فرنسا 2024: هل يسقط ماكرون قبل انتهاء ولايته؟

مدة القراءة 7 د

تميّز عام 2024 الفرنسيّ بزلزال سياسيّ وإنجازين. في منتصف العام أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون حلّ الجمعيّة الوطنيّة محدثاً زلزالاً سياسياً ستستمرّ تداعياته في عام 2025، وربّما بعده. وفي منتصف العام أيضاً كان الحدث العالميّ في باريس التي استضافت الألعاب الاولمبيّة ونظّمت حفل افتتاح تاريخيّاً. كما شهدت نهاية العام إعادة افتتاح كاتدرائية “نوتردام دو باري” التي التهمت النيران قسماً منها قبل خمس سنوات.

في 10 حزيران 2024 خرج إيمانويل ماكرون على الفرنسيين بخطاب قصير أعلن فيه حلّ الجمعيّة الوطنيّة، محدّداً يومَي 30 حزيران و7 تموز موعداً لانتخاب جمعيّة وطنيّة جديدة. فاجأ القرار الفرنسيين وصدمهم. ليست المرّة الأولى التي يُقدم فيها رئيس فرنسيّ على حلّ الجمعيّة الوطنيّة، وهي صلاحية يعطيها له الدستور. بيد أنّ قرار ماكرون كان مختلفاً عن أسلافه لأنّ قراره أحدث أزمة سياسيّة في البلاد تحوّلت سريعاً إلى أزمة حُكم، هي الأولى من نوعها في الجمهوريّة الخامسة.

بعد فرز الأصوات في الدورة الثانية، اكتشف الفرنسيون أنّ الانتخابات أفرزت برلماناً من دون غالبيّة، سيُدخل الديمقراطيّة الفرنسيّة في أزمة. كما أفرزت موازين قوى جديدة في البلاد. وبرز فيها تقدّم التطرّف على الاعتدال، في اليمين كما في اليسار.

في 10 حزيران 2024 خرج إيمانويل ماكرون على الفرنسيين بخطاب قصير أعلن فيه حلّ الجمعيّة الوطنيّة

أزمة اختيار رئيس حكومة

استغلّ ماكرون استضافة فرنسا للألعاب الأولمبيّة ليؤجّل استحقاق اختيار رئيس جديد للحكومة. أراد كسب الوقت للعمل على تقسيم “الجبهة الشعبيّة الجديدة” التي تشكّلت في اليسار بقيادة “فرنسا الأبيّة”. بعدما حصلت على أكبر كتلة نيابيّة وراحت تطالب برئاسة الحكومة. ومارست على الرئيس ضغوطات وصلت إلى حدّ المطالبة باستقالته. كما اتّهمته باختطاف نتائج الانتخابات من الفرنسيين.

لكنّ ماكرون قاوم متسلّحاً بالدستور الذي يعطيه صلاحية اختيار “الوزير الأوّل” وحده من دون شراكة أحد. وبعد مرور شهرين عيّن اليمينيّ ميشال بارنييه.

بعد ثلاثة أسابيع شكّل بارنييه حكومته التي لن تصمد ثلاثة أشهر. سقطت بضربات التطرّف من اليمين واليسار. حين تقدّم التجمّع الوطنيّ و”فرنسا الأبيّة” بطرح الثقة بالحكومة. للمرّة الأولى يتّفق التطرّفان على شيء، فأسقطا الحكومة، وظهر للفرنسيين أنّ أزمة البلاد السياسيّة هي في الواقع أزمة حكم.

بايرو في ماتينيون

بعد أيّام على سقوط حكومة بارنييه اختار ماكرون فرانسوا بايرو رئيساً للحكومة. فالرجل كان داعمه الأوّل منذ ولايته الأولى، ويأمل أن ينقذ ما بقي من ولايته الثانية فينقذ البلاد من أزمة حكم!

بيد أنّ حكومة بايرو جاءت نسخة منقّحة عن حكومة سلفه. فقد أعيد تعيين 19 وزيراً من الحكومة التي أُسقطت. وهو ما يضع الحكومة الفرنسيّة الثالثة التي تشكّلت خلال عام 2024، في دائرة خطر السقوط بضربات التطرّفين أيضاً. خاصّة أنّ بايرو فشل في إقناع اليسار الاشتراكي بالمشاركة في الحكومة لتحصينها من السقوط.

بالتالي فإنّ أزمة الحكم في فرنسا مستمرّة في عام 2025. وتترافق مع تراجع شعبيّة الرئيس إلى ما دون 21% بخسارته 6 نقاط خلال العام المنتهي. وهي نسبة غير مسبوقة لرئيس فرنسيّ. كما تترافق مع تراجع تصنيف فرنسا الائتماني من نسبة “AA2” إلى “AA3″، بحسب شركة موديز.

استغلّ ماكرون استضافة فرنسا للألعاب الأولمبيّة ليؤجّل استحقاق اختيار رئيس جديد للحكومة

تراجع في الدّور العالميّ

على المستوى الخارجيّ استمرّ تراجع فرنسا حول العالم في 2024. بعد أزمة النيجر وخروج جيشها المذلّ من المستعمرة السابقة، تكون فرنسا قد خسرت آخر نفوذ لها في الساحل الإفريقيّ. تفوق خسارة النيجر خسارة مالي وتشاد قبلها. لأنّ البلاد غنيّة باليورانيوم الذي تحتاج إليه فرنسا لتشغيل مفاعلها النوويّ لإنتاج الطاقة الكهربائيّة.

أكدّت أحداث الشرق الأوسط أيضاً تراجع دور فرنسا في الإقليم. عجز ماكرون عن إحداث أيّ تأثير على حرب غزّة على الرغم من تصريحاته المتكرّرة عن ضرورة وقف النار وتحرير الرهائن وإيصال المساعدات الى الغزّيين…

كما عجز عن إيقاف تمدّد الحرب إلى لبنان. فهو من جهة لم يستطع إقناع الحزب بوقف حرب الإسناد، ومن جهة أخرى لم يستطع إقناع إسرائيل بعدم الانقضاض عليه. وبعد اندلاع الحرب سقط الاقتراح الفرنسيّ – الأميركيّ لوقف إطلاق النار بالضربات الإسرائيليّة والخبث الأميركيّ. ولم يسمح رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو بمشاركة فرنسا في وقف مشروع إطلاق النار بين إسرائيل والحزب إلا بعد تهديد الإليزيه بتنفيذ مذكّرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدوليّة بحقّ نتنياهو ووزير دفاعه السابق يؤاف غالانت. عندها عقد نتنياهو صفقة مع ماكرون: المشاركة في وقف النار مقابل وقف تنفيذ المذكّرة.

أزمة الحكم في فرنسا مستمرّة في عام 2025. وتترافق مع تراجع شعبيّة الرئيس إلى ما دون 21% بخسارته 6 نقاط خلال العام المنتهي

افتتاح تاريخيّ للألعاب الأولمبيّة

في موازاة الزلزال السياسيّ شهدت فرنسا حدثين تاريخيَّين في عام 2024.

  • الأوّل هو استضافة الألعاب الأولمبيّة بعد مئة عام على استضافتها (1924). في 26 تمّوز تابع العالم بأسره حفل افتتاح تاريخيّاً لهذه الألعاب. للمرّة الأولى أقيم الافتتاح خارج الملاعب. امتدّ على طول نهر السين الذي يجتاز العاصمة باريس. في تلك الليلة تلألأت مدينة الأنوار عالمياً. قدّم خلالها المنظّمون والفرق المشاركة لوحات رائعة. اختُتمت بإطلالة استثنائيّة للمغنيّة الكنديّة سيلين ديون من الطابق الثاني لبرج إيفل.

على الرغم من تألّقه وجماله لم يسلم حفل الافتتاح من انتقادات عمّت العالم. فقد شوّهته لوحة مثّلت العشاء السرّي ليسوع المسيح مع تلاميذه. لوحة اختلطت فيها الإباحيّة بالمثليّة. جرحت شعور مئات ملايين المسيحيين حول العالم. واستاء منها مئات الملايين من غير المسيحيين. وهو ما اضطرّ المنظّمين إلى تقديم الاعتذار.

عودة الكاتدرائيّة التّاريخيّة

  • الإنجاز الثاني هو إعادة فتح كاتدرائية باريس. قبل خمس سنوات ونصف احترقت القلوب ودمعت العيون عند رؤية النار تلتهم قبّتها. حدث ذلك في 15 نيسان 2019. حينها كان الفرنسيون والعالم في الحجر الذي فرضته جائحة كورونا.

بعد أيّام أطلقت الدولة الفرنسيّة حملة جمع تبرّعات وورشة ترميم الكاتدرائية. وأطلق ماكرون وعداً بانتهاء الأعمال خلال خمس سنوات. وبالفعل انتهت أعمال الترميم قبل نهاية عام 2024. وربّما هو الوعد الوحيد الذي أنجزه للفرنسيين.

في 29 تشرين الثاني وقف ماكرون في منتصف الكاتدرائية يحيط به الـ2,000 عامل الذين قاموا بأعمال الترميم التي وصفها بـ”ورشة القرن”. ألقى خطاباً شكر فيه الـ340 ألف متبرّع الذين بينهم 300 ألف من صغار المتبرّعين. كما أعلن أنّ الحملة جمعت 846 مليون يورو وبلغت كلفة الترميم 700 مليون.

إقرأ أيضاً: ترامب جديد… وشرق أوسط أجدّ

في 7 و8 كانون الأوّل كان الاحتفال الرسميّ بإعادة فتح أبواب الكاتدرائية لاستقبال الزوّار. كان احتفالاً تاريخياً يليق بالكاتدرائيّة التاريخيّة. حضره ملوك وأمراء ورؤساء دول، إضافة طبعاً إلى بطاركة (بينهم البطريرك الماروني بشارة الراعي) وكرادلة وأساقفة.

فرحة ماكرون كانت عارمة. لكنّ عينيه كشفتا ما ينتظر فرنسا في عام 2025 من أزمة حكم ربّما ستتحوّل إلى أزمة نظام تطيح به قبل 2027.

لمتابعة الكاتب على X:

@Fadi_ahmar

مواضيع ذات صلة

هذا هو الرّئيس!

رحم الله سجعان قزّي. أروع من رصّع صورة رئيس الجمهورية، حين وضعَ على لسان بشير الجميّل في خطاب أنطلياس الشهير في تشرين الثاني 1981، هذه…

جورج خوري: تقاطع المستعصين

صعد في الأيام الأخيرة المدير السابق للمخابرات والسفير السابق في الفاتيكان العميد جورج خوري كأحد الأسماء المرشّحة بقوّة لانتخابات الرئاسة. لم يكن في صدارتها في…

2025: ترامب العائد.. يربك أميركا والعالم

إنّه عام يشبه انتخابات أميركا الرئاسية، التي كلّ شيء فيها وارد. فقد شهد هذا العام أكبر عودة في التاريخ السياسي لرئيس بعدما وصل طالعه السياسي…

لبنان في حاجة إلى رئيس من “خارج الصندوق”

تغيّر الوضع الإقليمي ولم يتغيّر اللبنانيون بعد. ما زالت الطبقة السياسيّة ترفض أخذ العلم بالواقع الإقليمي الجديد الذي ولد من رحم “طوفان الأقصى”، وهو الهجوم…