5 سنوات على اغتيال سُليماني: بداية نهاية المحور

مدة القراءة 7 د

مرّت 5 سنوات بالتّمام والكمال على اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ قاسم سُليماني. لم يكُن قرار الاغتيال عاديّاً، فقد أصابَت نيرانه محور إيران بالكامل. وليسَ من باب المُبالغة القول إنّ اغتيال سُليْماني كانَ الضّربة القاصمة الفعليّة لمحوَر إيران.

كيف تسبّب اغتيال قاسم سُليماني بانهيار نفوذ “المِحوَر”؟

 

يومَ 27 كانون الأوّل 2019، أعلَنَ الجيش الأميركيّ مقتل مُترجمٍ من أصلٍ عراقيٍّ يُدعى نورَس حميد في هجومٍ صاروخيٍّ استهدَف قاعدة K1 الأميركيّة في كركوك العراقيّة.

سُرعانَ ما توجّهَت أصابع الاتّهام نحوَ الفصائل المدعومة من إيران، والتي تعمَل بالتّنسيق مع “فيلق القُدس”، الذي كانَ يقوده الجنرال قاسم سُليْماني. فالعمليّة هذه كانت تُشبه الكثير من العمليّات التي طالت قواعدَ أميركيّة في ولاية الرّئيس الأسبَق باراك أوباما، حتّى صارَ الحديث عنها خبراً عاديّاً يمرُّ مرورَ الكِرام في نشرات الأخبار.

ما لم يعلمهُ سُليْماني والفصائل العِراقيّة أنّ مقتلَ نورس حميد سيكونُ السّبب المُباشِر للانتكاسة الكُبرى، التي ستتعرّضُ لها إيران على مرّ السّنوات الـ5 التي تلَت اغتيال قاسم سُليماني.

بدايةُ تغيير الشّرق الأوسط

لم تمضِ سوى أيّام قليلة على الهجوم حتّى اتّخذَ الرّئيس دونالد ترامب القرار: “اقتلوا قاسم سُليْمانيّ”. وفجرَ 3 كانون الثّاني 2020، وبعدما وصَلَ سُليْماني إلى مطار بغداد الدّوليّ آتياً من العاصمة السّوريّة دِمشق، استهدَفت طائرةٌ من دون طيّار أميركيّة سيّارة يستقلّها برفقة نائب رئيس هيئة الحشد الشّعبيّ أبي مهدي المُهندِس.

اليومَ، في الذّكرى الخامسة للاغتيال، باتَ يمكِن قراءة النّتائج وتداعيات اغتيال قاسم سُليْماني على محورِ الممانعة. فالهجوم الذي أشرفَ عليه ترامب لدقائقَ قليلة أثناء اجتماعٍ مع حملته الانتخابية في Mar-a-Lago، بحسب ما يذكر صهره جاريد كوشنر في مُذكّراته، كانَ بداية التغيير لوجهِ الشّرق الأوسط.

باتَ “الحزبُ” اليومَ من دونِ سُليماني ولا نصرالله ولا بشّار الأسد، فباتت إعادة بناء القدرة محدودةً بشكلٍ غير مسبوق

صحيحٌ هو الادّعاء بأنّ أيّ شخصيّة ترحلُ أو تُقتَلُ يُمكنُ إيجادُ بديلٍ لها، لكنّ الصّحيحَ أيضاً أن ليسَت كلّ الشّخصيّات تُعوّض، خصوصاً إذا ما كانت استثنائيّة مثلَ سُليْماني تماماً. فقد تختلفُ الآراء حوْلَ الخانةِ التي يُصنّفُ فيها الرّجل، لكنّها لن تختلف إذا ما تحدّثت عن استثنائيّة شخصيّتهِ.

سليماني

قرار المُرشد الإيراني علي خامنئي تعيينَ الجنرال إسماعيل قاآني لم يُؤتِ ثماره أبداً. فسليْماني كانَ، على عكسِ خليفته، مُمسكاً بقرار وقيادة أذرع إيران من غزّة إلى صنعاء مروراً ببيروت ودِمشق وبغداد. أمّا قاآني ففشلَ بهذه المُهمّة بما لا يقبل الشّك. وهذا ما أدّى إلى تدخّل الأمين العام لـ”الحزبِ” الرّاحل حسن نصرالله لقيادةِ الأذرع على امتداد خريطة الشّرق الأوسط. لكنّ هذا القرار كانَ واحداً من الأسبابِ التي أدّت إلى اغتياله يومَ السّابع والعشرين من شهر أيلول الماضي.

بعض نتائج الاغتيال

كثيرةٌ هي نتائج اغتيال سُليْماني على إيران ومحورها، لكنّ قراءة واقع إيران والمحور اليوم تقود إلى استخلاص الكثير من هذه النّتائج:

1- يعود فشل تطبيق نظريّة “وحدة السّاحات” بعد عمليّة “طوفان الأقصى” إلى أنّ مُهندسها سُليْماني لم يكن على قيدِ الحياة ليقودها. وهذا يُفسّر التّخبّط الذي أصابَ “محور المُمانعة” منذ اللحظة التي قرّرَ فيها يحيى السّنوار الهجوم على “غلاف غزّة”. وكانت أولى الخطوات التي أصابت “وحدة السّاحات” بمقتلٍ، هي “اللامركزيّة في اتّخاذ القرار”، إذ تُرِكَ لكلّ جبهةٍ تقويم وضعها لتُقرّر الدّخول في المعركة من عدمهِ، وكيفيّة وتوقيت وحجم هذا التدخّل.

بمقارنةٍ سريعة للمعاركِ التي خاضتها إيران عبر أذرعها بقيادة قاسم سُليماني في المنطقة بين 2015 و2020، يُمكنُ الاستخلاص أنّ الرّجلَ كانَ يُفضّلُ القرار الواحدَ و”مركزيّته” بيدهِ كقائد لـ”فيلق القدس” الذي تنضوي تحته كلّ هذه الفصائل على اختلاف جنسيّاتها.

بعد حربِ تمّوز 2006 لعِبَ سُليْماني دوراً محوريّاً في تطوير وتسليحِ “الحزبِ”، ليتحوّلَ من فصيلٍ مُسلّحٍ إلى تنظيم

2- كان سُليْماني ذا شخصيّة استثنائيّة خوّلته السّيطرة على الفصائل “المُشاغبة” تحتَ عباءة إيران، مثل الفصائل العراقيّة وميليشيات الحوثي اليمنيّة. ولهذا لم تستطع هذه الفصائل أن تتّخذَ قراراً مُستقلّاً في عهدِه. فكانَ يستطيع بذلكَ أن يُحافظَ على مصالح إيران من دون أن تتعارَضَ مع تحرّكات الأذرع. وليسَ تفصيلاً القول إنّ إيران وقعت في المأزقٍ بسبب قرارات اتّخذتها أذرعها من دون التّشاور معها.

3- كانَت العلاقة الوطيدة والقديمة التي جمَعَت نصرالله بسليْماني كفيلة بتجانُسِ العمل بينهما وترك الهامش الأوسع لسليْماني في اتّخاذ القرارات. إذ إنّ قائد “فيلق القدس” السّابق كانَ مُلمّاً بتعقيدات الدّاخل اللبنانيّ، وفي الوقت عينه يفهم ما يدور في عقلِ خامنئي. وهذا ما سهّل عليه اتّخاذُ القرارات مع قيادة “الحزبِ”.

دور سليماني كان استثنائيّاً

4- لَعبَ قاسم سُليْماني في سوريا دوراً أساسيّاً في حماية نظام الأسد من السّقوط. إذ يُنسَبُ إليهِ أنّه صاحبُ نظريّة “روسيا في السّماء” و”إيران وأذرعها على الأرض”. فأظهرَ استثناءً في تنسيقِ الجهودِ وتقاطع المصالح بين روسيا الأرثوذكسيّة والفصائل الشّيعيّة المُتعدّدة الجنسيّات على أراضي سوريا العربيّة ذات الغالبيّة السّنيّة.

هذه الجهودُ التي بذلها سُليْماني مع روسيا، وفي قيادة معارك حلب وتدمر والبادية وريف حماة الشّمالي وريف اللاذقيّة وصولاً إلى البوكمال ودير الزّور، لم تُكن موجودةً خلال المرحلة الأخيرة، فانهار النّظام السّوريّ وفرّ رئيسه بشّار الأسد إلى موسكو.

هذا لا يعني أنّه لو كانَ سليْماني على قيدِ الحياة لنجحَ الأسد في صدّ هجوم المُعارضة. لكنّ الواضحَ أنّ إيران لم تستطِع أن تأتي بشخصيّة قادرة على تنظيم الجهود بين حلفاء الأسد لإنقاذه.

باتَ “الحزبُ” اليومَ من دونِ سُليماني ولا نصرالله ولا بشّار الأسد، فباتت إعادة بناء القدرة محدودةً بشكلٍ غير مسبوق

5- بعد حربِ تمّوز 2006 لعِبَ سُليْماني دوراً محوريّاً في تطوير وتسليحِ “الحزبِ”، ليتحوّلَ من فصيلٍ مُسلّحٍ إلى تنظيم بقدرات لا تملكها بعضُ الجيوش النّظاميّة. لكنّ الوضع اليوم مُختلفٌ عن 2006. إذ ليسَ هناك سُليْماني جديد ليُشرف على إعادة تسليح وبناء قدرات “الحزبِ” بعد الضّربات التي تلقّاها في الحربِ الإسرائيليّة الأخيرة.

كما أنّ سقوط نظام الأسد جعَلَ من هذه المُهمّة أكثر صعوبة، إن لم نقل شبهَ مستحيلة. فطريق البوكمال التي قادَ سُليماني شخصيّاً معاركَ فتحها في 2016 لم تعد سالكةً البتّة. وباتَ “الحزبُ” اليومَ من دونِ سُليماني ولا نصرالله ولا بشّار الأسد، فباتت إعادة بناء القدرة محدودةً بشكلٍ غير مسبوق.

إقرأ أيضاً: خيار “الحزب” وإيران… الارتداد على الدّاخل اللّبنانيّ؟

هكذا تدحرجَ نفوذ إيران ومحورها منذ اغتيال قاسم سليْماني. وهكذا أدّت “اللامركزيّة” التي طغت على قرارات الفصائل إلى وضعِ إيران في موقفٍ هو الأصعب منذ قيام الجمهوريّة الإسلاميّة على يدِ روحِ الله الخُمينيّ. ومنذ ذلكَ الهجوم الذي طال قاعدة K1، كانَ “فيلق القدس” قد ختمَ وثيقة وفاةِ قائدِهِ سُليْماني ومعه نفوذ إيران من البحر المُتوسّط إلى البحر الأحمر.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@IbrahimRihan2

مواضيع ذات صلة

جوزاف عون في القصر: تفاصيل “الصفقة” مع الثنائي

بعد أكثر من 26 شهراً من الشغور، صار للبنان رئيس للجمهورية، هو العماد جوزاف عون. هو الرئيس الـ14 للجمهورية المهترئة المتصدّعة والعديد من قراها مدمّرة…

جوزف عون رئيساً للجمهوريّة؟

فعلت الضغوط الدولية فعلها: جوزف عون رئيساً للجمهورية… بعدما تعثّر مشروع انتخاب جهاد أزعور في اللحظات الأخيرة، وهو ما أعاده إلى صفوف المرشّحين، لترتفع من…

جهاد أزعور… رئيس ربع الساعة الأخير؟

الأرجح أنّها أكثر الجلسات الانتخابية، غرابة. في ظروفها المتقلّبة بفعل انقلابات الخارج والداخل. في تعقيداتها التي استعصت على دول القرار في حلّها وتفكيكها. في خواتيمها…

برّي: لا إرجاء للجلسة ما لم تطلبه علناً كتل وازنة

لا سابقة لما ستشهده جلسة انتخاب الرئيس الخميس. موعدها ومكانها معروفان، والنوّاب سيحضرون جميعاً ومعروفون. أمّا غير المعروف، فهو أنّها جلسة بلا مرشّحين. ليس في…