لا سابقة لما ستشهده جلسة انتخاب الرئيس الخميس. موعدها ومكانها معروفان، والنوّاب سيحضرون جميعاً ومعروفون. أمّا غير المعروف، فهو أنّها جلسة بلا مرشّحين. ليس في تاريخ انتخابات الرئاسة اللبنانية منذ عام 1926 إلى عام 2016، أن التأم البرلمان من دون أن يُعرف من هم المرشّحون المعلنون والمرشّحون المحتملون. لا تنصّ المادّة 49 في الدستور على الترشّح المسبق المُلزم، بيد أنّ المعتاد أن يكون ثمّة مرشّحون معلنون وآخرون متداولة أسماؤهم. ما إن ينعقد المجلس يصبح النوّاب جميعهم تحت قبّته كي يقترعوا للمعلن منهم أو المتوافق عليه سلفاً. لجلسة الخميس مرشّحون معلنون ليسوا في جدول أعمال الاقتراع لأيّ منهم، اختفوا وراء أسماء متداولة، كما أنّ هؤلاء ألغوا أولئك. لكنّ في الجلسة خمسة أسماء هم الأكثر تداولاً ليس بينهم مَن جهر بترشّحه، لكنّهم يتصرّفون كمرشّحين معلنين، ويدور السجال والجدل حول أيّ منهم الأصلح من دون أن يقول إنّه مرشّح.
إن شاء الله في رئيس
تلك هي معضلة جلسة الخميس، إذ تجعلها في مهبّ الإخفاق. القاطع أنّها ستلتئم بنصاب موصوف كامل دونما التكهّن إلّا بمسار الدورة الأولى من الاقتراع. ما سمعه زوّار رئيس البرلمان نبيه برّي أنّه لن يرفع الجلسة ويحدّد موعداً لاحقاً لها ما لم تطلب منه أكثر من كتلة وازنة التأجيل. في الموازاة يقول بتفاؤل: “إن شاء الله في رئيس”.
يضيف أنّ تعذّر الانتخاب في الدورة الأولى من الاقتراع سيحمله على الانتقال إلى دورة ثانية من دون إقفال المحضر، وهو ما يبقي المجلس في انعقاد مفتوح في الأيّام الأوّل والثاني والثالث والرابع، و”لو حتى منتصف الليل وليتحمّل المعطّلون والمتغيّبون المسؤولية”.
عندما يبالغ برّي في تفاؤله يقول: “سأقسِّم الرئيس المنتخب اليمين الدستورية بنفسي”.
رئيس المجلس: لن أقفل المحضر وليتحمّل المعطّلون المسؤوليّة
يقول أيضاً: “دعوت 73 سفيراً وسفيرة إلى الجلسة، وهذا سبب كافٍ للتعامل معها بجدّية. لو أصغوا إليّ قبلاً وتوافقنا على اسم الرئيس لما وصلنا إلى المشكلة الحاليّة”.
في جلسة انتخاب الرئيس ميشال سليمان عام 2008 والرئيس ميشال عون عام 2016، دُمجت جلسة الانتخاب وجلسة أداء اليمين في واحدة. انتظر سليمان في مكان قريب من ساحة النجمة يراقب وقائع انتخابه على الشاشات إلى أن حضر برّي على أثرها وصحبه إلى القاعة لأداء اليمين. اختلف الأمر مع عون كونه نائباً ممّن اقترعوا في القاعة. فقد صعد بعد فوزه وإعلان انتخابه إلى المنصّة وأدّى اليمين. أيّ رئيس يُفترض انتخابه من غير النوّاب يقتضي اصطحاب رئيس المجلس له.
موانع وصول قائد الجيش
جلسة الخميس ليس لها أن تُقدم على ما لا تعرف مآله: دورة أولى بنصاب الثلثين على الأقّل، والمرشّح لها غير معروف على الرغم من الاعتقاد أنّ الحصان الوحيد هو قائد الجيش العماد جوزف عون، من دون أن يحظى بأيّ تأييد علني له إلّا من كتلة وليد جنبلاط والكتائب وميشال معوض ومن معه. أمّا الدورات التالية فيصعب التأكّد من وصولها إلى نتيجة إيجابية حيال المرشّحين الأربعة الباقين المحاصرين بفيتوات شتّى تجعل من المتعذّر على أيّ منهم الوصول إلى نصاب النصف زائداً واحداً (65 صوتاً). ذلك ما يجعل الجلسة غير مسبوقة.
أمّا السبب المضاف لوصفها بأنّها غير مسبوقة، فلخّصته استنتاجات جولة الموفد السعودي والمبعوث الأميركي بأنّ كشفت صعوبة انتخاب قائد الجيش حتى الآن على الأقلّ.
جلسة الخميس: نصاب كامل مع دورة أولى ثمّ لا أحد يعرف ماذا بعد
1 ـ على الرغم من أنّ إعلان “الحزب” بلسان رئيس وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا أن لا فيتو على عون لم يعنِ بالضرورة أنّه يؤيّده، لم يخرج الموفد السعودي وكذلك الأميركي. بانطباع إيجابي عن موقف رئيس المجلس الذي كرّر العقبة الدستورية في طريق قائد الجيش. لأيّام خلت قال برّي أمام زوّاره عندما سئل عن ترشيح عون: “ليحُزْ 86 صوتاً فنبارك له”. علامة سلبية كافية لموقف المفاوض الشيعي.
2 ـ لم يكن موقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أفضل حالاً.
أورد جعجع بضعة مآخذ لا تشجّعه على تأييده، منها:
ـ يصعب التعاطي معه بدليل أنّ حزب القوات اللبنانية تولّى مرّتين على التوالي اقتراح تمديد بقائه في قيادة الجيش وتأخير تسريحه، فلم يبدر منه أيّ شكر أو امتنان أو حتى مكالمة هاتفية.
ـ يحيط نفسه بمعاونين جميعهم مناوئون لحزب القوات اللبنانية، وهو ما يُصعّب التعاون معه لاحقاً في حال أضحى رئيساً.
ـ لا برنامج سياسياً ولا أفكار معروفة عنه في الحكم والدولة. أوفد إليه جعجع أكثر من مرّة رسلاً لاستطلاع آرائه، فعادوا بلا أجوبة.