السّعوديّة مظلّة العرب: يلوذون بها كلّما أمطرت

لم تعد المملكة العربية السعودية “قبلة المسلمين” فقط، بل هي “قبلة العالم”. كلّ الأنظار تتّجه إليها. كلّ المواقف تُبنى بناء على مواقفها. هي الخيمة التي يستظلّ بها كلّ العرب، وكلّ الجهات الباحثة عن تلاقٍ ومعالجات لأزمات ووقف للحروب. وهي الخيمة نفسها التي يلوذ بها الفلسطينيون، المصريون، اللبنانيون، والسوريون، بما تشكّله من بوصلة لموقف عربي جامع رافض لكلّ مشاريع التدمير أو التهجير، يُبقي فلسطين بقضيّتها، شعبها، أرضها وقدسها أمانة لدى السعوديّة. وهي الوجهة التي ينظر إليها كثيرون بحثاً عن طموحات أو مشاريع أو مصالحات أو استثمارات، فلم يكن من الصدفة الإعلان الأميركي والروسي عن استعداد الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين لعقد اجتماع في الرياض بحضور الأمير محمد بن سلمان للبحث في مسار وقف الحرب الروسيّة الأوكرانيّة.

 

 

 

لا حلّ لأزمات المنطقة، ولا سلام إلّا بحلّ الدولتين وإنشاء دولة فلسطينية. هو الموقف السعودي الثابت والراسخ، الذي أُبلغ لجميع المعنيّين، ولا سيما للإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، الذي يستعدّ لأن تكون زيارته الأولى خارج الولايات المتحدة الأميركية للسعودية من جديد.

هذه المرّة ستكون الزيارة مرتبطة بتصوّرات شاملة للوضع الدولي أو العالمي، وبما يتّصل بالوضع الفلسطيني والحرب الروسية الأوكرانية وغيرهما من ملفّات استراتيجية.

لم تعد المملكة العربية السعودية “قبلة المسلمين”، بل هي “قبلة العالم”. كلّ الأنظار تتّجه إليها. كلّ المواقف تُبنى بناء على مواقفها

تمتلك السعودية قراءتين، القراءة الواعدة التي ترتبط بالفرصة المتاحة أمام العرب للاجتماع والتلاقي على نقاط متعدّدة يمكن البناء عليها في أكثر من موقف، خصوصاً أنّ الهجوم الأميركي، الواضح إلى جانب إسرائيل وضدّ الدول العربية، يشكّل فرصة للموقف العربي الواحد، وإعادة تقديم الرؤية السياسية الشاملة.

لا ينفصل ذلك عن انتهاز الفرصة التي ترتبط بالتقاط اللحظة لتقديم مشروع وطرح عربيَّين لحلّ القضية الفلسطينية، والانطلاق إلى مرحلة جديدة على مستوى المنطقة. وهنا ستلعب المملكة العربية السعودية الدور المحوريّ الأبرز، الذي لم تتمكّن أيّ دولة أخرى من القيام به. فهي تمثّل اليوم قوّة صاعدة على المستوى الدولي، وتجيد لعب هذا الدور وتقديم الأداء اللازم، إذ ليس تفصيلاً الاجتماع الذي تشهده مدينة العُلا، التي تستقبل ضيوفاً من كبار المسؤولين من 50 دولة لمناقشة مستقبل العالم على مستويات مختلفة، إلى جانب اجتماع آخر مخصّص لمناقشة مشاريع إعادة الإعمار في المنطقة، وخصوصاً في غزة، سوريا ولبنان. وذلك سيُستتبع بقمّة خماسية عربية في الرياض لتحضير الردّ على المشروع الأميركي ورفض المشروع الإسرائيلي، على أن تتهيّأ المملكة لاستقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ما تتمسّك به السعودية على المستوى الفلسطيني هو أمر غير قابل للنقاش أو للتغيير، وفي ذلك يتماهى الموقف السعودي مع التطلّعات العربية السياسية والشعبية

طريقٌ وحيدٌ نحو السّلام

ما تتمسّك به السعودية على المستوى الفلسطيني هو أمر غير قابل للنقاش أو للتغيير، وفي ذلك يتماهى الموقف السعودي مع التطلّعات العربية السياسية والشعبية، وهو بلا شكّ سيستدعي كمّاً كبيراً من الضغط على المنطقة ودولها، مع الإشارة إلى أنّ الرأي العامّ العربي لا يمكنه تحمّل كلّ هذا الضغط، ولا يمكنه التخلّي عن الثوابت المرتبطة بالقضية الفلسطينية وبناء دولة مستقلّة للفلسطينيّين، وهو بلا شكّ سيلوذ بالمظلّة السعودية.

هنا تأتي القراءة الثانية، وهي القراءة الواقعية لحقيقة مخاطر هذا المشروع في ظلّ التلويح الأميركي بوقف المساعدات أو برفع الضغوط لدفع العرب نحو قبول مشروع التهجير. وقد تجلّى ذلك في تهديدات ترامب بوقف المساعدات عن مصر والأردن، وسط معلومات تتحدّث عن أنّ المملكة ستكون مستعدّة للتعويض عن هذه المساعدات، بما يفيد بشكل واضح الرعاية السعودية للموقف العربي الواحد. في هذا السياق تعتمد السعودية استراتيجية النفَس الطويل لتراجع ترامب عن كلّ مشاريعه التي تهدّد المنطقة بالتفجير، والوصول إلى لحظة الاقتناع بأنّ كلّ هذا المشروع يغلب عليه الخيال وانعدام الواقعية وعدم القابلية للتحقّق.

إقرأ أيضاً: السّعوديّة تتمسّك بحلّ الدّولتين: الفلسطينيّون أبناء الأرض

بُنيت الرؤية السياسية الدولية، التي تقدّمها السعودية، على مدى سنوات. وقد شرحنا في مقال سابق ملامح هذه الرؤية وطموحاتها، وكان عنوانه: “سياسيّ الظروف الصعبة” يجلس على كرسي سعود الفيصل؟ تلك الرؤية كانت ثابتة بشأن تعزيز مفهوم الدولة وتكريس مفاهيم تأسيسيّة على مستوى المنطقة والعالم. وأصبح جزءٌ من هذه المفاهيم مشهوداً في لبنان وسوريا، من خلال إعلاء الاعتبار لمفهوم حصرية السلطة في يد الدولة، التي يُناط بها دور حماية الجميع، مع زيادة قدرات لبنان للدفاع عن نفسه. هناك مصلحة بعودة الدولة لضمان الأمن والسيادة. وعلى كلّ الأفرقاء الاقتناع بأنّهم شركاء في بناء هذه السيادة. الوضع في المنطقة يتمثّل في أنّ السيادات البديلة لم تعد موجودة، بل ممنوعة. بالمعنى العملي، لم تعد هناك أيّ إمكانية لإعادة إنتاج الكيانات الموازية، وذلك يفرض حتماً بناء دولة فلسطينية، وهي الرؤية التي يجري التمسّك بها لإقناع الأميركيين والعالم بأنّها الطريق الوحيد إلى أيّ سلام.

مواضيع ذات صلة

ترامب في الفخّ اليمنيّ؟

 وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ناخبيه بعدم انخراط بلاده في حروب العالم وبسحب القوّات الأميركية من أيّ تورّط في الحروب الحالية. يعمل حالياً، بصعوبة، على…

رشا علويّة: بين الإمام المهديّ… وترامب

سيظهر الإمام المهدي ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً. هذا ما تؤمن به رشا علويّة. وإذا ظهر اليوم، أو غداً، فإنّ بلاد “الشيطان الأكبر” هي عدوّه الأوّل….

إيران بين رسالتَيْ ترامب: النّظام على المحكّ

على عكس التعامل مع الرسالة الأولى من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المرشد الأعلى للنظام الإيراني السيّد علي خامنئي في أواسط حزيران 2019 التي حملها…

قيام الدولة: بالإرغام أو بالغلبة؟

استقرّ الرأي في الأنظمة الحديثة والمعاصرة على أنّ الدولة هي التي يكون من حقّها ممارسة العنف بمفردها. والسلطة في ممارساتها الشاملة تكون محايدة. أمّا في…