تركيا في المياه السورية: نفط البحر… وقواعد عسكرية

مدة القراءة 6 د

تعتزمُ الحكومة التّركيّة البدء بمفاوضات مع القيادة السّوريّة الجديدة لترسيم الحدود البحريّة بين البلديْن. تُريد أنقرة أن توسِّعَ حصّتها في منطقة شرق البحر المُتوسّط، وذلكَ بعدما أنجَزَت اتّفاقاً مُماثلاً مع حكومة طرابلس في ليبيا عام 2019.

الاتّفاقيّة التي تسعى لها تُركيا ستُعزّز من نفوذها وصلاحيّاتها لاستكشاف النّفط والغاز الطّبيعيّ في حوض البحر الأبيض المُتوسّط. لكنّ خطوة كهذه ستزيدُ أيضاً من حدّة المُنافسة بين تركيا واليونان، ومعها قبرص وفرنسا من بعيد.

فلماذا تُريد تركيا المُزاحمة في مياه المُتوسّط؟ وما قصّة القاعدتين العسكريتين التركيتين في دمشق وحمص؟

 

 

ليسَ سِرّاً أنّ لدى تركيا اهتماماً خاصّاً بتوسعة نفوذها في حوضِ البحر الأبيض المُتوسّط. وليسَ سِرّاً أيضاً أنّ ملفّ الطّاقة وخطوط النّفط والغاز كانا من أبرز العوامل التي جعلت أنقرة في طليعة القوى الدّاعمة للثّورة السّوريّة ضدّ نِظام بشّار الأسد.

تعتزمُ الحكومة التّركيّة البدء بمفاوضات مع القيادة السّوريّة الجديدة لترسيم الحدود البحريّة بين البلديْن

قبل أيّام أعلَنَ وزير الطّاقة التّركيّ ألب أرسلان بيرقدار أنّ بلاده تعتزِم تزويد سوريا بالطّاقة الكهربائيّة وتعزيز بنيتها التّحتيّة في مجال الطّاقة، وأنّ أنقرة ستبدأ محادثات مع القيادة السّوريّة الجديدة تتعلّق بملفّات النّفط والغاز.

بعد بيرقدار تحدّث وزير النّقل عبدالقادر أورال أوغلو الذي قال إنّ بلاده تعتزم بدء مفاوضات مع سوريا لترسيمِ الحدودِ البحريّة في البحر الأبيض المتوسط، مضيفاً أنّ أيّ اتّفاق بشأن استكشاف الطّاقة في المتوسّط مع سوريا “سيكون متوافقاً مع القانون الدولي”.

مصدر أمني تركي: المفاوضات بدأت

يقول مصدرٌ أمنيٌّ تُركيٌّ لـ”أساس” إنّ مُحادثات جرت بين رئيس الاستخبارات التّركيّة إبراهيم كالن ومسؤول الملفّ السّوريّ في الاستخبارات “أبو سعيد”، مع قائد العمليّات العسكريّة في سوريا أحمد الشّرع قبل 3 أسابيع، ركّزت في قسمٌ مهمّ منها على قِطاع الطّاقة وضرورة ترسيم الحدود البحريّة بين سوريا وتركيا تحت سقف معاهدة “قانون البحار”، التي لم تُوقّع عليها تركيا ولا سوريا.

تُريد أنقرة أن توسِّعَ حصّتها في منطقة شرق البحر المُتوسّط، وذلكَ بعدما أنجَزَت اتّفاقاً مُماثلاً مع حكومة طرابلس في ليبيا عام 2

حضرَ أيضاً ملفّ الطّاقة خلال زيارة وزير الخارجيّة التّركيّ حقّان فيدان لدمشق، التي أبلغَ فيها فيدان أحمد الشّرع أنّ وفوداً مختصّة في مجالات الطّاقة والنّقل والجيش وترسيم الحدود ستزور دمشق في المُستقبل القريب لبحث الآتي:

  • احتياجات سوريا لاستجرار الطّاقة من تركيا، واحتياجات المعامل السّوريّة لإنتاج الكهرباء. وفي هذا الإطار تسعى أنقرة لدخول شركات تركيّة على خطّ إصلاح وتطوير قطاع الكهرباء السّوريّ.
  • الكشفُ على مطارَيْ دِمشق وحلب الدّوليَّيْن وبحث إمكانيّة تطويرهما وتطوير الأسطول الجوّي المدني السّوريّ لتوسعة رقعة الرّحلات الدّوليّة من وإلى سوريا خلال السّنوات المُقبلة.
  • البحث في مشاريع النّقل بين تركيا وسوريا. وعلى وجه الخصوص إنشاء سكّة حديديّة تربط تركيا بمدن حلب وحماة ودمشق، وبالسّاحل السّوريّ حتّى طرطوس، ومستقبلاً إلى العاصمة اللبنانيّة بيروت، لأغراض التّجارة والسّياحة.
  • الاطّلاع على أوضاع المعابر الحدوديّة السّوريّة مع لبنان والعراق وتطوير آليّات الدّخول والخروج والتّفتيش انطلاقاً من التّجربة التّركيّة مع المعارضة السّوريّة في إدارة معبر باب الهوى الحدوديّ مع تركيا.
  • استكشاف إمكانيّة إنشاء قاعدتيْن عسكريّتيْن للجيش التّركيّ في منطقتَيْ دمشق وحمص.
  • والأهمّ البدء برسم إطارٍ لمفاوضات ترسيم الحدود البحريّة بين دمشق وأنقرة.

