العصر السعودي في مواجهة العصر الإسرائيلي. عنوان يختصر العبارة التي تكررت كثيراً في الآونة الأخيرة حول دخول المنطقة في “العصر الإسرائيل”، خصوصاً بعد الضربات التي نفّذتها إسرائيل ضد المحور الإيراني. أريد لهذا العصر الإسرائيلي جعل المنطقة كلها تقف تحت سقف تل أبيب، وما ترسمه من سياسات واستراتيجيات.
لكن هذا الجماح الذي يندفع به بنيامين نتنياهو وجد من أراد مواجهته وشدّ لجامه. وكأن هناك من يريد الإعلان عن “عصر سعودي”، خصوصاً أنّ السعودية أعلنت رفضها لخطة نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب للوضع في المنطقة وخصوصاً فلسطين. موقف أعلنته السعودية، وضعت له إطاراً عملانياً وبرنامجاً واضحاً في الاجتماع الذي عقد على أراضيها وضمّ قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني.
أوروبا الشّرق الأوسط
تصف الرؤية السعودية المنطقة بـ”أوروبا الشرق الأوسط”. وهذه لها مقوّماتها ومنطلقاتها التي تفترض بحدّها الأدنى أن تخرج المنطقة من دائرة الصراع القومي، الديني والطائفي، والصراع على الأرض، وإقفال أفق التهجير. وللسعوديّة تجربة تاريخية في حماية الدول والمجتمعات، ولا سيما فلسطين التي أصبحت اليوم أمانة سعودية بكلّ ما للكلمة من معنى. وحتى كلّ الدول العربية تجد نفسها مضطرّة إلى الوقوف خلف السعودية للاستظلال بها دفاعاً عن فلسطين ومواجهة مشروع التهجير الذي يهدّد الأمن القومي العربي كلّه.
العصر السعودي في مواجهة العصر الإسرائيلي. عنوان يختصر العبارة التي تكررت كثيراً في الآونة الأخيرة حول دخول المنطقة في “العصر الإسرائيل”
لم تعد واحدة من الدول العربية تمتلك وحدها القوّة والقدرة والمشروعية والمشروع لحماية فلسطين، بل الدول العربية مجتمعة. وفي هذا السياق، يأتي الاجتماع الأخويّ بين دول الخليج العربي إلى جانب مصر والأردن للعمل على تقديم رؤية كاملة لحلّ الصراع وخطّة بديلة عن الخطّة الإسرائيلية الأميركية المقترحة لغزّة.
لطالما امتازت السعودية بمبدأ القيادة من الخلف، وترك هامش أدوار للدول العربية المتعدّدة. وفي محطّات تاريخية كثيرة تركت لمصر، سوريا، قطر وغيرها من الدول العربية هوامش تتقدّم فيها مشهد الإدارة السياسية في ملفّات متعدّدة. أمّا اليوم فوجدت السعودية نفسها تتصدّر المشهد وتتقدّم الصفوف على قاعدة “القائد” الذي يتقدّم فرقته أو فريقه. لذا يأتي اجتماع الرياض تمهيداً للقمّة العربية الطارئة التي ستعقد في القاهرة في 4 آذار، على أن يكون الاجتماع بانياً لرؤية واضحة تتركّز على تمويل إعادة الإعمار، وكيفية إدارة القطاع في المرحلة المقبلة.
كبح جماح ترامب ونتنياهو
رمزيّة وأهميّة الاجتماع في السعودية هو القول إنّ قراراً عربيّاً واحداً وواضحاً سيعمل على كبح جماح ترامب ونتنياهو الذي تحدّث باستهزاء عن إقامة دولة للفلسطينيين على أراضي المملكة، فبدا كبشّار الأسد الذي رفع أكثر من مرّة شعارات كبيرة ومواقف بعيدة المدى هزئ فيها من الدول العربية ومن الحضن العربي، فكان مصيره المحتوم، ومن قبله علي عبدالله صالح، ومعمّر القذّافي.
لم تعد واحدة من الدول العربية تمتلك وحدها القوّة والقدرة والمشروعية والمشروع لحماية فلسطين، بل الدول العربية مجتمعة
يأتي العصر السعودي مدعوماً بعنفوان “الشباب” الممتزج بـ”عقلنة الشيب”. رمزية الشباب التي يمثلها الأمير محمد بن سلمان، والذي يرفض بصراحة كاملة أي مشروع للقضاء على الدولة الفلسطينية وضرب حق الشعب الفلسطيني. هؤلاء الشباب هم الذين ارتكز عليهم بن سلمان وتتوجه إليها الرؤية السعودية للمنطقة، وهم الذين تحدث باسمهم طالما أنهم يشكلون 70 بالمئة من المجتمع السعودي والذين أبدوا باندفاع كبير تضامنهم وتعاطفهم مع فلسطين، والشعب الفلسطيني، وإلى جانب غزة في مواجهة الحرب، وفق ما أظهرت إستطلاعات الرأي التي وضعها بن سلمان في تصرف جميع المعنيين والمهتمين بشؤون المنطقة وشجونها. وذلك لا يقتصر على الشباب السعودي فقط بل على الشباب العربي وحتى على الشباب في الولايات المتحدة الأميركية الذين خرجوا في تظاهرات احتجاجاً على حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة. تمزج الرؤية السعودية التكامل ما بين الاقتصاد والاستقرار السياسي، ولا يمكن للاستقرار أن يتحقق على حساب شعب مظلوم ومقهور مهما كانت الاغراءات المقابلة.
ما تقوله السعودية هو في غاية البساطة أن لا مجال للتعايش مع هذا التطرّف والجنون. لا مجال للقبول بالتهجير. لا يمكن للعالم أن يتحمّل مثل هذه السياسات اللامعقولة وغير القابلة للتطبيق. وترتكز في ذلك على مواقف دولية موحّدة، وموقف عربي يصطفّ خلفها، ورفض عالمي لتعميم الحروب واستمرارها، مع التأكّد أنّ الضعف الأساسي لنتنياهو يبدأ مع عدم قدرته على مواصلة الحرب التي ستكون وحدها كفيلة بإسقاطه وبتغيير جذري على الساحة السياسية الإسرائيلية.
ما تقوله السعودية هو في غاية البساطة أن لا مجال للتعايش مع هذا التطرّف والجنون. لا مجال للقبول بالتهجير
مصير الأسد؟
هناك إمكان لأن يلقى نتنياهو مصيراً مشابهاً لمصير بشار الأسد، ما دام يرفض الاستجابة لأيّ حلول أو تسويات أو صيغ يمكنها أن تسهم في تهدئة جنون المنطقة، وتهدّئ الوضع في الداخل الإسرائيلي، تماماً كما كان الأسد رافضاً لكلّ التنازلات والحلول بعدما اعتبر أنّه حقّق انتصاراً عسكرياً.
كلّ من واجه السعودية واجه السقوط، بينما القطار الذي أطلقه بن سلمان يواصل تقدّمه بسرعة، منذ طرح الرؤية، إلى التكامل في الرؤى مع دول أوروبية وتحقيق طموحات الشراكة والاستثمار من قبل الأوروبيين والأميركيين، خصوصاً أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجّه مجدّداً تحيّاته إلى بن سلمان والسعودية على الأدوار التي تضطلع بها، خصوصاً في الحرب الروسية الأوكرانية، والمفاوضات الروسية الأميركية، وعبّر عن تشرّفه العظيم بأن يكون أوّل رئيس أميركي يخاطب مؤسّسة مبادرة مستقبل الاستثمار، التي تحدّث منها عن انطلاقة العصر الذهبي لأميركا، هذا العصر الذي يرتبط بحسب ترامب نفسه بالتمازج والاندماج مع “العصر السعودي”.
إقرأ أيضاً: السعوديّة تتوسّط “قطبَيْ” العالم