ما وَصَفه رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ “الخطير جدّاً” حيال ما يحدث في سوريا، وبأنّه “مؤامرة متورّطة فيها قوى كبرى”، تعاطت معه معظم القوى السياسية اللبنانية، وعلى رأسها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط والقوى السنّية والأحزاب المسيحية، بكونه تدشيناً لمرحلة مفصليّة في سوريا على أنقاض “نظام الأسد” تتقاطع مع نتائج الحرب الإسرائيلية في لبنان، وبدء تطبيق القرار الدولي 1701، وفق آليّة تُختصر بـ “نزع سلاح الحزب” وتحويله إلى حزب سياسي منزوع الدور الإقليمي بفعل تطويق الدور الإيراني في المنطقة.
مساء السبت الماضي، ومع تسارع الأخبار الآتية من المقلب السوري والمُنذرة بالسقوط الحتمي للعاصمة دمشق، رفعت الأجهزة الأمنيّة، خصوصاً الجيش، حالة الجهوزية والتأهّب إلى حدّها الأقصى (نسبة 90%)، فالتحق العسكر بكلّ الثكنات والمواقع العسكرية، ومُنعت الإجازات، وفُتح الخطّ الساخن بين غرفة العمليات في قيادة الجيش ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كان يضع الرئيس بري في جوّ التطوّرات على الحدود الشمالية والشرقية، والمعابر الحدودية وتقارير الأجهزة، والإجراءات الحكومية المُتّخذة.
كما شغّلت كلّ الأجهزة، بقاعاً وشمالاً وفي كلّ “مناطق التماسّ”، قدراتها الاستعلامية والاستخبارية لتقصّي التأثيرات المباشرة لـ “البركان السوري” على الداخل اللبناني لجهة احتمال تحرّك بعض الخلايا النائمة، أو حصول احتكاكات طائفية أو حزبية، ورصد دخول هاربين من سوريا إلى لبنان، أو على خلفيّة الاحتفالات التي عمّت بعض المناطق، خصوصاً طرابلس وصولاً إلى بيروت وساحة ساسين والطريق الجديدة، في الوقت الذي سجّل فيه الأمن العامّ حركة معاكسة لما حصل بعد عام 2011 بتدفّق السوريين من لبنان باتّجاه الداخل السوري عبر معبر المصنع الذي أُعيد فتحه والمعابر الترابية، بحيث انتقل المئات من السوريين أمس وبتسهيل من الأمن العامّ إلى داخل سوريا.
لم يكن من الممكن حجب حالة الذهول التي طبعت ردود فعل بعض الشخصيات الرسمية بعد الزلزال الكبير الذي ضرب سوريا بلمح البصر
إجراءات استثنائيّة
كما عزّز الجيش انتشاره على الحدود الشرقية والشمالية، واتّخذ إجراءات استثنائية امتدّت إلى عمق بيروت. في هذا السياق، أفادت مصادر أمنيّة لـ “أساس” بعدم رصد دخول أمنيّ مشبوه ومنظّم حتى اللحظة عبر المعابر الحدودية غير الشرعية (معظمها غير متاح بسبب القصف الإسرائيلي) بالتزامن مع إعلان سقوط النظام السوري، باستثناء حالات فردية لداخلين خلسة إلى لبنان في الأيام الماضية. كما لم ترصد أيّ تحرّكات مشبوهة ضمن بقع النازحين السوريين في مناطق الأطراف، ولا احتكاكات مذهبية تذكر. وأفادت المعلومات عن عودة عدد من اللبنانيين آتين من سوريا، إضافة إلى تسهيل مرور عدد من العراقيين باتّجاه لبنان بسبب الأحداث في سوريا.
حالة ذهول
فعليّاً، لم يكن من الممكن حجب حالة الذهول التي طبعت ردود فعل بعض الشخصيات الرسمية بعد الزلزال الكبير الذي ضرب سوريا بلمح البصر بفقدان بشار الأسد خلال ساعات ما جَهد لإحكام سيطرته عليه منذ 2015. عُوّم الداخل اللبناني بمواقف وتغريدات من جانب القوى المناهضة للنظام “الساقِط”، لكن في المقابل لم يُرصَد أيّ موقف من جانب “الحزب” الذي لم يعلّق حتّى على معلومات تحدّثت عن التحاق مئات من عناصره بالساحة السورية، ثمّ الحديث عن انسحاب مقاتليه من حمص والقصير. أمّا حليف سوريا الأوّل في لبنان سليمان فرنجية، فتحدّث بالنيابة عنه نجله طوني فرنجية، داعياً بكلمات مقتضبة إلى “انتقال سلميّ للسلطة يُرسّخ الاستقرار”.
مصادر قريبة من محور الممانعة، وببراغماتية عالية، لـ “أساس”: حالة الإنكار لا تفيد. نحن أمام محور يتهاوى في مقابل محور سجّل نقاطاً متقدّمة لمصلحة أجندته في المنطقة
تلزيم سوريا ومصير “الحزب”
أمام الأسئلة الكبرى التي بدأت تُطرَح حول عملية “تلزيم” سوريا في اليوم التالي لسقوط النظام، والقوى الإقليمية والدولية الراعية لهذا التلزيم، ووجهة الحكم الجديد، ومصير بشار الأسد بعد تأكيد الخارجية الروسية أنّه ترك منصبه بعد مفاوضات مع أطراف النزاع المسلّح، كان حجم الأسئلة أكبر داخل لبنان ليس فقط في شأن ترجمات الآليّة التنفيذية للقرار 1701، برعاية أميركية عسكرية مباشرة، بل مصير “الحزب” نفسه الذي شهد في الفترة الماضية على انحسار الدور الإيراني في سوريا إلى حدّ الانسحاب الكامل ونفض اليد.
تقول مصادر قريبة من محور الممانعة، وببراغماتية عالية، لـ “أساس”: “حالة الإنكار لا تفيد. نحن أمام محور يتهاوى في مقابل محور سجّل نقاطاً متقدّمة لمصلحة أجندته في المنطقة. والنتيجة في ما يعنينا قد تكون انتهاء الدور الإقليمي لـ”الحزب” بفعل انحسار النفوذ الإيراني والتخلّي الروسي وحفظ بشار لرأسه. وعلى أرض الواقع قُطِعت كلّ طرق إمداد “الحزب” بالسلاح و”أوكسجين” الدور العسكري في الإقليم بعد سقوط سوريا بالكامل”.
إقرأ أيضاً: جميلة هي ثورة بلاد الشّام
تضيف المصادر: “صحيح أنّ “الحزب” اليوم أمام خيار أوحد يقضي بانخراطه في العملية السياسية وتنفيذه موجبات القرار 1701 الذي وافق على كامل آليّته التنفيذية، إلا أنّ الداخل اللبناني قد يكون أمام استحقاق خطير إذا تمّ التعاطي مع ممثّلي الطائفة الشيعية اليوم كـ “رقم خاسر” واتّباع سياسة الفرض معهم وسحب بعض مكتسباتهم. كما أنّ مصير السلاح يجب أن يكون عنوان توافق داخلي من خلال ما سبق أن وافقت قيادة المقاومة على مناقشته، أي الاستراتيجية الدفاعية. وخسارة ورقة الدور الإقليمي الذي تزعّمه السيّد حسن نصرالله لعقود يجب أن لا ترتدّ حصاراً له في الداخل، وهذه مسؤوليّة كلّ أفرقاء الداخل، سيّما من يحتفلون اليوم بسقوط نظام بشار الأسد، أو من لا يقرأ جيّداً السلوك الإسرائيلي والأميركي في المرحلة المقبلة، ومن يستخفّ باحتمال حصول نزاعات متجدّدة في سوريا إذا لم يتمّ الاتّفاق على القيادة البديلة وسط كثرة الورثة واختلاف أجنداتهم ومصالحهم”.
لمتابعة الكاتب على X: