يفتتح عام 2025 مرحلة جديدة يدخل فيها لبنان مقفلاً خلفه سنوات مضت من الأزمات المتلاحقة. فاتحة العام الجديد ستكون سعوديّة بامتياز. فبعد انقطاع دام منذ عام 2010 في آخر عهد السين – السين، تعود المملكة لتدخل لبنان بثقل كبير.
في أولى أيّام العام الجديد يصل وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى بيروت على رأس وفد دبلوماسي يضمّ المسؤول الجديد عن الملفّ اللبناني في المملكة، الأمير يزيد بن محمد بن فرحان آل سعود، الذي يُقال إنّه ملمّ جدّاً بكلّ تفاصيل الساحة اللبنانية، وبكلّ ما فيها من تعقيدات.
رعاية سعوديّة مقبلة على لبنان
ليست زيارة الوفد السعودي للبنان تفصيلاً، فهي تترجم دخول البلد في مسار يختلف عن مساره منذ دخوله في الفلك السياسي الإيراني. تقول مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ المنطقة بأكملها تدخل في منعطف كبير، منعطف بدأ في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)، ولم ينتهِ بعد بأحداثه المتسارعة والمتسلسلة.
من غزّة إلى بيروت ودمشق وبغداد وصولاً إلى صنعاء وطهران، انهار النفوذ الإيراني في المنطقة. تتحدّث المصادر الدبلوماسية عن انتهاء دور طهران السياسي في العواصم التي امتدّ إليها في السنوات العشرين الماضية. واليوم أصبحت إيران منشغلة بوضعها الداخلي المقبل على انفجارات متوقّعة، وبسلاحها النوويّ المطلوب القضاء عليه قبل ولادته. وهذا ما أُبلِغَت به طهران المقبلة على خيارات صعبة: إمّا وقف التخصيب لصناعة القنبلة، وإمّا ضرب منشآت تخصيب اليورانيوم في إيران.
يفتتح عام 2025 مرحلة جديدة يدخل فيها لبنان مقفلاً خلفه سنوات مضت من الأزمات المتلاحقة
بناء على هذا المعطى الدولي والإقليمي، يعود ساحل المتوسط، من غزة إلى الشاطئ السوري، مروراً ببيروت، إلى “الحضن العربي”، برعاية أميركية مباشرة. وهذا ما سيترجم في مجموعة محطّات سياسية ستشهدها هذه البلاد.
أوّل الغيث إعادة الإعمار
لم يعد خافياً على أيّ من القوى السياسية في لبنان شكل المشهد السياسي المقبل على البلد، وتموضعه الجديد في المنطقة. من هذه البوّابة، سيستقبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري وزير الخارجية السعودي، وهو يدرك أنّ كلّ ملفّات البلد بعد الحرب المدمّرة الأخيرة، كإعادة الإعمار، وانتخاب الرئيس وإعادة تكوين السلطة، وترميم المؤسّسات والإصلاحات، وصولاً إلى استكمال تطبيق اتّفاق الطائف، ستمرّ بالرياض التي رفعت الملفّ اللبناني في دوائرها الملكية إلى أيدي الوزراء والأمراء، وليس السفراء.
قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان تسلّم الإشراف ورعاية الملفّ اللبناني، وإلى جانبه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، على أن يكون الأمير يزيد بن فرحان المسؤول المباشر عن كلّ تفاصيل الملفّ السياسي اللبناني. وعليه، تقول المصادر إنّ الزيارة السعودية ستحمل معها ملفّات كثيرة، ملفّات دعم وتعاون ستبدأ بالظهور بعد انتخاب رئيس للجمهورية في جلسة التاسع من كانون الثاني الجاري.
قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان تسلّم الإشراف ورعاية الملفّ اللبناني، وإلى جانبه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان
برّي ينتظر.. بن فرحان وهوكستين
بعد الزيارة السعودية يصل الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت حيث ينتظره الرئيس بري في عين التينة لمناقشته في ملفّين: اتّفاق وقف إطلاق النار والرئاسة.
تكشف مصادر دبلوماسية أنّ ما سيسمعه الرئيس برّي مطلع العام من زوّاره سيكون واضحاً لجهة التوجّهات الدولية تجاه لبنان، وتطلّعات واشنطن والرياض في الأمن والرئاسة والاقتصاد والحكومة والإصلاحات وكلّ الملفّات اللبنانية الشائكة.
قالت مصادر الرئيس بري لـ”أساس” إنّ برّي يؤكّد حصول انتخابات رئاسية في الجلسة المقبلة. وتضيف المصادر أنّ بري يرى أنّ حصول قائد الجيش جوزف عون على 86 صوتاً هو بمنزلة “تعديل دستوري” ولا ضرورة لحصول التعديل، تماماً كما حصل في سابقة انتخاب الرئيس ميشال سليمان. أمّا مصادر “الحزب” فتعتبر في حديث لـ”أساس” أنّ الأخير لمّا يعلن موقفه الجديد في ملفّ الرئاسة بعد دعمه العلني لترشيح سليمان فرنجية، ولم يضع أيّ فيتو على أحد.
تتطلّع المصادر الدبلوماسية إلى هذين الموقفين بشكل واعد للبناء عليهما في الرئاسة، على أن يسهم “الثنائي” في انتخاب الرئيس الجديد.
بعد الزيارة السعودية يصل الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت حيث ينتظره الرئيس بري في عين التينة لمناقشته في ملفّين: اتّفاق وقف إطلاق النار والرئاسة
برّي : جلسة 9 مثمرة
يكرّر الرئيس بري على مسامع زوّاره ما سبق أن أعلنه مسبقاً من أنّ جلسة 9 كانون الثاني ستنتج رئيساً. وتقول مصادره إنّ المشهد الرئاسي لن يتّضح إلا بعد الأيام الأولى من العام المقبل. وقد يُترك الحسم إلى الساعات التي تسبق الجلسة.
تقول مصادر مقرّبة من الرئيس بري إنّه براغماتي يتعامل مع المتغيّرات السياسية بشكل عمليّ جدّاً ولا أبواب مقفلة على أحد. إلّا أنّ المرحلة المقبلة تحتاج إلى صياغة تفاهمات. فالرئيس برّي بدأت تصله أصوات تعلو مطالبة بإعادة الإعمار في البلد، ولا يرى إمكانية لتحقيق ذلك إلا بعودة لبنان إلى عمقه العربي وإنهاء انعزاله عن عواصم القرار.
أمّا “الحزب” فيتكيّف بصعوبة مع المتغيّرات الكبرى. وفي المعلومات أنّه سيعلن مجموعة قرارات تتعلّق بإعادة تشكيل هيكليّته السياسية وفق المتغيّرات الراهنة، ومنها تعيين النائب محمد رعد نائباً للأمين العامّ لـ”الحزب”، في خطوة لافتة يتّخذها “الحزب” على اعتبار أنّ رعد شخصية مدنية وليست دينية.
إقرأ أيضاً: بري “شمعون الشيعة”: 40 عاماً نبيهاً!
يأتي هذا في سياق السعي إلى الذهاب بـ”الحزب” باتجاه “حزب سياسي” مع الوقت. وسيكون أكثر حضوراً في الملفّات اللبنانية، وأقلّ مشاركة في الملفّات الإقليمية، وأكثر حرصاً على علاقة لبنان بعمقه العربي وبأشقّائه العرب تحديداً.
لمتابعة الكاتب على X: