تلازم التّرسيم وضبط الحدود (3/3)

مدة القراءة 5 د

إنّ مسألة تنفيذ الفقرة 10 من القرار 1701 والفقرة 4 من القرار 1680 الداعيتين إلى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وإيجاد حلّ لمنطقة مزارع شبعا، تشكّل موجباتٍ ملزمة في القانون الدولي لكلّ من لبنان وسوريا. يشكّل تنفيذ الفقرة الخامسة التنفيذية من القرار 1680، التي يهيب فيها مجلس الأمن بحكومة سوريا أن تتّخذ إجراءات ضدّ نقل الأسلحة إلى الأراضي اللبنانية، أيضاً موجباً ملزماً لسوريا.

 

حسب الأمين العامّ للأمم المتحدة، يبقى ترسيم الحدود، بما في ذلك منطقة مزارع شبعا، مسألة رئيسية بالنسبة لتنفيذ القرار 1701، إضافةً إلى أنّ على سوريا مسؤولية مشتركة في مراقبة حدودها مع لبنان وتنفيذ الفقرة 15 من القرار 1701. وكان قد أوصى في تقاريره بشأن تطبيق القرارين 1559 و1701 بأن تتّخذ سوريا خطوات ملموسة للعمل وفق نواياها المعلنة مع الحكومات الأوروبية في مجال تحسين أمن الحدود، وبخاصّة أنّ موجبات تنفيذه لا تقع فقط على الحكومة اللبنانية. إذ إنّ تطبيقه يتطلّب التزام الحكومة السورية بموجباتها في حماية الحدود والمعابر، علماً أنّ ضبط الحدود بشكل فعّال ما يزال في الوقت نفسه يتأثّر سلباً بعدم ترسيم الحدود أو تعليمها، وباستمرار وجود قواعد عسكرية متداخلة (للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامّة وفتح – الانتفاضة وغيرهما من التنظيمات العسكريّة) على الحدود بين البلدين.

إنّ الحكومة الانتقالية الحاليّة، التي تسلّمت الحكم بعد سقوط نظام بشّار الأسد في 8 كانون الأوّل 2024، ملزمة بتنفيذ قرارَي مجلس الأمن 1680 و1701، لناحية ترسيم الحدود اللبنانية – السورية وضبط الحدود اللبنانية – السورية، خصوصاً أنّ تنفيذهما يقع على عاتق الدولتين. إذ ليس من الممكن أن تقوم دولة بمفردها بتطبيق بنود هذين القرارين.

هذا الملفّ يهدّد تطبيق القرارات الدولية واتّفاق وقف النار المبرم بين لبنان وإسرائيل

في ما خصّ الدولة اللبنانية، أعلن قائد الجيش اللبناني في 8 أيلول 2017 انتشار الجيش على طول الحدود الشرقية، وأعلن الجيش في 22 أيلول 2017 أنّ إحدى الوحدات العسكرية قد أنهت الانتشار في قطاع جنوب الليطاني، وذلك تنفيذاً لقرار قيادة الجيش اللبناني القاضي بتعزيز انتشار الجيش على الحدود الجنوبية، وفقاً للقرار 1701.

75 ألف جنديّ لأمن الحدود مع سوريا

علاوةً على هذا المجهود الاستثنائي، وعلى الرغم من الإمكانات المتواضعة للجيش، يُثقل أمن هذه الحدود المشتركة كاهل السلطات الأمنيّة لناحية مساحتها وتضاريسها وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق. فحسب العلم العسكري، تتطلّب مساحة الكيلومتر الواحد 200 جنديّ في الحالات العاديّة. ولذا تحتّم الحدود اللبنانية السورية انتشار ما لا يقلّ عن 75 ألف جنديّ لبنانيّ، وهو ما يتعدّى قدرات الجيش اللبناني، الذي ينتشر بأعدادٍ أقلّ بكثير من المفروض، علاوة على تكلفة المواقع المستحدثة.

تجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من كلّ المهمّات الملقاة على عاتق الجيش اللبناني، يسعى جاهداً بواسطة أفواج الحدود البرّية الأربعة إلى مراقبة وضبط الحدود وإقفال كلّ الثغرات الحدودية والمعابر غير الشرعية. إلّا أنّ المعابر الشرعية تقع على عاتق المديرية العامّة للأمن العامّ، التي تقوم عناصرها بالتدقيق بهويّات العابرين والمستندات التي تخوّلهم دخول الأراضي اللبنانية، فيما تقوم عناصر مديرية الجمارك بتفتيش العتاد والمعدّات للتأكّد من قانونية إدخالها إلى لبنان ودفع الرسوم الجمركية المفروضة قانوناً.

