إلى “كلّنا إرادة”: ردّكم في معرض الإثبات

من حقّ “كلنا إرادة” أن تردّ على أيّة مقالة تتحدّث عنها أو تتناولها. لكن ليس من حقّها أن تصف ما جاء في مقالة الزميل عبادة اللدن بالأكاذيب. قد يبرع أعضاء “كلّنا إرادة” بالاقتصاد وأرقامه، واضعين خطّين تحت قد” بالأحمر العريض، أو قد يبرعون بالسياسة وأحاجيها من ألاعيب تفتح طريق التوزير لكثيرين. لكنّ المؤكّد أنّهم باستعمالهم لمفردة “أكاذيب” أثبتوا افتقادهم للبراعة في التخاطب وفي الأدب والتهذيب.

 

بكلّ الأحول، تُشكر جمعية “كلّنا إرادة” لأنّها أكّدت في ردّها ما أرادت أن تنفيه ممّا هو ثابت ومعروف في أدبيّات شخوصها المعروفين، ولو أنّه كان حريّاً بها أن تناقش الفكرة المطروحة في المقال، لا أن تقفز إلى الاتّهام والمظلومية. ومن باب إثراء النقاش، لا من باب المساجلة، لا بدّ أن نُسجّل النقاط التالية:

1- ليس مفهوماً حديثكم عن “حملة تشويه” تتعلّق بمصادر تمويل “كلّنا إرادة”، وعن “نظريّات مؤامرة”، وعن “الأكاذيب والمعلومات المضلّلة” عن أهداف المنظّمة وتمويلها. أين قرأتم أيّ شيءٍ من هذا؟ هل ضقتم ذرعاً بالنقاش لتقفزوا إلى سجال لا شأن للمقال به؟

2- يستخدم بيانكم تعبير “الأكاذيب” لنفي ما أورده المقال من توصيف للأسس التي يقوم عليها برنامج “كلّنا إرادة”، ثمّ يعود لإثبات مضمونها واحدةً واحدةً، مع اختلاف التعبير. فلنراجعها معاً:

– يتبرّأ بيانكم من توصيف الأزمة بأنّها “عمليّة احتيالية من المصارف (ومصرف لبنان؟)”، ثمّ يعود ليقول في الفقرة ذاتها إنّ “المصارف وضعت الودائع لدى مصرف لبنان، طمعاً في الأرباح السهلة والفوائد السخيّة، وللاستفادة من هندسات ماليّة مربحة جدّاً لهم، وصفها البنك الدولي وغالبيّة الخبراء الاقتصاديين والماليّين بمخطّط بونزي احتيالي”. ثمّ يضيف أنّ “المصارف كانت تدرك جيّداً أنّها تنتهك الأنظمة المالية والمعايير المصرفية”. هذه هي “الكذبة” الأولى بنظر البيان!

ينفي بيانكم “تهمة” رفض استخدام أصول الدولة في حلّ الأزمة، ثمّ يقدّم في الفقرة ذاتها مطالعة طويلة تعلّق الأمر على شروط مستحيلة

– ينفي بيانكم “تهمة” رفض استخدام أصول الدولة في حلّ الأزمة، ثمّ يقدّم في الفقرة ذاتها مطالعة طويلة تعلّق الأمر على شروط مستحيلة، منها “استرداد الأموال المنهوبة أو استخدام إيرادات الشركات المملوكة من الدولة، دون إنشاء التزامات جديدة على الدولة”. وهذا لا يترك مجالاً لمبدأ التشاركيّة في المسؤولية وتحمّل الخسائر، لا بالتراتبيّة ولا بغيرها، ما دام إنشاء الالتزامات على الدولة مرفوضاً. هذا ما تسمّونه “الأكذوبة” الثانية!

– يتبرّأ بيانكم من مقولة إنّ “الودائع ليست مقدّسة”، ثمّ يسخر بعد سطرين من شعار “قدسيّة الودائع”، ويرى أنّه أدّى إلى “صفر ودائع”. وهذا بنظركم “الأكذوبة” الثالثة!

– تنفون عن أنفسكم القول إنّ “الحلّ الوحيد للأزمة هو أن تتحمّل المصارف الخسائر”. ثمّ يسهب بيانكم بعد ذلك في شرح مبدأ التراتبية، ويقول إنّ “الخسائر تُحمَّل أوّلاً لمساهمي البنوك، (…)، وأمّا الجزء من الودائع الذي لا يتمّ تعويضه عبر مختلف أدوات الاسترداد، فيُحوَّل إلى صندوق استرداد الودائع، الذي يجب التأكّد من أنّه لا يشكّل التزاماً إضافياً على الدولة”. هذا ما تسمّونه “الأكذوبة” الرابعة!

3- يتحدّث بيانكم عن ضرورة إعادة هيكلة القطاع المصرفي. ومن قال غير ذلك؟ لكنّ السؤال المباشر الذي ينتظر ردّاً أميناً: هل يمكن، عمليّاً وواقعيّاً، إتمام هذه العملية من دون شطب معظم الودائع، إذا كانت ستقوم على أموال المساهمين في البنوك، أو ما يضخّونه من رؤوس أموال جديدة؟ هل تتصوّرون أنّ أصحاب المصارف سيضخّون رساميل جديدة بأكثر من سبعين مليار دولار لإعادة البنوك إلى حال الملاءة المالية؟ ماذا تتوقّعون أن يكون خيارهم إذا كان عليهم أن يختاروا بين ضخّ هذه الأموال أو الإفلاس؟

لم يكن في المقال أيّ منطلق تشكيكيّ أو اتّهاميّ، بل لا بدّ أن أصرّح بأنّ “كلّنا إرادة” تستحقّ الثناء لكلّ ما أضافته على النقاش العامّ من حيوية وجدّية، ولما قدّمته من شخصيات عامّة جديرة بالتقدير.

في المقال فكرة أساسية لم يناقشها بيانكم، وملخّصها أنّ إعادة هيكلة النظام المالي لا يمكن أن تتمّ إلّا بشمول مصرف لبنان وماليّة الدولة

إنّما في المقال فكرة أساسية لم يناقشها بيانكم، وملخّصها أنّ إعادة هيكلة النظام المالي لا يمكن أن تتمّ إلّا بشمول مصرف لبنان وماليّة الدولة في العملية على أساس التشارك في تحمّل الخسائر بين أطراف الأزمة، ولا بدّ من مصارحة المودعين بأنّ أموالهم لن تعود كاملة، والفصل بين مسار إعادة الودائع ومسار استعادة الأموال المنهوبة، لأنّ من غير المعقول إبقاء وضع الودائع مفتوحاً على المجهول وبلا أفق زمني.

يجب أن يكون واضحاً أنّ المقال لم ينفِ مسؤوليّة المصارف الكبرى، وهو خطاب في إدارة المخاطر وفي التعامل مع المودعين. لكنّ حصر المسؤولية بها مدخل لإغلاق الباب أمام أيّ حلٍ يمكن أن يعيد نسبة مقبولة من الودائع.

ردّ “كلّنا إرادة”

التزاماً بقانون المطوعبات ينشر “أساس” ردّ “كلّنا إرادة” على مقالة الزميل عبادة اللدن تحت عنوان: “كلّنا إرادة: إفناء الودائع وإفلاس المصارف”، وفي ما يلي الردّ:

منذ انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية وتسمية نوّاف سلام رئيساً للحكومة، تصاعدت الحملة ضدّ “كلّنا إرادة” من قبل كلّ مَن يخشى استعادة الدولة اللبنانية سيادتها الكاملة. هذه السيادة لا تقتصر فقط على نزع سلاح “الحزب”، بل تشمل أيضاً إعادة هيكلة النظام السياسي والاقتصادي والماليّ، ليخدم المصلحة العامّة بدلاً من المصالح الخاصّة والفئوية. إعادة هيكلة القطاع المصرفي هي نقطة انطلاق أساسية في هذا الإطار، ومدخل ضروريّ لجذب المساعدات الخارجية اللازمة لإعادة الإعمار.

تأسّست “كلّنا إرادة” عام 2016 من قِبل لبنانيين مقيمين ومغتربين، ويتمّ تمويلها حصرياً من خلال مساهمات أعضائها. وكلّ الادّعاءات التي تشكّك في ذلك هي جزء من حملة تشويه تستهدف ذكاء اللبنانيين، وتستند إلى نظريّات مؤامرة لا أساس لها من الصحّة. فالحملة ضدّ “كلّنا إرادة” ليست جديدة، بل تعود إلى عام 2019، وتقوم على نشر الأكاذيب والمعلومات المضلّلة حول أهداف المنظّمة وتمويلها. تنطلق هذه الحملة من أركان الدولة العميقة التي أوصلت لبنان إلى الإفلاس والخراب، ووجدت في مهاجمة منظّمتنا وسيلةً لتجنّب تحمّل مسؤوليّاتها.

يستخدم بيانكم تعبير “الأكاذيب” لنفي ما أورده المقال من توصيف للأسس التي يقوم عليها برنامج “كلّنا إرادة”، ثمّ يعود لإثبات مضمونها واحدةً واحدة

من هنا نجد أنّ عنوان مقال “أساس ميديا” ومضمونه يتعمّدان تشويه مواقف “كلّنا إرادة”. فهل يمكن لأيّ عاقل أن يصدّق أنّ أزمة الودائع والمصارف هي مسؤولية “كلّنا إرادة”؟ عندما وجد المودعون أنفسهم أمام أبواب المصارف المغلقة في عام 2019، هل كان ذلك بسبب “كلّنا إرادة”؟ بالطبع لا. موقفنا الثابت منذ ذلك الحين هو ضرورة اعتراف المسؤولين بحقيقة الخسائر وحجمها، وهو ما يرفضونه نظراً لضخامتها، فتفاقمت الأزمة التي كلّفت المجتمع اللبناني حتى الآن خسائر مالية تتجاوز سبعين مليار دولار، وتهجير أكثر من مليون شابّ وشابّة، وإفقار الشريحة الكبرى ممّن بقوا، وتكبيد الاقتصاد خسائر قد لا يمكن إصلاحها قبل عقود طويلة.

في ما يلي نفنّد الأكاذيب الأربع التي زعم مقال “أساس ميديا” أنّها تمثّل برنامج “كلّنا إرادة”:

– أوّلاً: زعم المقال أنّ خطّة “كلّنا إرادة” تعتبر أنّ “الأزمة ليست نظامية، بل هي عملية احتيالية من المصارف (ومصرف لبنان؟):”

“كلّنا إرادة” لم تستخدم مصطلح “عملية احتيالية من المصارف”. الحكومات المتعاقبة، ومصرف لبنان عبر اعتماد سياسة تثبيت سعر صرف الليرة، والمصارف مسؤولون بشكل مباشر عن الأزمة، ولا نقاش في ذلك، وتجب محاسبتهم. إنّ توزيع الخسائر يخضع لهرميّة في توزيع المسؤوليّات تبدأ برؤوس أموال المصارف وأموالها الخاصّة، وهذه هي المقاربة المعتمدة لمعالجة أزمات إفلاس المصارف في الدول الرأسمالية. في المقابل، تسعى جمعية المصارف إلى التملّص من المسؤولية عبر تسويق سردية غير صحيحة، مفادها أنّها “أُجبرت” على وضع الودائع لدى مصرف لبنان، وأنّ الدولة أنفقتها بشكل غير مسؤول. تهدف هذه المزاعم إلى تمييع الحقائق، فالمصارف وضعت الودائع لدى مصرف لبنان، طمعاً في الأرباح السهلة والفوائد السخيّة وللاستفادة من هندسات مالية مربحة جدّاً لهم، وصفها البنك الدولي وغالبيّة الخبراء الاقتصاديين والماليّين بمخطّط “بونزي” احتيالي. كانت المصارف تدرك جيّداً أنّها تنتهك الأنظمة المالية والمعايير المصرفية من خلال زيادة تعرّضها لمخاطر الدولة، وهي بالتالي من يجب أن يتحمّل المسؤولية.

ليس مفهوماً حديثكم عن “حملة تشويه” تتعلّق بمصادر تمويل “كلّنا إرادة”، وعن “نظريّات مؤامرة”، وعن “الأكاذيب والمعلومات المضلّلة”

–  ثانياً: زعم المقال أنّ خطّة “كلّنا إرادة” تعتبر أنّ “أصول الدولة مقدّسة، ولا يمكن استخدامها في حلّ الأزمة”.

لم نستخدم مصطلح “مقدسة”، بل نؤكد أن نقل مسؤولية التعويض عن الودائع من المصارف إلى الدولة يهدف إلى رفع المسؤولية عن المصارف وليس التعويض عن المودعين. علماً بأن حجم الفجوة الهائل، الذي وصل إلى سبعين مليار دولار، لا يمكن للدولة سداده. العديد من المقترحات تعد “باستعادة الودائع”، لكن لا أحد قادر على توضيح مصدر الأموال اللازمة لتنفيذها، مما يجعلها غير واقعية. مبادئ “كلنا إرادة” لتخصيص الموارد العامة تتمثل في:

– عدم حرمان المواطنين من حقوقهم والخدمات العامة الأساسية.

– الحفاظ على استدامة الدين العام.

– توأمة استرداد أموال المودعين مع الإصلاحات والمساءلة والمحاسبة، عبر استرداد الأموال المنهوبة أو استخدام إيرادات الشركات المملوكة من الدولة، دون إنشاء التزامات جديدة على الدولة.

– ثالثاً: زعم المقال أنّ خطّة “كلّنا إرادة” تعتبر أنّ “الودائع ليست مقدّسة، لأنّ المودعين لا يشكّلون سوى نسبة ضئيلة من الشعب”.

من حقّ “كلنا إرادة” أن تردّ على أيّة مقالة تتحدّث عنها أو تتناولها. لكن ليس من حقّها أن تصف ما جاء في مقالة الزميل عبادة اللدن بالأكاذيب

يعاكس هذا الزعم ما تقوله “كلّنا إرادة” تماماً. إنّ إعادة هيكلة القطاع المصرفي تسمح للغالبية الساحقة من المودعين باستعادة أموالهم على الفور. بات واضحاً أنّ شعار “قدسية الودائع” أدّى إلى نتيجة واحدة: “صفر ودائع” للغالبية العظمى من المودعين. فمصير الودائع بات معروفاً، وهو الليرة والهيركات التي تُطبّق على المودعين منذ خمس سنوات. بالنتيجة، انخفضت القدرة على تغطية الودائع من 100% في عام 2015 إلى 60% في خطّة “لازارد”، ثمّ إلى 40% في الاتّفاق المبدئي مع صندوق النقد، لتصل اليوم إلى 100 ألف دولار لكلّ مودع.

–  رابعاً: زعم المقال أنّ خطّة “كلّنا إرادة” تعتبر أنّ “الحلّ الوحيد للأزمة هو أن تتحمّل المصارف الخسائر…”.

في الواقع، يرتكز الحلّ بالنسبة لـ”كلّنا إرادة” على:

– تعيين قيادات نزيهة في مصرف لبنان.

– إلغاء قانون السرّية المصرفية وإطلاق عمليات تدقيق شاملة في القطاع المصرفي.

– إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي واعتماد برنامج إصلاحي جديد.

– الإسراع بإقرار خطّة شاملة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي.

يجب أن تحترم هذه الخطّة هرميّة المطالبات، وهذا يعني أنّ الخسائر تُحمَّل أوّلاً لمساهمي البنوك، وهو ما ترفضه هذه الأخيرة حتى الآن، مفضّلة تحميل عبء الخسائر أوّلاً للمودعين. أمّا الجزء من الودائع الذي لا يتمّ تعويضه عبر مختلف أدوات الاسترداد، فيُحوَّل إلى صندوق استرداد الودائع، الذي يجب التأكّد من أنّه لا يشكّل التزاماً إضافياً على الدولة.

إقرأ أيضاً: “كلّنا إرادة”: إفناء الودائع وإفلاس المصارف

معالجة الأزمة المصرفية في لبنان ليست مسألة خيار، بل هي ضرورة ملحّة لإنقاذ الاقتصاد واستعادة حقوق المودعين. تبقى “كلّنا إرادة” ملتزمة بدعم أيّ خطّة إصلاحية تعطي الأولوية للمصلحة العامة وتضمن العدالة للغالبية العظمى من اللبنانيين. وندعو الجميع إلى التوقّف عن تشويه الحقائق والتركيز على العمل الجادّ لإنقاذ لبنان من الانهيار.

مواضيع ذات صلة

حسين العشي: لا علاقة تربطني بـ “كلنا إرادة”

حضرة السادة إدارة جريدة “أساس ميديا” الإلكترونية المحترمين، تحية وبعد، عطفاً على ما ورد في مقالكم المنشور بتاريخ 2025/03/24 على موقعكم الإلكتروني تحت عنوان “كلنا…

“كلنا إرادة”… “الشورى” يفرض اسمها على “الداخلية”

تدقيقاً، لمقال الزميل زياد عيتاني المنشور في 23 آذار الجاري، تحت عنوان “كلّنا إرادة”.. لغز ثلاثة تواريخ، تبيّن لـ”أساس” أنّ الوزيرين عامر البساط وحنين السيد…

قطر ليست قدراً.. بأصغر رجالها؟

لطالما كان للدوحة أينما حلّت في السياسة دور ومبادرات. تلعب دور الوسيط عندما يفتقد العالم في أزماته الوسطاء. تذهب حيث لا يذهب الآخرون، وتأخذ وتعطي…

قطار الرّئيس: التّعيينات القضائيّة بالأسماء والتّفاصيل

بعد الانتهاء من التعيينات الأمنيّة وفقاً للخارطة الموضوعة، يستكمل الرئيس جوزف عون الإمساك بمفاتيح التحكّم والسيطرة في مفاصل الدولة، وذلك عبر ملفّ التعيينات القضائية حيث…