معايير أميركا: ملاك في أوكرانيا.. شيطان في غزّة

مدة القراءة 3 د

تدور حرب ساخنة في كلّ من أوروبا (أوكرانيا)، والشرق الأوسط (غزة – لبنان). “بطل” الحرب الأولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، و”بطل” الحرب الثانية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. الأوّل شيطنته الولايات المتحدة، والثاني تدعمه بالسلاح والمال والتغطية السياسية.

 

صادرت الولايات المتحدة الودائع المالية الروسية في أسواق العالم. وفرضت حظراً ومقاطعة على أيّ تعامل ماليّ أو تجاري مع موسكو. وفي الوقت ذاته فتحت خزائنها لمساعدة إسرائيل من دون حساب. وعلى الرغم من إدانة اسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، فإنّ الموقف الأميركي منها لم يتغيّر ولم يتبدّل.

وفي حين تشيطن واشنطن الرئيس فلاديمير بوتين، تستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس استقبال الأبطال الفاتحين، وتمارس حقّ النقض في مجلس الأمن الدولي دفاعاً عنه.

تدين الولايات المتحدة الرئيس الروسي لاستخدامه سلاحاً متطوّراً في قصف أوكرانيا… وفي الوقت ذاته تُغرق إسرائيل بأسلحة أكثر تطوّراً وأكثر قدرة تدميرية لقصف غزة العاجزة، التي يشرب أبناؤها مياه المجارير ويقتاتون على الحشائش والحيوانات الشاردة… أو على ما بقي منها.

تئنّ الموازنة المالية الأميركية تحت ضغطين: تمويل أوكرانيا في أوروبا، وتمويل إسرائيل في الشرق الأوسط. فأوكرانيا في الحسابات السياسية الأميركية تتطلّع إلى ممارسة سيادتها على كامل ترابها الوطني. وهو ما يتطلّع إليه الفلسطينيون أيضاً في غزة وفي الضفة الغربية المحتلّتين.

نتنياهو

لكن بدلاً من معاملتهم على قاعدة إنسانية وأخلاقية واحدة مع الأوكرانيين، فإنّها تدعم المعتدي الإسرائيلي، وقد أدانت المحكمة الجنائية الدولية رئيس وزرائه نتنياهو بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية في غزة، وأصدرت بحقّه وبحقّ وزير دفاعه مذكّرتَيْ توقيف واعتقال. وبالمقابل تطالب بإحالة الرئيس بوتين إلى المحكمة الدولية، وهو ما لم تستجب له المحكمة.

أدانت المحكمة الجنائية الدولية رئيس وزرائه نتنياهو بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية في غزة

بين غزّة وأوكرانيا

من هنا السؤال: لماذا تشيطن الولايات المتحدة الرئيس بوتين وتُعلي من شأن نتنياهو؟

تدرك الولايات المتحد أمرين أساسيَّين:

1- واشنطن تعهّدت بعدم تمدّد حلف شمال الأطلسي شرقاً، مقابل موافقة الاتحاد الروسي على إسقاط جدار برلين وإعادة توحيد شطرَي ألمانيا، الشرقي (الذي كان تحت الهيمنة الروسية)، والغربي (الذي كان تحت الهيمنة الأميركية). لكنّ هذا التعهّد خُرق مراراً، واتّسع الخرق شمال ووسط وجنوب أوروبا، حتى وصل إلى أوكرانيا التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي.

2- غزة جزء من فلسطين، والأكثرية الساحقة من أهلها هم من المهاجرين الفلسطينيين الذين قامت إسرائيل فوق أرضهم المحتلّة، ولولا الدعم الأميركي العسكري والمالي والسياسي لما تحوّلت إسرائيل إلى شوكة نووية في خاصرة الشرق الأوسط.

من هنا المقارنة بين الانتهاك الأخلاقي المتمثّل في دعم الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان من جهة أولى، وفي تحريض أوكرانيا وتمويلها على الحرب ضدّ الاتحاد الروسي من جهة ثانية.

إقرأ أيضاً: صناعة التاريخ بـ”الحرب”.. عندما تتكدّس الجثث

قد لا يكون بوتين ملاكاً. ولكنّ نتنياهو هو بالتأكيد مجرم حرب كما وصفته المحكمة الجنائية الدولية. وفي الحالتين فإنّ واشنطن بتنكّرها لالتزاماتها بعدم توسيع الحلف الأطلسي شرقاً نحو روسيا، وبدعمها العسكري والمالي والسياسي اللامحدود لإسرائيل في حربها على غزة ولبنان، أثبتت أنّها ليست ملاكاً أيضاً. فكيف يمكن التعايش مع الشياطين؟!

مواضيع ذات صلة

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…

كنّا نخاف منه وصرنا نخاف عليه

قبل عام 1969 كان العالم العربي والإسلامي يتدافع نحو أخذ صورة مع جمال عبدالناصر، ثمّ بعد العام نفسه صار العرب والمسلمون ومعهم عبدالناصر يتدافعون للوقوف…

دعاية “الحزب” الرّديئة: قصور على الرّمال

لا تكفي الحجج التي يسوقها “الحزب” عن الفارق بين جنوب الليطاني وشماله للتخفيف من آثار انتشار سلاحه على لبنان. سيل الحجج المتدفّق عبر تصريحات نوّاب…

روسيا ولعبة البيضة والحجر

منذ سبع سنوات كتب الأستاذ نبيل عمرو في صحيفة “الشرق الأوسط” مستشرفاً الأيّام المقبلة. لم يكتب عمّا مضى، بل عمّا سيأتي. نستعيد هذا النصّ للعبرة…