أمّا على المستوى السوري، فقبل سقوط نظام الأسد، ومن الجهة السورية للحدود كانت توجد وحدات عسكريّة متعدّدة، من وحدات حرس حدود وأمن عسكري ووحدات الفرقة الرابعة. وخلال الأحداث الأخيرة في سوريا، انسحبت كلّ وحدات الجيش السوري من الحدود اللبنانية السورية. إنّ هذه الفجوة الأمنيّة السورية تقتضي معالجتها لسببين: الأوّل تنفيذ موجب تطبيق القرارين 1680 و1701، والثاني عدم جرّ لبنان إلى حرب التنظيمات العسكريّة أو إلى حربٍ مع هذه التنظيمات التي أغلبها ذات طابع إرهابيّ.

حسب الأمين العامّ للأمم المتحدة، يبقى ترسيم الحدود، بما في ذلك منطقة مزارع شبعا، مسألة رئيسية بالنسبة لتنفيذ القرار 1701

للتّواصل الرّسميّ بين لبنان وسوريا

إنّ التواصل الرسمي اللبناني السوري أمرٌ بغاية الأهميّة. إذ إنّ مسألة أمن الحدود ترتبط ارتباطاً وثيقاً بترسيمها، خصوصاً أنّ هذا الملفّ يهدّد تطبيق القرارات الدولية واتّفاق وقف النار المبرم بين لبنان وإسرائيل. إنّ تعيين لجنة أمنيّة مشتركة بين الحكومتين أمرٌ بغاية الأهميّة لتحمّل مسؤولية أمن الحدود والشروع في تطبيق مندرجات القرارات الدولية ذات الشأن، التي تستدعي ترسيم الحدود المشتركة وتسوية استعادة شبعا للبنانيّتها.

في حال عجز أو عدم نيّة الحكومة السوريّة الحاليّة ترسيم الحدود وضبطها وفقاً للقرارين 1680 و1701، على مجلس الأمن تحمّل مسؤوليّته، والشروع في ترسيم الحدود، كما قرّر بشأن الحدود المشتركة بين العراق والكويت، بموجب قراره 687 (1991) الذي عيّن فيه الأمين العامّ للأمم المتحدة لجنة أمميّة (UNIKBDC) كلّفها ترسيم الحدود بين الدولتين.

إقرأ أيضاً: إشكاليّة لبنانيّة مزارع شبعا في قرارات مجلس الأمن(3/2)

تجدر الإشارة إلى أنّ ملفّ ترسيم وضبط الحدود البريّة مع الدولة السورية ملفّ داهم بسبب الاستفاقة على تنفيذ القرار 1701 تحت طائلة عودة العدوان الإسرائيلي الذي يستبيح حالياً السيادة السوريّة. إلّا أنّ هناك ملفّات لا تقلّ أهميّة تتطلّب معالجتها في أسرع وقت، كملفّ عودة المهجّرين السوريين إلى ديارهم، وملفّ المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، وملفّ ترسيم الحدود البحرية اللبنانية السورية، وملفّ إعادة النظر بمعاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق لعام 1991 والاتفاقات المنبثقة عنها التي تبلغ ستّة وثلاثين اتفاقاً مبرماً.

 

* محامٍ دوليّ وأستاذ القانون الدوليّ في الجامعة اللبنانيّة.

مواضيع ذات صلة

يوم أفَلَت شمس الملالي.. في بحر بيروت!

أن تكون بيروت أقوى مرصد يتابع ويؤرّخ غروب شمس “إيران علي خامنئي”، حقيقة لن يذكرها علم الفلك، لأنّ مساحة كبرى ستُفرد لهذه الحقيقة في معاجم…

لبنان… عودة الأمل وخروج من الأسر الإيرانيّ

بانتخاب قائد الجيش جوزف عون رئيساً للجمهورية، خطا لبنان خطوة مهمّة في اتّجاه استعادة عافيته في ظلّ التوازن المختلف القائم في المنطقة، خصوصاً بعد خروج…

ولادة الجمهورية الثالثة: نهاية زمن السلاح… والطوائف

لم يجرؤ رئيس جمهورية، منذ اتفاق الطائف، وربّما منذ تأسيس لبنان، على التعهّد في خطاب القسم، بحصر السلاح بيد الدولة. كانت “المُقاومة” كلمة مُفتاحية في…

سقوط العقد الاجتماعيّ الإسرائيليّ

عانى اليهود في المجتمعات الغربية من الاضطهاد الديني. كانت فرنسا تمنع دخول اليهود إليها، وكذلك بريطانيا.   كانت هجرة يهود روسيا إلى أميركا هرباً من…