أكّد لي مصدر رفيع ينقل مباشرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله: “أنا لا أثق بأيّ اتّفاق مكتوب مهما كانت لديه ضمانات دولية من أيّ قوى كانت”!
يعود الكلام المنسوب إلى رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو ليؤكّد: “ضمانتي الوحيدة في غزة ولبنان هو حقّ جيش الدفاع الإسرائيلي التدخّل الفوري برّاً وبحراً وجوّاً في حال تسرّب أيّ معلومات عن احتمال قيام أيّ من قوى حماس أو الحزب بتهديد أمن مواطني الدولة العبرية.”
عاد هذا المصدر ليؤكّد أنّه لمس من نتنياهو عدم ثقته بأيّ شكل من الأشكال بقوات اليونيفيل أو أيّ قوات حفظ سلام دولية أو أيّ منظّمات إغاثة دولية تابعة للأمم المتحدة.
لهذا يبدو أنّنا من الآن فصاعداً سوف نعيش حقبة الأمن الإسرائيلي الإقليمي، الذي يهندسه ويديره ويشرف عليه، بل وينفّذه، الجيش الإسرائيلي، مدعوماً من المؤسّسات الأمنيّة الإسرائيلية.
يبدو أنّنا من الآن فصاعداً سوف نعيش حقبة الأمن الإسرائيلي الإقليمي، الذي يهندسه ويديره ويشرف عليه، بل وينفّذه، الجيش الإسرائيلي
رسالة هوكستين… متطابقة
هذا المعنى نقله هوكستين إلى واشنطن في رسالتين:
- الأولى إلى البيت الأبيض والخارجية.
- والثانية إلى الفريق الانتقالي (من المرشّحين) الذي يعدّ نفسه لإدارة ملفّات الأمن القومي، أي مستشار الأمن القومي المرشّح، وزير الخارجية المرشّح، والسفير الأميركي لدى إسرائيل المرشّح.
هذه الرؤية هي تعبير صريح وواضح عن شعور بنيامين نتنياهو بفائض القوّة غير المسبوق الذي يجعله يشعر بأنّه “ملك إسرائيل غير المتوّج”، القادر على تغيير كلّ معادلات الأمن القومي للمنطقة.
ضرب الرأس والأذرع… وتغيير بالقوّة
يخطئ من يعتقد أنّ مهمّة نتنياهو العسكرية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023) محدّدة في الدفاع عن الدولة العبرية. بل إنّ نجاحه الكبير والأهمّ هو قدرته ومهارته الفائقة في التسويق السياسي لفكرة تعتمد على 3 عناصر:
- العدوّ في طهران وليس لدى حماس أو الحزب أو الحوثي أو الحشد الشعبي.
- الردّ المجهض يجب أن يكون مزدوجاً، بمعنى ضرب المصدر (إيران) والأذرع (اليمن، العراق، لبنان، غزة).
- لا بدّ من إحداث تغيير بالقوّة الفاشيّة للحدود القائمة والتجمّعات الديمغرافية التي تخلق بيئة متعاطفة مع إيران ووكلائها.
التغيير في الجغرافيا والديمغرافيا بالمفهوم الذي يؤمن به نتنياهو لا يكون إلّا بالقوّة المسلّحة التي لا تراعي أيّ قواعد اشتباك أو قوانين دولية، بهدف إحداث حالة من “الرعب المقلوب”، وما يسمّى بـ”the game changer”، أي النصر الجذري في قواعد اللعبة.
يجب أن تكون هناك قواعد تعايش هادئة ومستقرّة في الشرق الأوسط حتى يتمّ التفرّغ الاستراتيجي العالمي للأوضاع في جنوب شرق بحر الصين وتايوان وروسيا
لاءات نتنياهو الكبيرة
المعنى المباشر هو 4 عناصر رئيسية:
- غير مسموح أن تمتلك إيران قدرة نووية عسكرية.
- غير مسموح لإيران أن تلوّح أو تمارس أيّ ابتزاز سياسي إقليمي أو دولي بهذه القوّة النووية.
- غير مسموح لإيران أن تفرض هي أو وكلاؤها أوضاعاً إقليمية مضادّة لمصالح التحالف الإسرائيلي – الغربي المؤيَّد من بعض العواصم العربية .
- يجب أن تكون هناك قواعد تعايش هادئة ومستقرّة في الشرق الأوسط حتى يتمّ التفرّغ الاستراتيجي العالمي للأوضاع في جنوب شرق بحر الصين وتايوان وروسيا.
يُنقل عن مستشاري الرئيس المُنتخَب دونالد ترامب الذين يعدّون له إدارته الجديدة أنّ الرجل أعطى له تعليمات صريحة بأنّ إدارته المقبلة لن تتعامل أو تتفاوض مع Non state actor، أي أنّه لن يتعامل مع حركة أو ميليشيا، بل سيتعامل فقط مع دول كاملة السيادة .
من هنا يمكن فهم موقف ترامب الحالي والمقبل مع جهات مثل حماس أو الحزب أو الحوثي أو جماعة الإخوان.
أخطر ما جاء في التقويم الأميركي الأخير للوضع في لبنان وغزة أنّ إيران وحلفاءها لم يتكيّفوا ويتأقلموا مع متغيّرات رئيسية
أسلوب نتنياهو: القوّة بدل التّفاوض
يجب فهم أسلوب إدارة الأزمة التي يتبعها نتنياهو: “يبدأ بالقوّة الغاشمة غير عابئ بأيّ قوانين أو قيم متخطّياً كلّ الخطوط الحمر، جاعلاً خصمه مضطرّاً إلى قبول شروطه مهما كانت مستحيلة لأنّ الرجل يفرض بالقوّة الفعليّة ما لا يمكن تخيّله بأيّ نوع من أنواع التفاوض”.
في الحالة اللبنانية جمع بين حزمة من الأساليب:
- بدأت بالاغتيالات الفردية.
- ثمّ التصفيات الجماعية.
- ثمّ التدمير للبشر والحجر وخلق حالة من استحالة الحياة تؤدّي إلى نزوح جماعي للضغط على بيئة الحزب.
- بعد ذلك بدأت القوات الخاصة في تدمير القرى الحدودية من ساحل قضاء صور بعمق يراوح بين 3 و5 كلم كخطوة أولى.
إقرأ أيضاً: مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..
إيران تظنّ أنّها تنتصر
لكنّ أخطر ما جاء في التقويم الأميركي الأخير للوضع في لبنان وغزة أنّ إيران وحلفاءها لم يتكيّفوا ويتأقلموا مع متغيّرات رئيسية من مثل:
- أنّ هناك إدارة جديدة في واشنطن يقودها رئيس متشدّد.
- أنّ الآلة العسكرية لحماس قد انكسرت.
- أنّ قيادة الحزب، من الأمين العامّ إلى المجلس الجهادي إلى المجلس التنفيذي، إلى كبار القادة الميدانيين، قد تمّت تصفيتها.
- أنّ إيران وحلفاءها قد تمّ اختراقهم أمنيّاً من الداخل لأنّ الفجوة التكنولوجية كبيرة للغاية.
باختصار، فإنّ إيران وحلفاءها لم يتعلّموا حقيقة ما حدث منذ أكتوبر 2023. وما زالوا يريدون شروط المنتصر وجوائزه، بينما عليهم أن يقبلوا بواقعية شروط المهزوم.
لمتابعة الكاتب على X: