آليّة تطبيق القرار الدولي 1701 في لبنان تنتظر انتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني تتّفق هويّته مع بنود اتّفاق وقف النار.
تستفيد إسرائيل من تأخّر توفير مستلزمات انتشار الجيش في الجنوب، عديداً وعتاداً، فتواصل عربدتها بحجّة استهداف بنى تحتية لـ”الحزب”. حجّتها للتوغّل جنوباً، وتفجيرها المنازل، وضرباتها الجوّية وصولاً للبقاع.
لم تترك إيران مجالاً للشكّ بأنّها تراهن على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وفق مواقف قادتها. يقابل ذلك تقدّم جوهري في الالتزام السعودي والعربي بصيانة التحوّلات في سوريا، بالتوازي مع احتضان المرحلة الانتقالية في لبنان.
بالأمس مضى شهر من مهلة الستّين يوماً لتنفيذ اتفاق لبنان وإسرائيل لوقف النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب. يسري وقف النار من جانب واحد، على “الحزب” الذي وافق على نصّه، فيما تواصل إسرائيل خرقه بالتوغّل وصولاً إلى وادي الحجير. وتمعن بإذلال النازحين الشيعة وغير الشيعة، الذين نالوا إعجاب العديد من الدول لسرعة انتقالهم إلى بلداتهم، فتمنعهم من العودة إلى معظمها.
ملء الفراغ بعودة الدّولة وانتخاب الرّئيس
لكنّ أوساطاً دولية أبلغت “أساس” أنّه إذا لم تعد الدولة اللبنانية إلى الجنوب وسائر المناطق لتمسك بزمام الأمور، فإنّ لبنان سيخسر الكثير من التأييد السياسي والمساعدات المالية. وعندها ستعود إيران لتملأ الفراغ. ولذلك يشكّل انتخاب الرئيس في التاسع من الشهر المقبل حجر الزاوية في انتقال البلد إلى مسيرة التعافي.
لا تخفي أوساط غربية أنّ في اتّفاق وقف النار ما يشرّع خرقه بنصّه في فقرته الرابعة على حقّ إسرائيل ولبنان في الدفاع عن النفس. في ظلّ الاختلال الكبير في ميزان القوى إسرائيل وحدها قادرة على ممارسة هذا “الحقّ”.
في شأن لبنان شدّد الوزراء على ضرورة الالتزام باتّفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ الـ1701 واتّفاق الطائف وبسط سيطرة الدولة على كلّ أراضيها
“الحزب” يخشى تصوير مصادرة السّلاح؟
لكنّ لتأخير تنفيذ اتّفاق وقف النار عوامل لبنانية وإيرانية:
1- معاندة “الحزب” بالإصرار على الحاجة إلى استمرار المقاومة، بحجّة أنّ إيكال مسؤولية الجنوب للجيش لم يمنع الخروقات الإسرائيلية. وهو بذلك يتجاهل أنّ سلاحه وإسناده لغزّة وفق أجندة إيرانية تسبّبا بكارثة تفوق بثلاثة أضعاف ما حصل في حرب تموز 2006. يستوي مع ذلك إصرار “الحزب” على ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” المرفوضة من كلّ القوى السياسية.
2- يبدي بعض قادة “الحزب” ليونة في التعاطي مع تولّي الجيش، وفق (بنود) الاتفاق الذي ينصّ البند السابع منه، في أكثر من فقرة، على “تفكيك كلّ البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة كلّ الأسلحة غير المرخّص بها”… تطبيقاً للقرار الدولي 1701. لكنّهم يسعون إلى الالتفاف على بعضها. قيل الكثير عمّا طلبه مسؤول التنسيق والارتباط في “الحزب” وفيق صفا من قائد الجيش العماد (جوزيف) جوزف عون حين التقاه مطلع الشهر الجاري، برفقة مستشار الرئيس نبيه بري أحمد البعلبكي. تفيد معلومات “أساس” أنّ صفا طلب ألّا تظهر مصادرة الجيش لأسلحة “الحزب” في جنوب الليطاني على وسائل الإعلام. ردّ عون بأنّه لا يستطيع شيئاً إزاء ذلك، فبإمكان إسرائيل أن تصوّر العملية من الجو وتوزّع الصور.
سعى صفا إلى تكريس موقف “الحزب” بأنّ سحب السلاح يقتصر على جنوب الليطاني من دون شماله. اضطرّ عون إلى سحب نصّ الاتفاق من درجه قائلاً له: “هذا هو النصّ الذي سلّمني إيّاه الرئيس بري باللغة الإنكليزية قائلاً لي: خذه ونفّذه. وأنت تتقن الإنكليزية فاقرأه. وإذا كان هناك من تفسير لا يشمل كلّ لبنان نراجع الرئيس بري”. لم يعلّق صفا، لكنّه سأل عن الأمكنة التي ستنقل إليها الأسلحة، موحياً بأن تكون المستودعات التي ستودع فيها تحت إشراف “الحزب” احتياطاً. لم يصل النقاش في ذلك لنتيجة، وتُرك الأمر للتواصل مع رئيس البرلمان.
ليس تفصيلاً الاندفاع السعودي لاحتضان المؤسّسة العسكرية في لبنان عبر الزيارة التي قام بها العماد عون للرياض
يذكر أنّ أكثر من فقرة في البند السابع وغيره نصّت على عبارة “بدءاً من منطقة جنوب الليطاني”… إضافة إلى “نشر الجيش على جميع المعابر الحدودية البرّية والبحرية والجوّية المنظّمة وغير المنظّمة”. تشير هذه العبارات إلى أنّ جمع السلاح يشمل شمال الليطاني.
نعيم قاسم ومراهنة محسن رضائي
3- قال الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير في 14 كانون الأول: “خسر “الحزب” طريق الإمداد العسكري عبر سوريا، لكنّ هذه الخسارة تفصيل في العمل المقاوم… ويمكن أن يعود هذا الطريق بشكل طبيعي، ويمكن أن نبحث عن طرق أخرى”.
يقفز تطلّع “الحزب” إلى استعادة طرق تهريب السلاح من سوريا فوق مستجدّات الواقع الإقليمي، في وقت تقوم إدارة العمليات العسكرية في بلاد الشام بجمع السلاح من أيدي الميليشيات على أراضيها. وتعهّد العراق قبل يومين علناً بمنع تهريب السلاح عبر حدوده إليها. وتُناقضُ مطالب صفا من العماد عون ما ينقل عن بعض قادة “الحزب” حول حاجته إلى مراجعة نقدية للمرحلة السابقة ولتصحيح ممارساته، خلافاً لشعارات الانتصار.
4- عكس كلام الشيخ قاسم المراهنة الإيرانية على تغيير الوضع في سوريا، التي عبّر عنها خامنئي بحديثه عن “مجموعة الشرفاء” الذين سيقلبون الوضع المستجدّ فيها، وكلام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي ضدّ الاحتفال السوري بالنصر. وكان محسن رضائي، عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري، أكثر وضوحاً بقوله: “خلال أقلّ من عام، سيبعث الشباب والشعب السوري المقاوم المقاومة في سوريا بشكل جديد، وسيُحبطون المخطّطات الخبيثة للولايات المتحدة والنظام الصهيوني والدول التي تمّ استغلالها في المنطقة”.
آليّة تطبيق القرار الدولي 1701 في لبنان تنتظر انتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني تتّفق هويّته مع بنود اتّفاق وقف النار
التّعامي عن مصادرة مواقع فلسطينيّة
5- يتعامى “الحزب” عن الأثر البالغ الأهمّية لتسلّم الجيش اللبناني مواقع “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” (التي كان يتزعّمها الراحل أحمد جبريل الموالي لنظام الأسد) في البقاع الغربي والبقاع الشرقي وبلدة الناعمة في جبل لبنان. وعلاوة على أنّه تطبيق للاتّفاق في شمال الليطاني، هو تنفيذ لقرار “مؤتمر الحوار الوطني” في حزيران 2006 بسحب السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات تمهيداً لسحبه داخلها. وهو الأمر الذي حال دونه “الحزب” بالتنسيق مع النظام الأسدي في حينها. وقيل إنّ “الحزب” حال بذلك دون الانتقال إلى مطلب إخضاع سلاحه للشرعية اللبنانية. ويتوقّع مصدر سياسي بارز لـ”أساس” أن يبدأ طرح مسألة جمع السلاح داخل المخيّمات الفلسطينية قريباً.
الجهود العربيّة في سوريا ولبنان
في ظلّ ما تشهده سوريا ميدانياً من صدامات بين ما سمّي “فلول النظام” والحكومة المؤقّتة بات لزاماً على الدول الساعية إلى تنفيذ اتّفاق وقف الحرب في لبنان توحيد جهودها في صيانة التحوّلات في البلدين. اليومان الماضيان شهدا وقائع عربية مترابطة:
– ليس تفصيلاً الاندفاع السعودي لاحتضان المؤسّسة العسكرية في لبنان عبر الزيارة التي قام بها العماد عون للرياض. ومع أنّه يحقّ للمراقبين إعطاء الزيارة بعداً رئاسياً، فإنّ اجتماع وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان به يرفع مستوى اهتمام الرياض بدعم الجيش. وهناك معطيات عن إمكان إحياء بعض جوانب الهبة السعودية للجيش وقوى الأمن الداخلي (2013) لتزويدهما بأسلحة وعتاد فرنسي. سبق ذلك إبداء المملكة استعدادها لتقديم المساعدات لسوريا لدعم صمودها إزاء الصعوبات الاقتصادية. وقد ألغيت عام 2016 بسبب الانحياز اللبناني لإيران، بعد حرق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في أصفهان.
لا تخفي أوساط غربية أنّ في اتّفاق وقف النار ما يشرّع خرقه بنصّه في فقرته الرابعة على حقّ إسرائيل ولبنان في الدفاع عن النفس
– لم يكن تفصيلاً أن يتناول اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الكويت أوّل من أمس الوضع في سوريا ولبنان معاً. نصّ بيانهم على “احترام سيادة الجمهورية العربية السورية الشقيقة واستقلالها ووحدة أراضيها، ورفض التدخّلات الأجنبية في شؤونها الداخلية”… ودعم عملية سياسية شاملة. ودان الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة العازلة وللجولان، وطالب برفع العقوبات عن سوريا.
في شأن لبنان شدّد الوزراء على ضرورة الالتزام باتّفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ الـ1701 واتّفاق الطائف وبسط سيطرة الدولة على كلّ أراضيها وانتخاب رئيس للجمهورية وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
إقرأ أيضاً: الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟
إدانة الجامعة العربيّة لطهران
– الأمانة العامّة للجامعة العربية دانت بلهجة شديدة التصريحات الإيرانية بشأن سوريا، ووصفتها بأنّها تهدف إلى “تأجيج الفتن بين أبناء الشعب السوري”. وأكّدت الجامعة ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها مع حصر السلاح بيد الدولة السورية وحلّ التشكيلات المسلّحة، ورفض أيّ تدخّلات خارجية تؤدّي إلى زعزعة الاستقرار.
لمتابعة الكاتب على X: