انتهى القول، وبدأ الفعل، ومعه الاختبار الأوّل الحقيقي.
سريعاً أطلق رئيس الجمهورية المنتخب جوزف عون قطار عهده الرئاسي محدّداً موعداً لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة تمهيداً لتكليف رئيس للحكومة للمضيّ قدماً في عمله، بعدما وعد في خطاب قسمه بـ”تكليف رئيس حكومة هو شريك في المسؤولية لا خصم، نمارس صلاحيّاتنا بروح إيجابية تهدف إلى استمرارية المرفق العامّ وتفضيل الكفاءة على الزبائنية والوطنية على الفئوية والفاعلية على البيروقراطية والحزم على الهروب من المسؤولية والشفافية على الصفقات ومعاصرة التطوّر العالمي على التمترس خلف صراعات الماضي”.
هكذا يبدأ رئيس الجمهورية مهامّه الرسمية يوم الإثنين بالاستماع إلى الكتل النيابية والنواب في ما خصّ الاسم الذي سيودعونه لرئاسة الحكومة المقبلة، فيما بدا لافتاً بدء الاستشارات بالنواب المستقلّين، بعد رئيس مجلس النواب نبيه بري ونائبه الياس بوصعب، للانتقال فيما بعد إلى الكتل النيابية، وكان الموعد الأخير عند الساعة 17:20 من نصيب كتلة “التحرير والتنمية”.
يبدأ رئيس الجمهورية مهامّه الرسمية يوم الإثنين بالاستماع إلى الكتل النيابية والنواب في ما خصّ الاسم الذي سيودعونه لرئاسة الحكومة المقبلة
احتدم سريعاً أيضاً العراك السياسي على خلفيّة هويّة رئيس أولى حكومات عهد جوزف عون. التعاطي مع انتخاب الرئيس، على قاعدة أنّه من خارج الطبقة التقليدية والوجوه المتوارثة، أطلق العنان لنقاش في ضرورة أن يكون رئيس الحكومة من القماشة ذاتها. أمّا السبب المباشر الباعث لهذا النقاش فهو الكلام عن احتمال “بقاء نجيب ميقاتي” في السراي الحكومي رئيساً للحكومة العتيدة.
أكثر من ذلك، ذهب البعض إلى حدّ تسجيل اعتراض مبكر على العهد في أوّل أيامه، تحت عنوان أنّ استنساخ تجارب العهد الماضي بإعادة تسمية ميقاتي رئيساً لحكومة يفترض أن تتولّى، أوّل ما تتولّاه، ترجمة خطاب القسم إلى خطط حكومية وقرارات، هو سقطة بحقّ العهد الجديد ستترك انطباعاً سلبية في أذهان اللبنانيين، خصوصاً كلّ من تلقّف خطاب القسم بكثير من الآمال والرهانات على نقل لبنان من مرحلة إلى أخرى.
هذا مع العلم أنّ تسمية رئيس الحكومة هو أمر منوط بالنواب وفق الاستشارات الملزمة لرئيس الجمهورية الذي يفترض به أن يأخذ بها لتكليف من سينال أغلبية أصوات النواب، فيما الاختبار الأوّل الحقيقي الذي سيخضع له رئيس الجمهورية سيكون من خلال طبيعة وسمة الوزراء الذين سيختارهم رئيس الحكومة لأنّ التوقيع على مرسوم ولادة الحكومة هو بيد رئيس الجمهورية.
يقول من يعرف الرئيس عون إنّ ثلاثة معايير أساسية يأمل أن يتمتّع بها من سيختارهم رئيس الحكومة المقبل: الكفاءة، النزاهة واحترام قرارات مجلس الوزراء
معايير مهمّة لتسمية الوزراء
يقول من يعرف الرئيس عون إنّ ثلاثة معايير أساسية يأمل أن يتمتّع بها من سيختارهم رئيس الحكومة المقبل: الكفاءة، النزاهة واحترام قرارات مجلس الوزراء. بمعنى أنّه ليس المطلوب وزراء تكنوقراط بعدما أثبتت التجربة أنّ القوى السياسية لجأت إلى هذه البدعة لكي تدير هؤلاء بـ”الريموت كونترول” وتتبرّأ منهم عند وقوعهم في الخطأ.
لهذا سيكون المطلوب وزراء يتمتّعون بالكفاءة والاستقلالية الذاتية لإدارة وزاراتهم وإداراتهم بمعزل عن خياراتهم السياسية، لكن من الضروري احترام قرارات مجلس الوزراء وتحييدها عن النكد والصراعات السياسية لاستقامة العمل الحكومي والوزاري ومنع تعطيله، فلمعيار التعاون أهميّته بالنسبة لرئيس الجمهورية.
هنا يُنتظر أن تكون للرئيس عون كلمته ومقاربته. لكن في ما خصّ تسمية رئيس الحكومة، لا يبدو أنّ الرئيس عون سينخرط طرفاً في هذا الاستحقاق لتفضيل مرشّح على غيره. سيترك اللعبة البرلمانية تأخذ مداها، احتراماً لروح “الطائف”، الذي يبدو أنّه سيُبعث من جديد، لكن هذه المرّة وفق نسخته الأصلية، التي كتبت بحبرٍ سعوديّ. وأبرز ما فيها الفصل بين السلطات واحترامها. وهذا ما ألمح إليه عون في خطاب قسمه.
لذا لن يكون التعطيل سلاح رئاسة الجمهورية، كما يقول عارفو الرئيس عون. ولهذا حين سئل عن رأيه بالثلث المعطّل في مجلس الوزراء، قال صراحة إنّه لن يطمح لأن يكون رئيساً بالتعطيل، وإنّما بالشراكة البنّاءة.
ميقاتي تمّ تكليفه للمرّة الثالثة يوم 26 تموز 2021 بعدما نال 72 صوتاً
بورصة الأسماء الحكوميّة
بالعودة إلى الاستحقاق الحكومي، يتبيّن أنّ بورصة الأسماء المرشّحة لتولّي رئاسة الحكومة تتأرجح بين:
– نجيب ميقاتي الذي يريده بالدرجة الأولى الثنائي الشيعي نظراً لتجربة التعاون معه، لا سيما خلال مرحلة الحرب، وهو ما يدفعه إلى تزكيته من جديد. ونُقل عن مسؤولين في “تيار المستقبل” تفضيل بقاء ميقاتي في الرئاسة الثالثة.
– أسماء جديدة قد تُطرح على ضفّة ثالثة، لا سيما أنّ السعودية لم تقُل كلمتها بعد في هذا الاستحقاق، وفق تأكيد أكثر من نائب. بالتوازي، تظهر المؤشّرات أنّ عدداً من النواب السنّة غير متحمّس لعودة ميقاتي إلى السراي. كذلك الأمر بالنسبة لـ”اللقاء الديمقراطي” الذي يُنقل عن بعض نوّابه تفضيلهم تسمية رئيس حكومة من خارج الطبقة التقليدية، وقد عبّر النائب مروان حمادة عن ذلك صراحة حين سمّى نوّاف سلام لرئاسة الحكومة.
إقرأ أيضاً: جوزف عون والإعمار: إشراف دوليّ وتمويل عربيّ
تجدر الإشارة إلى أنّ ميقاتي تمّ تكليفه للمرّة الثالثة يوم 26 تموز 2021 بعدما نال 72 صوتاً كانت موزّعة بين كتلة “تيار المستقبل”، كتلة “الوفاء للمقاومة”، كتلة “التنمية والتحرير”، كتلة “الحزب التقدّمي الاشتراكي”، و”كتلة التكتّل الوطني” برئاسة طوني فرنجية. في المقابل، امتنعت كتلتا “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” عن تسمية أيّ مرشّح.
لكنّ هذه الخريطة لم تعد متوافرة لأنّ التسمية حصلت قبل الانتخابات النيابية التي جرت في عام 2022 وبدّلت نتائجها موازين القوى في البرلمان اللبناني.
لمتابعة الكاتب على X: