ترامب يُجبر نتنياهو.. على وقف حرب غزّة

مدة القراءة 8 د

حساب الحقل لم يكن على حساب البيدر، في تقديرات رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لموقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الفعليّ من صفقة التبادل. إذ يبدو أنّ هذا الأخير أرادها معبراً لنهاية الحرب في غزّة. أحلام نتنياهو “بالنصر المطلق” صارت من وقت مضى، والمناورات التي كان يستخدمها في مواجهة إدارة الرئيس جو بايدن بهدف تعطيل مبادرته لوقف الحرب تشهد نهايتها.

بقدرة قادر أخذ نتنياهو يسوّق للصفقة الجديدة مع حليفيه اليمينيَّين المتطرّفين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن إيتامار بن غفير، بعدما كان يخطّط “لحرب بلا نهاية”. خشونة مبعوث ترامب رجل الأعمال ستيف ويتكوف الذي يجيد لغة إبلاغ الرسائل بعيداً عن الدبلوماسية التي لا يتقنها، جعلته يفتح مكتبه في يوم السبت لاستقباله. وفي هذه الزيارة التي لم تراعِ بروتوكول عطلة السبت عند اليهود، فهم نتنياهو الرسالة، أي أنّ عليه أن يبرم الصفقة مع حماس لإطلاق الرهائن. ركب “بيبي” الموجة على مضض وأرسل رئيسَي الشاباك والموساد إلى الدوحة، استعداداً لتقديم أوراق اعتماده أمام ترامب، الذي أصبح على بعد خطوات من المكتب البيضاوي في واشنطن.

الصفقة بين إسرائيل وحماس أبصرت النور. فماذا حصل بين ليلة وضحاها؟ هل فعلاً خافت حماس أن تقدم إسرائيل على ضمّ شمال القطاع فلانت مواقفها؟ أم تهيّبت قراراً من ترامب بوقف المساعدات التي تعتاش عليها وتستر وجهها مع أهالي غزة المنكوبين؟ وهل نتنياهو أدرك فعلاً أخطار غضب ترامب فقرّر أن يبلع الموس ويسير في الصفقة؟ وهل تؤدّي هذه الأخيرة إلى نهاية الحرب؟ وكيف سيتعامل نتنياهو مع إضاعة وهم النصر المطلق والقضاء على حماس؟ وكيف سيواجه اليوم التالي الذي يبدو أنّه سيتضمّن قيام إدارة ذاتية من فلسطينيّي غزة مع دور للسلطة الفلسطينية التي كان يصرّ على استبعادها؟

حساب الحقل لم يكن على حساب البيدر، في تقديرات رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لموقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الفعليّ من صفقة التبادل

خوف حماس من فقدان شمال القطاع 

بعد ستّة أشهر من الحرب على غزة أصبحت عيون الجنرالات الإسرائيليين المتقاعدين شاخصة باتّجاه شمال القطاع. إذ أعدّ غيورا آيلاند (رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق) خطّة باسمهم سمّيت خطّة الجنرالات بهدف تحقيق النصر المطلق.

تناولت تاليا ساسون الخطّة في مقالتها في صحيفة هآرتس بعنوان “مخترع فكرة تجويع سكّان غزّة: خطّتك ألحقت بدولتنا العار”، وكتبت: “تستهدف هذه الخطّة إبعاد سكان مدنيين من شمال القطاع إلى الجنوب، وفرض الحصار على سكّانه الذين سيبقون هناك وتجويعهم، من أجل إخضاع حماس. عمليّاً، هذه هي خطّة آيلاند للنصر المطلق. وهو يعرف أنّ وراء هذه الخطّة سياسيّين يريدون بالفعل ترسيخ احتلال شمال القطاع وإقامة المستوطنات هناك خلافاً للقانون الدولي”.

فتحت هذه الخطّة عيون سموتريتش وبن غفير وجماعة حركة “نحالا” على الاستيطان. وفتحت عيون نتنياهو على استخدام سياسة الضغط العسكري على حماس، بهدف إخضاعها وتحرير الرهائن. في هذا الإطار كتب رون بيشاي في “يديعوت أحرونوت” الآتي: “عندما بدأ الجيش بسلسلة توغّلاته في شمال قطاع غزة، بدايةً في جباليا، ثمّ في بيت لاهيا وبيت حانون، كان لديه هدفان حدّدهما المستوى السياسي:

  • الأوّل، منع إعادة تمركُز حماس كقوّة تخوض حرب عصابات في شمال القطاع، على مسافة كيلومترين تقريباً من سديروت ومستوطنات الغلاف.
  • والثاني، كان الضغط على حماس من خلال الضربات المتتالية لعناصرها وناشطيها، وتدمير منظومتها التحت أرضيّة في شمال القطاع، والضغط عسكرياً من أجل إطلاق المخطوفين”.

وتابع: “بعكس الآراء المختلفة السائدة وسط الجمهور، يسود طاقم كبار المسؤولين الذين يعالجون مسألة المخطوفين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، تقدير مفاده أنّ الضغط العسكري هو، فعلاً، الأداة الوحيدة التي ستدفع وارثَي يحيى السنوار، شقيقه محمد، قائد حماس في جنوب القطاع، وعزّ الدين حدّاد، قائد شمال القطاع، إلى التوصّل إلى وقف إطلاق النار، لأنّ حماس تتخوّف من أن يكون القتال في شمال القطاع، الذي يخوضه الجيش بحزم وصرامة، محاولة لفصل شمال القطاع عن سائر أجزاء قطاع غزة، وضمّه إلى إسرائيل”. وأضاف الكاتب أنّ هذه الأخيرة تنوي الإبقاء على هذا التهديد إلى أن توافق حماس على الصفقة، التي سيتوقّف القتال في نهايتها.

بعد ستّة أشهر من الحرب على غزة أصبحت عيون الجنرالات الإسرائيليين المتقاعدين شاخصة باتّجاه شمال القطاع

اليوم التّالي على وقع طموحات ترامب 

لطالما تهرّب نتنياهو من “اليوم التالي” وساق الحجج وانقلب على خطّة بايدن في أيار 2024 من أجل استمرار الحرب. وكم من مقالة كشفت أنّه يعمل من أجل مصالحه السياسية وليس المصلحة الوطنية. فإذا به يواجه “اليوم التالي” الأميركي على وقع طموحات ترامب إلى حيازة جائزة نوبل للسلام وتوقيع صفقة كبرى مع المملكة العربية السعودية مستندة إلى ضمان مسار سياسي يؤدّي إلى دولة فلسطينية.

قال رون بيشاي في مقالته المذكورة أعلاه: “إذا جرى التوصّل إلى صفقة في الأيام المقبلة، فإنّ التركيز سينتقل فوراً إلى ترتيبات اليوم التالي”. وتابع: “في الواقع، تناقش الأطراف المشارِكة في المفاوضات في الدوحة هذه المسألة التي تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من المفاوضات بشأن صفقة المخطوفين. ومن وراء الكواليس، يجري تداوُل مخطّط توافق عليه مصر وقطر والأميركيون ودولة الإمارات. يحتوي هذا المخطّط على خطوط عامّة بشأن حُكم مدني في غزة قادر على فرض القانون، ويكون خاضعاً لحكومة فلسطينية مؤقّتة، هي نوع من لجنة، يكون أعضاؤها من التكنوقراط المدنيين من سكّان القطاع، ومن دون انتماء سياسي واضح”. وقال عاموس هرئيل في مقالته في “هآرتس” بعنوان “لأوّل مرّة منذ أشهر كثيرة، هناك أساس لتفاؤل معيّن بشأن الطريق إلى صفقة”، إنّ “اقتراب دخول دونالد ترامب البيت الأبيض في 20 كانون الثاني، يزيد بصورة واضحة فرص توقيع صفقة أسرى بين إسرائيل وحماس. هذه المرّة، يوجد أساس لهذه التقارير. فالمحادثات في قطر مستمرّة منذ أسابيع، والآن يظهر تقدّم مهمّ. يأتي التغيير الأساسي من ترامب نفسه: يبدو أنّ المطالبة القاطعة بحلّ المسألة قبل تسلُّمه منصبه رئيساً للولايات المتحدة وتهديداته بفتح “أبواب الجحيم”، إذا لم يُستجب لطلبه، خلقتا ضغطاً على الطرفين. وطبعاً، جرى تنسيق خطوة ترامب مع موظّفي الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن”. وتابع الكاتب: يسعى ترامب إلى صفقة شاملة، معناها أيضاً نهاية الحرب في القطاع. لذلك حتّى لو جرى الاتّفاق على تفاصيل المرحلة الأولى، من المتوقّع بذل جهد أميركي يفرض على الطرفين تنفيذ المرحلة الثانية وصوغ صفقة شاملة يكون معناها محاولة وقف القتال وقتاً طويلاً.

كانت حماس بحاجة إلى الصفقة وستستخدم رصيد ورقة إطلاق سراح الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية لتعزيز دورها غير المباشر في مرحلة ما بعد الحرب

فشل استراتيجية إسرائيل في غزّة 

بالطبع، كانت حماس بحاجة إلى الصفقة وستستخدم رصيد ورقة إطلاق سراح الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية لتعزيز دورها غير المباشر في مرحلة ما بعد الحرب. أمّا نتنياهو فمن الممكن أنّه سيكتشف قريباً أنّ ترامب رمى له بطوق النجاة لأنّ القضاء على حماس بات بنظر غالبية الإسرائيليين وهماً كبيراً، وأنّ تحرير الرهائن من خلال استراتيجية الضغط العسكري أصبحت موضوع تساؤل كبير. والجنرال غيورا آيلاند الذي أعدّ خطّة الجنرالات لشمال غزة وكان أحد أهدافها الضغط العسكري على حماس، عاد ليكتب منذ أيام في صحيفة يديعوت أحرونوت أنّ “استراتيجية إسرائيل في غزة فشلت”. وبرأيه، “نجح الضغط العسكري جزئياً في إضعاف القوّة العسكرية لحماس، لكنّه لم يكن كافياً لتحقيق الهدفين الرئيسيَّين: تحرير الأسرى وإنهاء حماس. ولذلك إسرائيل بحاجة إلى استراتيجية مختلفة تستهدف نقاط ضعف العدوّ، لا قوّته”. وختم آيلاند مقالته بالتأكيد أنّ “إسرائيل بحاجة إلى إعادة تقويم استراتيجياتها العسكرية والسياسية في الحروب المقبلة. فالضغط العسكري وحده لا يكفي لتحقيق الأهداف الكبرى في الصراعات، بل يتطلّب الأمر التفكير العميق في الوسائل الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تؤدّي إلى انهيار النظام المعادي وتحقيق الأهداف الأمنية والسياسية على المدى البعيد”.

إقرأ أيضاً: ترامب و”الدّولة العميقة”… ومصير الحروب بينهما

الجديد مناطق عازلة على حدود إسرائيل 

بالتأكيد ستنتهي الحرب على غزة، وسيصبح في جعبة ترامب رصيد إنهاء حربَي غزة ولبنان بانتظار تحقيق معجزة إنهاء الحرب في أوكرانيا، كي تمهّد له الطريق نحو جائزة نوبل للسلام. لكن يبقى الحذر قائماً ممّا يفكّر فيه نتنياهو وحكومته لإعادة ترتيب نظرية الأمن القومي الإسرائيلي. وفي ضوء ما أحدثته عملية طوفان الأقصى من نتائج كارثية على الأمن الإسرائيلي، بدأت تظهر نظرية “المناطق العازلة”. ولن يكون مفاجئاً للمتابعين تكريس هذه النظرية في شمال غزة وجنوب سوريا، إذ نقل المعلّق العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت منذ أيّام عن مسؤول إسرائيلي نيّة الحكومة الإسرائيلية إقامة منطقة نفوذ في سوريا تمتدّ إلى مسافة 60 كلم، وهم في الأساس احتلّوا أخيراً 15 كلم في المنطقة العازلة. ويبدو أنّهم لن ينسحبوا نهائياً من الأراضي اللبنانية تطبيقاً لاتّفاق وقف الأعمال العدائية، بل سيحتفظون بعدّة نقاط استراتيجية في القطاعات الغربي والأوسط والشرقي. نتنياهو وحكومته سيبلعون موس الصفقة وستغدق الأموال على بن غفير وسموتريتش كمكافأة لهما من أجل التوسّع بالاستيطان، وسنشهد ابتلاع مزيد من الأراضي لتوسيع حدود إسرائيل كافّة.

* أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@WalidSafi16

مواضيع ذات صلة

عون – سلام: نهاية 50 عاماً من الوصاية

انتصرت سوريا فتغيّر لبنان. تساعد هذه العبارة التي تتألّف من أربع كلمات في فهم ما يجري في لبنان. بدءاً بانتخاب رئيس للجمهوريّة هو العماد جوزف…

إلى محمد رعد: نخلعُ جُرحَنا ونمسحُ القهرَ

في عيون النائب محمد رعد ما لا تشرحه كلّ لغات الأرض. أطلّ من قصر بعبدا وفي خاصرته ما يشبه الرمح أو الخنجر. حاله في ذلك…

هل تنجح أنقرة في إقصاء ورقة داعش السّوريّة؟

يريد البعض أن يضع “هيئة تحرير الشام” و”قسد” و”حزب العمّال الكردستاني” و”داعش” في سلّة تفاوض ومساومة سياسية واحدة، وعقد صفقة تعطيه ما يريد في “حكاية…

“التّكليف” الذي يفوق طاقة الشّيعية السياسية..

كمن يتناول جرعة دواء ثقيلة وينتظر العوارض، تختبر الحياة السياسيّة تبعات انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة خلافاً لرغبة الحزب المطبق بسلاحه على الحياة السياسية…