح علي شاه القاجاري (توفّي عام 1834م)، إلّا أنّ ثورات واضطرابات وقعت في إيران، وكان الآغا خان الأوّل جزءاً منها، ففرّ منها إلى الهند مروراً بأفغانستان التي كانت تشهد حرباً بين الإنكليز والأفغان. فساعد الإنكليز في الخروج من قندهار، وقام بأدوار أخرى مساندة لبريطانيا في السند، فتلقّفه البريطانيون، وأعطوه مدينة بومباي لتكون مقاماً له ولأتباعه الفرسان الذين رافقوه من إيران، ومركزاً لاستقبال رعاياه من أنحاء العالم، ومُنح لقب أمير.

نشأت الإسماعيلية الآغاخانيّة من رحم الإسماعيلية النزاريّة التي هي بدورها انشقاق عن الدولة الفاطمية، بسبب حرمان نزار بن المستنصر من الإمامة

الموازنة مع نفوذ الخليفة العثمانيّ

يقول باحثون إنّ النفوذ القبلي للآغا خان هو الذي مكّنه من خدمة البريطانيين وكسب تأييدهم، ورأت بريطانيا إمكانات كبيرة في أن يكون تحت سيطرتها ورعايتها رئيس طائفة شيعية يمكن استخدامه في مرحلة لاحقة لموازنة نفوذ الخليفة العثماني في الهند.

كانت حياة آغا خان الأوّل أشبه بحياة النبلاء الفرس الإقطاعيين في القرون الوسطى، بحسب ما جاء في مذكّرات حفيده آغا خان الثالث. إذ كان يهوى الخيول، ويقتني عدداً كبيراً من كلاب الصيد والصقور. وكانت خيوله تشارك في سباقات الخيول في الهند، وتفوز بالجوائز. وحافظ مؤسّس الأسرة الآغاخانيّة على صداقته للبريطانيين طوال حياته، حتى إنّ إدوارد السابع (توفّي عام 1910م)، وكان لا يزال وليّاً للعهد، زار الآغا خان في منزله بالهند، وتداول معه في الشؤون العامّة.

السّفير الإيرانيّ في الهند

تولّى الإمامة بعده ابنه علي شاه آغا خان الثاني (توفّي عام 1885م)، فلم يستمرّ فيها سوى أربع سنوات. وكان منشغلاً بهواية صيد الحيوانات المفترسة. كان مثل والده ذا علاقة وثيقة بالإنكليز الذين اعتمدوه سفيراً لإيران في الهند، نظراً لعلاقته الجيّدة مع الحكم القاجاري. وكانت الحكومة البريطانية تثق به، وهذا ما ساعده على النهوض بأتباعه.

مع وفاته، تسلّم ابنه محمد الإمامة وهو ابن ثماني سنوات. وبات لقبه السلطان محمد شاه آغا خان الثالث (توفّي عام 1957م). وهو الإمام الثامن والأربعون للفرع الإسماعيلي النزاريّ. كان شخصية استثنائية وصاحب تأثير كبير في مستقبل شبه القارّة الهندية. فهو كان أحد المؤسّسين للرابطة الإسلامية لعموم الهند (AIML). عمل على النهوض بمسلمي الهند من خلال تشجيعهم على النهل من علوم الغرب، داعماً جامعة “عليكره” التي أسّسها سيّد أحمد خان (توفّي عام 1898م)، ودافع عن حماية حقوق المسلمين الدينية والسياسية في الهند البريطانية.

يقول باحثون إنّ النفوذ القبلي للآغا خان هو الذي مكّنه من خدمة البريطانيين وكسب تأييدهم

حتّى بعد استقالته من منصب رئيس الرابطة في عام 1912، ظلّ يمارس تأثيراً كبيراً في سياساتها، وجداول أعمالها. رُشّح لتمثيل الهند في عصبة الأمم في عام 1932م، وشغل منصب رئيس الجمعية الثامنة عشرة لعصبة الأمم (1937-1938م). وكان له دور بارز في رسم خارطة شبه القارّة الهندية بعد زوال الاحتلال البريطاني عنها. وذلك من خلال التنظير والعمل والتعاون مع المحامي محمد علي جناح (الإسماعيلي) (توفّي 1948م)، رئيس رابطة عموم مسلمي الهند آنذاك، من أجل إقناع بريطانيا بانفصال قسم كبير من مسلمي الهند وتكوين دولة باكستان خاصّة بهم بجزءيها، الشرقي (بنغلادش) والغربي (باكستان الحالية).

أعظم علماء إيران

كان للآغا خان الثالث برنامج مكثّف في يوميّاته كما يذكر في مذكّراته. خضع لتدريس خاصّ في العلوم الغربية على يد ثلاثة أساتذة بريطانيين اختارهم اليسوعيون في بومباي. أمّا اللغتان العربية والفارسية والعلوم الإسلامية فتلقّاها على يد عالم فارسي، وكان أديباً كبيراً إلى جانب علمه الجمّ. لكنّه كان، بحسب تعبيره، طائفياً متعصّباً، “وكان عقله من أظلم العقول التي لقيتُ في حياتي وأضيقها”.

هذا الرجل نفسه حين عاد إلى طهران اشتُهر هناك بوصفه أعظم علماء إيران. وهذه التجربة جعلته يتحامل على كلّ رجال الدين من كلّ الأديان. كان منفتحاً على ثقافة الغرب وفنونها. يمضي أيّام الاستجمام مع زوجته في لندن وباريس، فيحضر حفلات المسرح والأوبرا والباليه أربع أو خمس مرّات في الأسبوع، إضافة إلى هواية الخيول وممارسة الرياضات المتنوّعة وتشجيعها.

الآغا خان الرابع، الأمير كريم الحسيني (توفّي في 4 شباط 2025م)، فقد اختاره جدّه آغا خان الثالث ليكون خليفته، متجاوزاً والده وعمّه

الآغا خان الرّابع

أمّا الآغا خان الرابع، الأمير كريم الحسيني (توفّي في 4 شباط 2025م)، فقد اختاره جدّه آغا خان الثالث ليكون خليفته، متجاوزاً والده وعمّه، لأنّه اعتبر أنّ المتغيّرات العالمية تفترض ذلك لأنّ الإمام الجديد شابّ. جمع كريم بين ثلاث صفات أساسية، فهو رجل أعمال ثريّ، إضافة إلى كونه الإمام التاسع والأربعين للإسماعيلية النزارية.

قُدّرت ثروته عام 2013م بـ13.3 مليار دولار. وهو مؤسّس شبكة الآغا خان للتنمية (AKDN). ولا تقتصر هذه الشبكة على تلبية احتياجات الإسماعيليين وحدهم، بل إنّ عملها الإنساني وبرامجها الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية تلبّي احتياجات الناس من جميع الطبقات والعقائد. تنشط الشبكة في أكثر من 30 بلداً، ويعمل فيها قرابة 100 ألف شخص.

مع ذلك، فإنّ الجزء الأكبر من المؤسّسات داخل الشبكة يهدف إلى تحسين نوعية الحياة في آسيا وإفريقيا، حيث يشكّل الإسماعيليون عدداً كبيراً من السكّان. ومن مواقفه اللافتة، اعتباره في لقاء له مع صحيفة السياسة الدولية “Politique Internationale” عام 2010م، أنّ أحد شروط السلام مع إسرائيل أن تتقبّلها الأقلّية الشيعية داخل العالم الإسلامي. ودعا في الحوار نفسه إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الطاقة النووية، أو ما يسمّى بـ”الانتشار الإيجابي للطاقة النووية السلمية”، وعدم احتكارها، بشرط تجنّب المشاكل البيئية، وعدم استخدامها لأغراض عسكرية.

إقرأ أيضاً: الشّيعة الإسماعيليّة: تأسيس الخلافة البديلة (1/2)

عند وفاته تسلّم موقع الإمامة الإسماعيلية الأمير رحيم الحسيني، الملقّب بالآغا خان الخامس. وُلد في جنيف بسويسرا عام 1971م. ودرس في الولايات المتحدة، ونال إجازة في الأدب المقارن من جامعة براون، وأكمل دراسته في إسبانيا في الإدارة. وكان يُشرف على بعض البرامج والأعمال في شبكة الآغا خان للتنمية قبل خلافته أباه.

لمتابعة الكاتب على X:

@HishamAlaywan64

مواضيع ذات صلة

استياء أميركيّ من السّلطة اللّبنانيّة: تمهّل وارتباك..

بعد الردّ السعودي على الخلل في التوازن الداخلي، نتيجة جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، سجّلت عواصم القرار المعنيّة بالملفّ اللبناني، تحديداً واشنطن والرياض، استياءً جديداً من…

باريس تحذّر عون من “فصائل غير منضبطة”

أنهى رئيس الجمهورية جوزف عون زيارته لفرنسا بنجاح، وهي أولى رحلات العمل الرئاسية، بعد الزيارة التي قام بها للمملكة العربية السعودية والمشاركة في أعمال القمّة…

الصلاة “الملكيّة” لسلام: إعادة التوازن..

بشكل مفاجئ وغير مقرّر مسبقاً، وجّهت المملكة العربية السعودية دعوة لرئيس الحكومة نوّاف سلام إلى مكّة لتأدية صلاة العيد، إلى جانب وليّ العهد محمّد بن…

أوروبيّون في بيروت يسألون عن “الحزب”

زار بيروت في الأسابيع الماضية وفد دبلوماسي من دولة أوروبية كبرى بهدف استطلاع الأوضاع السياسية والأمنيّة في لبنان وسوريا، والتقى شخصيّات لبنانية سياسية وإعلامية طرح…