حربان غيّرتا مصير سوريا، وفقاً لمراسل الأمن الدولي الرئيسي لشبكة CNN نيك باتون والش. في رأيه أنّ “مصير بشار الأسد لم تتمّ صناعته في سوريا، بل في جنوب بيروت ودونيتسك، والتقدّم السريع المذهل الذي حقّقته المعارضة السورية هو النتيجة غير المقصودة لهاتين الحربين. وبالتالي، يجد العديد من حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيّين أنفسهم مع قوّة جديدة وغير معروفة إلى حدّ كبير، يقودها إسلاميون، تحكم مساحات واسعة من جارتهم الاستراتيجية، إن لم يكن معظمها“.
يكتب والش: “لقد استوعبت سوريا الكثير من الأوكسجين الدبلوماسي في السنوات العشرين الماضية. كانت في قبضة دكتاتورية وحشيّة مرعبة لعقود من الزمن. حماة، وحمص ودمشق عادت لتتصدّر عناوين الأخبار بين عشيّة وضحاها بسبب السقوط السريع للنظام، لكنّها أيضاً لأنّها كانت الموطن لأبشع أجزاء من تاريخه: مذبحة عام 1982 التي راح ضحيّتها 20 ألف شخص في حماة، وحصار عام 2012، ثمّ مجاعة حمص، وإطلاق غاز السارين على الأطفال في الأقبية في الغوطة بالقرب من دمشق عام 2013. ثمّ كان هناك داعش من عام 2014 إلى عام 2017. بدت سوريا دولة لا يمكن إخضاعها، حتى تمّ تحريرها هذا الأسبوع، بتكلفة غير معروفة حتى الآن، مع محاذير كبيرة”.
بالنسبة لمراسل “سي إن إن” لم تتمّ صناعة مصير بشار الأسد الذي تغيّر بسرعة في سوريا، بل في جنوب بيروت ودونيتسك. فقد أطيح به حين تمّ دفعه من دون العكّازات الجسدية التي كانت توفّرها له القوّات الجوّية الروسية و”الحزب”.
إيران و”الحزب” مشلولان
أُصيبت إيران بالشلل في الأشهر الستّة الماضية، حيث تحوّلت حربها مع إسرائيل، التي عادة ما تكون في الظلّ أو يمكن إنكارها، إلى هجمات صاروخية بعيدة المدى عالية المخاطر وغير فعّالة إلى حدّ كبير. وفي لبنان أصيب وكيلها الرئيسي، “الحزب”، بالشلل بسبب الهجوم الإسرائيلي الشرس على هرميّته وبنيته.
لا نعرف الكثير عمّا سيحدث في سوريا أو ما يعنيه ذلك. وقد تثبت هيئة تحرير الشام أنّها حاكم للخليط العرقي في سوريا أفضل ممّا كان عليه الأسد
بالتالي، لم تحقّق طهران تعهّداتها بالدعم الكثير للأسد، ولم تقُم بغير إصدار بيان مشترك مع سوريا والعراق حول “الحاجة إلى عمل جماعي لمواجهة” المتمرّدين. أمّا روسيا فقد جعلتها حرب الاستنزاف في أوكرانيا “غير قادرة” على مساعدة الأسد. وكان موقف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضعيفاً للغاية في نهاية هذا الأسبوع، حين قال: “ما هي التوقّعات؟ لا أستطيع التخمين. ليس من المفترض أن نخمّن”. فمثل هذه الكلمات ليست كلمات حليف ضامن ثابت وقادر، بل هي كلمات قوّة إقليمية تجد نفسها عند سفح الجدار.
وفقاً لوالش “الشرق الأوسط يترنّح لأنّ الأفكار التي تُعتبر أمراً مسلّماً به، مثل قوّة إيران المنتشرة، وصلابة روسيا كحليف، تنهار مع مواجهة الحقائق الجديدة”. ويعتبر أنّ “انتصار الأسد كزعيم لأقلّية غارقة في الدماء، لم يحدث بسبب حذاقته أو شجاعته، بل لأنّ إيران قتلت من أجله، وقصفت موسكو من أجله. والآن أصبح هذان الحليفان مرهقين إلى حدّ كبير في أماكن أخرى، كما اختفى الاختلال الذي أبقى الأسد وأقلّيته العلوية الحاكمة على رأس السلطة.”
تركيا انتظرت… وانتهزت الفرصة
في رأي والش أنّ تركيا “التي تعاملت مع معظم تداعيات الاضطرابات في سوريا، انتهزت فرصة شلل كلّ من إيران وروسيا. فهي اضطرّت إلى لعب لعبة طويلة الأمد بشأن سوريا، واستضافت أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ منها منذ عام 2012. وكان عليها أن ترى المسلّحين الأكراد (قوات سوريا الديمقراطية)، الذين درّبتهم الولايات المتحدة وجهّزتهم وساعدتهم في محاربة داعش، يطوّرون معقلاً على طول حدودها. لكن بالنسبة لها، لم تختفِ مشكلة سوريا أبداً على الرغم من تضاؤل الاهتمام بها، وكانت تدرك أنّها ستحتاج ذات يوم إلى تغيير الفوضى الدائمة لمصلحتها”.
روسيا جعلتها حرب الاستنزاف في أوكرانيا “غير قادرة” على مساعدة الأسد
يعتقد أنّ الهجوم الشامل الذي شنّته هيئة تحرير الشام، بزخمها ومعدّاتها واستراتيجية الاتّصالات الشاملة، التي أخبرت الجماعات العرقية السورية المتباينة والمذعورة أنّ مجتمعها الجديد سينظر إليهم جميعاً كواحد، كشف عن يد متطوّرة وراء ذلك، أشار إليها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عندما قال يوم الجمعة إنّه حاول التفاوض مع الأسد بشأن مستقبل سوريا، لكنّه فشل، وتمنّى للهجوم التوفيق.
لكنّ والش يعتقد أنّه لا يزال من غير الواضح من الذي مكّنته تركيا بالضبط. فقد بدأت المستويات العليا من هيئة تحرير الشام في تنظيم القاعدة، وتحاول الآن الإيحاء بأنّها نضجت. غير أنّ تاريخ هذا النوع من التطوّر فوضوي. وليس من السهل دائماً على المتطرّفين أن يعيدوا تشكيل أنفسهم، لكن من الممكن أيضاً في بعض الأحيان أن يتغيّروا بما يكفي.
يخلص إلى القول: لا نعرف الكثير عمّا سيحدث في سوريا أو ما يعنيه ذلك. وقد تثبت هيئة تحرير الشام أنّها حاكم للخليط العرقي في سوريا أفضل ممّا كان عليه الأسد، وهو ما لن يكون أمراً صعباً. وقد يختفي الأسد في المنفى في أحد المنازل الريفية الفخمة في موسكو، وقد تداوي روسيا جراحها الجيوسياسية وتركّز على النزيف الكارثي لغزوها لأوكرانيا.
إقرأ أيضاً: فريدمان بعد “اللحظة السورية”: أنظروا إلى إيران تتغيّر
قد تتوقّف إيران للتفكير، وتستعدّ لموجة تسونامي العدوان المحتملة التي قد تأتي مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وقد يكون هذا هو التغيير السريع والجذري الذي تحتاج إليه سوريا لتحقيق الاستقرار، وهو تغيير من شأنه أن يجعل المجتمع أكثر سلاسة. فقد كانت السنوات الـ13 الماضية في سوريا وحشيّة لدرجة أنّها تستحقّ ذلك الاستقرار حقّاً، لكنّها أظهرت أيضاً مدى إمكان أن يكون السلام بعيد المنال والمعاناة عميقة.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا