انهيار جيش الأسد: ارتباك إيران وخيبة روسيا

مدة القراءة 8 د

أجمعت نصائح جميع من استنجد بهم الرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام، وبعضهم قادة عرب، على ضرورة أن يبتعد عن إيران. بات هذا المطلب مفتاح فهم مواقف الدول، سواء المنخرطة أو المعنيّة بالتطوّرات العسكرية الدراماتيكية في سوريا. ويفترض عدم إغفال دعوة نظام بشار الأسد إلى ولوج الحلول السياسية للأزمة، التطبيع مع تركيا، التفاهم على مصير المكوّن الكردي.

ربطاً بمحاولات إنهاء حرب غزة ولبنان، يبدو البند المتعلّق بمنع طهران من تسليح “الحزب”، ذراعها الرئيس للتمدّد الإقليمي، متوقّفاً على ما يجري في سوريا. بات الموضوع المحوري هو انتظار ردّة فعل طهران الميدانية على التطوّرات التي تستهدف دورها الإقليمي في سوريا ولبنان. وتيرة الحملة العسكرية للمعارضة السورية ونتائجها السياسية تفرض على سائر الدول ترقّب الميدان. بموازاة تنشيط منصّة أستانا في الدوحة، يرجِّح البعض أن تنفتح قنوات اتّصال خلفيّة روسيّة مع المعارضة السورية.

 

 

لا تحصى المتغيّرات جرّاء سيطرة “هيئة تحرير الشام” وفصائل المعارضة السورية (الجيش الوطني) على حلب ثمّ حماة، وتوجّه قوّاتها منذ ليل الخميس نحو حمص، من تعديل زعيم “الهيئة” أبي محمد الجولاني خطابه السياسي نحو المرونة، إلى مراجعة دول حساباتها، تناغماً مع تغيير الخريطة الميدانية.

أجمعت نصائح جميع من استنجد بهم الأسد قبل أيام، وبعضهم قادة عرب، على ضرورة أن يبتعد عن إيران

تمسّك الأسد بإيران.. المرتبكة

الثابت الوحيد وسط التحوّلات أنّ الرئيس السوري بشار الأسد ما زال على خياره البقاء على العلاقة الوثيقة مع طهران التي تلاقيه بالوقوف إلى جانبه. لأنّها “أساسية بالنسبة إلى بقائه في السلطة أكثر من أيّ وقت” حسب قول صحيفة نيويرك تايمز. لكنّ طهران تسعى إلى استدراك التطوّرات المفاجئة على خطّين:

– الأوّل: ظهر عبر الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم بأنّه سيقف “إلى جانب سوريا في إحباط أهداف العدوان”. وتسرّبت أنباء عن أنّ “الحزب” أرسل مقاتلين. لكنّ معطيات أخرى أشارت إلى أنّ الهدف حماية وجود “الحزب” وميليشيات إيران التي انكفأت نحو منطقة دير الزور، ثمّ انسحبت منها. فـ”الحزب” يعاني من حصيلة الخسائر في حربه مع إسرائيل، وقد لا يحتمل تورّطاً جديداً يكبّده خسائر تضاف إلى خسائره، لا سيما أنّ بيئته تتململ من إقحام أبنائها في معارك حساباتها محض إيرانية. وقد سبق لطهران أن أرسلت إلى دمشق الأسبوع الماضي ما تسمّيه فريق “مستشارين” لدعم النظام، برئاسة العميد في “حرس الثورة” جواد غفاري، “في إطار التعاون العسكري الأمنيّ السياسي لمساعدة سوريا في مواجهة الهجمات الإرهابية”… غفاري سبق أن قاد معركة السيطرة على حلب في نهاية عام 2016. ويلقّب بـ”جزّار حلب”. وشارك في قيادة معارك تدمر وبادية الشام ودير الزور والبوكمال.

الثابت الوحيد وسط التحوّلات أنّ الأسد ما زال على خياره البقاء على العلاقة الوثيقة مع طهران

– الثاني: التأكّد من صيانة نفوذها في العراق حيال التطوّرات السورية وتأثيرها على هذا النفوذ، ودراسة إمكان الاستعانة بالميليشيات العراقية لنجدة الأسد، أو بتوجيه ضربات جوّية لقوّات المعارضة في حال رجح التدخّل العسكري الإيراني. لكنّ ثمّة استجابة عراقية لرسالة وجّهها الجولاني إلى رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني بأن “ينأى بالعراق عن الدخول في أتون حرب مع سوريا بمنع تدخّل الحشد الشعبي، وألّا يقف في صف النظام الزائل”.

رئيس “هيئة الحشد الشعبي” العراقي فالح الفياض ردّ أمس، بالتزامن مع اجتماع وزراء خارجية إيران وسوريا والعراق في بغداد، بنفي نيّة إرسال مقاتلين. لكنّ رئيس أركان “الحشد” كان قال إنّه ينتظر أوامر المرشد الإيراني علي خامنئي. يشير ذلك إلى أنّ ارتباك إيران ينسحب على أذرعها. فيما برز المسار التفاوضي بالنسبة إلى إيران حين طالب الأسد “الحلفاء” خلال زيارة وزير الخارجية عباس عراقتشي دمشق في 3 كانون الأول بالمساعدة على مقاتلة “الإرهاب” كما يسمّيه. لكنّ عراقتشي فضّل التريّث، فطهران تختبر التفاوض في شأن الأوضاع الميدانية مع روسيا وتركيا في منصّة أستانا التي تجمع وزراء خارجيّة الدول الثلاث في الدوحة اليوم.

ظهر عبر الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم بأنّه سيقف “إلى جانب سوريا في إحباط أهداف العدوان”

حمص.. القصير.. وإقفال طريق طهران – بيروت

مع انطلاق أمّ المعارك في حمص سيكون على الأسد وطهران اختيار التكيّف مع المطلب الدولي “ابتعاد الأسد عن طهران” الذي مهمته الأساس منع تهريب طهران السلاح إلى “الحزب” في لبنان. فالهدف النهائي للدول الغربية، بعد الضربات الإسرائيلية لـ”الحزب”، تجريد طهران من القدرة على استخدام هذه الذراع القويّة في الصراع أو التفاوض معها.

يعني استيلاء المعارضة على حمص بين ما يعنيه، إضافة إلى التمهيد لتوجّه قوّاتها إلى تخوم دمشق، الاقتراب من بلدة القصير الحدودية مع لبنان. والقصير تحوّلت إلى مركز (HUB) لتهريب الأسلحة وكلّ الممنوعات إلى لبنان.

تقدّم المعارضة نحو الحدود اللبنانية سيحرم طهران من قنوات تهريب مهمّة للسلاح. فعلى الرغم من القصف الإسرائيلي المكثّف لمنع تهريب السلاح الإيراني لـ”الحزب”، لم تنجح الدولة العبرية في إقفال طرق التهريب نظراً لطول الحدود بين العراق وسوريا ووجود الأنفاق بكثرة مع لبنان. وأعلنت إسرائيل أنّ وقف النار في لبنان لن يوقف استهدافها “الحزب” في سوريا وعمليّاته لتهريب السلاح على الحدود معها.

تقدّم المعارضة نحو الحدود اللبنانية سيحرم طهران من قنوات تهريب مهمّة للسلاح

أسباب انهيار دفاع النّظام

في انتظار بلورة الوضع العسكري وما سيواكبها من حراك، ونتائج اجتماعات بغداد والدوحة، لا بدّ من التوقّف عند بعض الوقائع ومفاعيلها:

  • الانهيار السريع للجيش السوري بانسحاب قطعاته سواء في حلب أو في حماة. يردّ المتابعون ذلك إلى عوامل عدّة:
  • اعتمدت قوّات المعارضة استراتيجة جديدة بالتوجّه نحو المدن الرئيسة. واكتفت بالمرور بالأرياف كمحطّات.
  • توجيه الرسائل المتتالية من قبل الجولاني والائتلاف الوطني السوري المعارض و”حكومة الإنقاذ” التي تدير المناطق المحرّرة، لطمأنة الطائفة العلوية في حلب وحماة ومحيطها. ودعت إلى “طيّ صفحة الآلام التي عانى منها الشعب السوري على أيدي نظام الأسد، لأنّ سوريا المستقبل ستكون موحّدة بأبنائها”. وهذا ساهم في تحييد تشكيلات “الدفاع الوطني” من الميليشيات التي أنشأها النظام وجلّها من العلويين والأقلّيات الخائفة من التنظيمات الإسلامية. كما أنّ بعض قادة هذه التشكيلات تحوّل إلى التشبيح والثراء.
  • أكثرية جنود الجيش السوري النظامي من الطائفة السنّية عانوا من تفاهة رواتبهم مع التدهور المتواصل للّيرة السورية. هؤلاء فقدوا حوافز القتال بالتزامن مع معاناة أهاليهم ومناطقهم من هيمنة رجال الأسد. أدّى ذلك إلى افتقاد قوات الجيش لإمكانات تحريك قطعاته المدفعية والجوّية والتسليحية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تساهل مع إردوغان حين اتّصل به مستفسراً عن بدء هجوم المعارضة في الشمال نحو حلب

المأزق الرّوسيّ وخيبة الحسابات حيال أنقرة

  • موسكو فوجئت بالتدهور السريع لدفاعات النظام على الرغم من أنّها كانت تتوخّى من اندفاعة المعارضة، التركية الهويّة، أن تتلقّف ضعف الأسد من أجل الضغط عليه للسير في المصالحة مع الرئيس رجب طيب إردوغان، والبدء بإجراءات الحلّ السياسي للأزمة السورية… المتّصلون بموسكو يشيرون إلى المعطيات الآتية:
  • الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تساهل مع إردوغان حين اتّصل به مستفسراً عن بدء هجوم المعارضة في الشمال نحو حلب بعدما طمأنه الأخير حيال دخول “هيئة تحرير الشام” والفصائل المدينة. حاول بوتين إقناعه بالتوقّف عند العاصمة الثانية لسوريا. لذلك حين جرى تحريك الطائرات الروسية لقصف قوّات المعارضة، تجنّب استهدافها في حلب واقتصر على محيط حماة. وقيل في حينها إنّه كان قصفاً “رفعاً للعتب”.
  • سبب التساهل الروسي أنّ إردوغان دغدغ مشاعر بوتين الغاضب على الأسد نتيجة إفشاله على مدى سنتين طلبه منه المصالحة مع إردوغان. معطيات المتّصلين بموسكو أفادت أنّ إردوغان قال لبوتين: “إنّك تعرف كم عانينا مع الأسد الذي خذلك في ما يخصّ عودة التعاون بين سوريا وتركيا”. كما أنّه برّر تأييده اندفاعة المعارضة بأنّه “لا يستطيع احتمال دولة كردية على حدود تركيا قد تسهّلها واشنطن”.

وقعت القيادة الروسية في مأزق بين ميلها نحو إضعاف دور إيران في سوريا، وبين عدم ممانعتها إضعاف الأسد

  • الجيش الروسي سحب العديد من وسائله الهجومية لضرورات الحرب في أوكرانيا. ومع اشتداد المعارك حول حماة، اضطرّ إلى إخراج ثلاث فرقاطات حربية، غوّاصة، وسفينتين مساعدتين من القاعدة البحرية في طرطوس، إلى عرض البحر تحسّباً لاحتمال أيّ استهداف لها.
  • فاجأت روسيا سرعة انهيار قوات النظام ووضعتها في حالة إحراج من إضعاف دورها في سوريا. سادت خيبة في موسكو من قصور الحسابات حول نوايا أنقرة. وبات مريدو الدور الروسي يردّدون أنّ تركيا تنفّذ أجندة أميركية. وجد ذلك صدى في دوائر قريبة من القرار.

إقرأ أيضاً: إيران في سوريا: العسل المرّ

وقعت القيادة الروسية في مأزق بين ميلها نحو إضعاف دور إيران في سوريا، وبين عدم ممانعتها إضعاف الأسد كي تحمله على حلّ سياسي يكسبها ورقة قوّة في مفاوضاتها المنتظرة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب حول أوكرانيا.

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

دمشق: الانفتاح العربيّ على إيقاع أميركا وتركيا

أيّ مسار ستشهده عودة سوريا إلى “الحاضنة العربية”، التي استهزأ بها بشار الأسد خلال القمّة العربية في جدّة عام 2023؟ حينها قال للقادة العرب، الذين…

من رباعيّة سليماني إلى الهروب الكبير

عام 2017 وصل قاسم سليماني إلى الحدود السورية العراقية قادماً من البادية على رأس لواء “فاطميون”، ثمّ أدّى الصلاة إماماً في منطقة التنف. وصار مذّاك…

“الحزب” يُطمئِن الجيش ولكن…

لم يُشكّل بدء المرحلة الأولى من انتشار الجيش في جنوب الليطاني في “مناطق الانسحاب” رادعاً للعدوّ الإسرائيلي لوقف خروقاته. بدا بيان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي،…

الفلسطينيّون والزّلزال السّوريّ: لنتعلّم من الدّرس

كعادتهم… ينقسم الفلسطينيون على كلّ شيء، سواء في ما يخصّ بلادهم وقضيّتهم، أو ما يحدث في البلدان العربية وحتى الأجنبية. سوريا عميقة التأثير في واقع…