سفراء الخماسيّة “أسرى” جلسة الرّئاسة!

مدة القراءة 6 د

لا صوت يعلو فوق صوت “مطحنة” الأسماء المرشّحة لرئاسة الجمهورية. صحيح أنّ الرئيس نبيه برّي يتمسّك بتاريخ 9 كانون الثاني بوصفه المعبر الإلزامي نحو قصر بعبدا مُعمّماً تفاؤلاً غير ملموس حتى الآن، إلا أنّ المتابعين لمداولات الكواليس يجزمون بأنّ كلمة السرّ قد تسبق بساعات افتتاح برّي للجلسة فيُنتَخب الرئيس حتّى لو لم يحصل الانتخاب من الدورة الأولى، أو أنّ رئيس مجلس النواب سيَختم محضر الجلسة ويدعو إلى جلسة أخرى ستأتي حتماً بعد دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض.

 

لم يتراجع الرئيس بري حتى الآن عن قراره دعوة أعضاء السلك الدبلوماسي وضيوف أجانب إلى حضور جلسة التاسع من كانون الثاني، مع العلم أنّ بعض السفراء، ومن ضمنهم أعضاء اللجنة الخماسية، قد لا يكونون قد عادوا إلى لبنان نتيجة عطلة الأعياد، فيما عدد من نواب البرلمان الـ 128 سيغادرون قريباً لبنان في “فرصة العيد”، وهو ما سيعيق قليلاً التواصل المباشر بين بعض هؤلاء قبل حلول موعد الجلسة الشهر المقبل.

حتى الآن، يُطرَح أيضاً السؤال الكبير حول فحوى دعوة بري للسفراء المُعتمدين في لبنان إلى جلسة غير محسومة، فيما يبدو أمراً غير مألوف في تاريخ جلسات انتخاب رئيس الجمهورية “استضافة” سلك دبلوماسي وضيوف ورؤساء جمهورية سابقين في جلسة قد تشهد أكثر من دورة انتخابية، وهو ما يعني “أسرهم” على مقاعدهم لساعات طويلة. والنتيجة، ربّما، الفشل في التوصّل إلى تسوية تنتهي بانتخاب الرئيس الـ 14 للجمهورية اللبنانية.

لم يتراجع الرئيس بري حتى الآن عن قراره دعوة أعضاء السلك الدبلوماسي وضيوف أجانب إلى حضور جلسة التاسع من كانون الثاني

باختصار، يبدو المشهد حتى الآن عابقاً بـ “أكشن” رئاسي تتداخل فيه الحسابات الشخصية والسياسية والحساسيّات المارونية بشكل كبير، بغضّ النظر عن حسابات الخارج:

– “التغييريون”، أيّ جزءٍ من قوى المعارضة، “مقبّرين بعضهم”، ولا توافق على اسم يخوضون من خلاله الاستحقاق الرئاسي. هم فعلاً عبارة عن “دكاكين” مفتوحة ضمن “سوبر ماركت” المعارضة المنقسمة بدورها بشكل عمودي. يشمل هذا الانقسام التعارض في وجهات النظر بينها وبين الأحزاب المسيحية المعارضة كالقوات والكتائب التي للمرّة الأولى في تاريخها يجد بعض رموزها، كسمير جعجع وسامي الجميّل، أنفسهم أمام فرصة تاريخية لاقتناص حلم الرئاسة عبر تلويح الرجلين بأنّهما، في هذا الظرف السياسي، الأحقّ بالرئاسة.

-لا توافق بين المرشّح المُنسحِب سليمان فرنجية وحليفيه، “الحزب” وحركة أمل، على اسم رئاسي. فعليّاً، يدور فرنجية بين حدّي دعم ترشيح قائد الجيش جوزف عون، لحسابات مرتبطة بشكل كبير بتوجيه ضربة سياسية لجبران باسيل، والنائب فريد هيكل الخازن. في هذا السياق تشير معلومات “أساس” إلى أنّ الدائرة المحيطة بالرئيس برّي، تحديداً علي حسن خليل وأحمد بعلبكي وجميل السيّد وغيرهم، وصولاً إلى مسؤول التنسيق والارتباط في “الحزب” وفيق صفا، يدعمون ترشيح المدير العامّ للأمن العامّ بالوكالة الياس البيسري. هذا الترشيح يؤيّده النائب باسيل، ويعارضه بقوّة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، تماماً كما يعارض اسم فريد هيكل الخازن، وفي العمق يرفض جعجع ترشيح قائد الجيش.

يبدو المشهد حتى الآن عابقاً بـ “أكشن” رئاسي تتداخل فيه الحسابات الشخصية والسياسية والحساسيّات المارونية بشكل كبير، بغضّ النظر عن حسابات الخارج

– تفيد المعلومات بأنّ بري لا يزال ينتظر أن يصله اسم أو أكثر من سمير جعجع. هنا يؤكّد مطّلعون أنّ نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي يلعب دوراً على خطّ تقريب المسافات بين برّي وجعجع، وتدعيم لائحة المرشّحين المحتملين بأسماء لنوّاب حاليين تبيّن رفض باسيل لها. كما أنّ نائب رئيس مجلس النواب الحالي الياس بوصعب يَنشَط، بغطاء من برّي، على خطّ “حصر الأسماء”، مع استبعاد اسم قائد الجيش.

– بالنسبة للمعطى الأميركي يتصرّف الرئيس بري على قاعدة ما سَمِعه من السفيرة الأميركية ليزا جونسون في آخر لقاء بينهما، الذي سبق التمديد الثاني لقائد الجيش، حين بادرها بالقول: “شو بعد بدّكن بعد”، فردّت قائلة: “ندعم التمديد مرّة جديدة لقائد الجيش ولا نريد أكثر من ذلك”.

تشير معلومات “أساس” المؤكّدة إلى أنّ بري لم يُفاتَح إطلاقاً، على بعد أيّام قليلة من جلسة 9 كانون الثاني، من قبل أيّ جهة خارجية، تحديداً دول اللجنة الخماسية، بطلب دعم ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية. كما أنّ العماد عون أيضاً، وفق المعلومات، لم تتمّ مفاتحته بدعم ترشيحه، أو النقاش في برنامجه السياسي من قبل أيّ من سفراء اللجنة الخماسية، أو ممثّلين رسميين عن الإدارة الأميركية الراحلة أو “الترامبيّة” المقبلة.

– أوحت القوات اللبنانية بوضوح بأنّها تؤيّد تأجيل الاستحقاق إذا تبيّن أنّه سيوصل “رئيساً كيفما كان”. لكن لغاية الآن، لا تُفصِح “القوات” عمّا إذا كانت ستتّفق مع بعض قوى المعارضة على تطيير النصاب، أو ستسعى إلى طلب التأجيل قبل عقد الجلسة “إلى حين انتهاء المشاورات”.

بري لم يُفاتَح إطلاقاً، على بعد أيّام قليلة من جلسة 9 كانون الثاني، من قبل أيّ جهة خارجية، تحديداً دول اللجنة الخماسية، بطلب دعم ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية

في هذا السياق، أقرّ مصدر نيابي لـ “أساس” بأنّ “الرئيس بري، عبر حَشرِه الجميع بتاريخ 9 كانون الثاني، قاد معارضي الحوار الذي دعا إليه أكثر من مرّة ورفضه هؤلاء داعين آنذاك إلى عقد جلسة فوريّة من دون تشاور مسبق، إلى قيامهم بهذا الحوار بين المقرّات مع اطمئنانهم إلى أنّ ورقة سليمان فرنجية قد طُويت نهائياً بفعل الأحداث الأخيرة”.

– الأمر المؤكّد حتى الآن أنّ جلسة 9 كانون الثاني مهما كانت التفاهمات، وسواء أنتجت رئيساً أو أخفقت، وسواء نال الرئيس العتيد ثلثي عدد مجلس النواب أو تمّ الاكتفاء بأكثرية 65 صوتاً وما فوق، ستحصل وطائرة الاستطلاع الإسرائيلية تخرق جدران البرلمان وقوات العدوّ تتكفّل بما يفترض بالجيش اللبناني أن يقوم به، أي جعل جنوب الليطاني منطقة خالية من السلاح، وذلك قبل نهاية مدّة الـ 60 يوماً في 27 كانون الثاني المقبل.

لهذا الواقع دلالاته السياسية ليس أقلّها أنّ لبنان، بعد أكثر من عامين وشهرين من الفراغ الرئاسي، وعلى مسافة أسابيع قليلة فقط من سقوط نظام بشار الأسد، يَنتخب رئيسه “السيادي”، كما يُفترض، والإسرائيلي مطلق الحركة جوّاً وبرّاً، ويرفع رصيد الشهداء يومياً تقريباً على مرأى من الحكومة والجيش و”الحزب” من دون أيّ قدرة فعليّة، منذ دخول اتّفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، على لجم الانتهاك الإسرائيلي الفاضح للآلية التنفيذية للقرار 1701.

 

إقرأ أيضاً: “دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

لمتابعة الكاتب على X:

@MalakAkil

مواضيع ذات صلة

سليمان فرنجيّة: شريك في رئاسة “قويّة”

من يعرفه من أهل السياسة أو من أهل الوسط يصفونه بفروسيّته ربطاً بأنّه يثبت على مبدئه مهما طال الزمن ومهما تقلّبت الظروف. سليمان فرنجية الحفيد…

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…