الاتّفاقيّة التي تسعى لها تُركيا ستُعزّز من نفوذها وصلاحيّاتها لاستكشاف النّفط والغاز الطّبيعيّ في حوض البحر الأبيض المُتوسّط

تركيا لليونان وفرنسا: “كشّ ملك”

تعتبر تركيا أنّ ترسيم الحدود البحريّة مع سوريا ذو أهميّة استراتيجيّة. خصوصاً مع انحسار النّفوذ الروسيّ والإيرانيّ في منطقة السّاحل السّوريّ بعد سقوط نظام الأسد. ولهذا يقرأ الأتراك في تحرّك بعض المناطق العلويّة المحسوبة على النّظام محاولات إيرانيّة وروسيّة لفصل المناطق العلويّة عن سائر المناطق السّوريّة.

ترى تركيا أنّه باتَ لدى إيران وروسيا مصلحة اليوم في تقسيم سوريا وإنشاء منطقة ذات سلطة علويّة في السّاحل السّوري. لأنّ نشوء منطقة حكم علويّ يعني عودة نفوذ طهران وموسكو إلى سوريا وقطع الطّريق أمام مشروع تركيا لتعزيز نفوذها في دول حوض البحر الأبيض المتوسّط.

تخشى أنقرة أيضاً من تدخّل اليونان وقبرص ومعهما فرنسا في هذا الاتّجاه، خصوصاً أنّ الدّول الـ3 المذكورة تدعم “قوّات سوريا الدّيمقراطيّة” ذات الغالبيّة الكُرديّة لإنشاء منطقة حكم ذاتيّ شمال سوريا، وهذا ما لن تقبل به أنقرة مهما كان الثّمن، بحسب ما يقول المصدر لـ”أساس”.

تعتبر تركيا أنّ ترسيم الحدود البحريّة مع سوريا ذو أهميّة استراتيجيّة. خصوصاً مع انحسار النّفوذ الروسيّ والإيرانيّ في منطقة السّاحل السّوريّ بعد سقوط نظام الأسد

  • يرى الأتراك أنّ ترسيم الحدود البحريّة مع القيادة السّوريّة الجديدة يتيحُ لأنقرة قطع الطّريق بشكلٍ نهائيّ أمام اليونان، وهو ما يُخرجُ أثينا من معادلة الحوض الشّرقيّ للبحر المُتوسّط.
  • يتيحُ الاتّفاق لتركيا إمكانيّة تحريك المفاوضات مع مصر، إذ إنّ أنقرة اليوم ليست بوارد الاصطدام مع القاهرة، بل تسعى إلى التفاهُم معها. وتعتبر تركيا أنّ أيّ اتّفاقٍ لترسيم الحدود البحريّة مع مصر يُعطي القاهرة 18 ألف كيلومتر مربّع أكثر ممّا يعرضهُ الاتحاد الأوروبيّ مُمثّلاً باليونان وقبرص ومعهما فرنسا.
  • تعتبر أنقرة أنّ إنجازَ اتّفاقِ ترسيمٍ مع سوريا سيدفع لبنان لبدء مفاوضات لترسيم حدوده البحريّة الشّماليّة، وبالتّالي تستفيد بيروت من ترتيبات هذه الاتّفاقيّة لجهة التّنقيب عن النّفط والغازِ بعيداً عن الحدود البحريّة الجنوبيّة حيثُ التّوتّر مع إسرائيل.

إقرأ أيضاً: الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

أزعجَ الحِراك التّركيّ نحوَ ترسيم الحدود البحريّة مع سوريا اليونان وقبرص، فسارعَت الحكومة اليونانيّة للتّصريح أنّ أيّ اتّفاقيّة بين أنقرة والقيادة السّوريّة الجديدة ستكون غير رسميّة وغير مُلزِمة لأحد لأنّ السّلطة الحاليّة في دمشق انتقاليّة. لكن على الرّغم من الانزعاج الأوروبيّ، يبدو أنّ تركيا ماضية في تحقيق حلمها على “رقعة شطرنج حوض المُتوسّط”. وبالتّالي ستحرّكُ أنقرة “بيادقها” على كلّ رقعةٍ تجدُ فرصةً فيها لتقول للنّفوذ اليوناني – القبرصيّ في مياه المُتوسّط: “كشّ ملك”.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@IbrahimRihan2

مواضيع ذات صلة

الحزب رمّم تنظيمه.. وجاهز للرئاسة.. وفتح خطوطاً سوريةً

واجه الحزب في الشهرين الماضيين تطوّرات خطيرة كانت يمكن أن تؤدّي إلى انهياره وتفكيكه. بدأت هذه التطوّرات بالعدوان الإسرائيلي على قياداته وكوادره، وبالتدمير الذي لحق…

الرّئاسة عالقة في المتاهة… وترشيح جعجع يعقّدها

على مسافة أقلّ من أسبوع على موعد الجلسة الـ13 الانتخابية، تجمع القوى السياسية اللبنانية على استنتاج واحد: إنّها الفوضى الكاملة! كثير من المداولات والمشاورات وعجقة…

لبنان 2025: إيران تخرج… السّعوديّة تدخل

يفتتح عام 2025 مرحلة جديدة يدخل فيها لبنان مقفلاً خلفه سنوات مضت من الأزمات المتلاحقة. فاتحة العام الجديد ستكون سعوديّة بامتياز. فبعد انقطاع دام منذ…

هل يدعم باسيل خَصمه جعجع للرّئاسة؟

لا تشير زحمة الموفدين الدوليّين في مرحلة الأعياد إلى قرب حصول انفراجات على مستوى الوضع جنوباً ولا على مستوى الملفّ الرئاسي. لا يزال الغموض يسيطر…