الحلّ السعودي؟

مدة القراءة 14 د

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ السلامِ مع الفلسطينيين. هذه خلاصة مقالة مشتركة نشرها في “فورين أفيرز” كلّ من رئيسة “برنامج البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط وأفريقيا” في “معهد الشؤون الدولية” في روما، ماريا فانتابي، وبدر السيف، أستاذ مساعد للتاريخ في جامعة الكويت وزميل مشارك في “تشاتام هاوس“.

 

على مدى العقد الفائت، وخصوصًا منذ توقيع اتفاقيات أبراهام في العام 2020، افتَرَضَت إسرائيل أنَّ قوّتها العسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية يُمكِنُ أن تشتري لها حلفاءً بين دول الخليج العربية. وفي الأشهر الأخيرة، تَوَصَّلَ المسؤولون الإسرائيليون أيضًا إلى الاعتقاد بأنَّ التصعيدَ من شأنه أن يقلبَ التوازُن الإقليمي لصالحهم: فقد تُجبِرُ حربٌ أوسع نطاقًا، بين إسرائيل وإيران ووكلائها، الدولَ العربية، وبخاصة المملكة العربية السعودية، على الانضمام أخيرًا وبشكلٍ كامل إلى الإسرائيليين.

اعتَقَدَ القادةُ الإسرائيليون أنه إذا اجتاحت الحرب الشرق الأوسط، فإنَّ ردودَ فعلِ طهران ووكلائها على استفزازات إسرائيل من شأنها أن تؤدّي إلى تآكل المصالحة الهشّة أصلًا بين دول الخليج وإيران، الأمر الذي يجعل هذه الدول، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، مُضطرةً للاعتماد على الضمانات الأمنية من الحليف الرئيس لإسرائيل، الولايات المتحدة. كان المسؤولون الإسرائيليون يعتقدون أنَّ معارضةَ الزعماء العرب للعمليات الإسرائيلية في غزة وجهودهم الديبلوماسية لدعم الفلسطينيين لم تكن في نهاية المطاف شاغلهم الأساسي. بل كانت مصلحتهم الذاتية هي الشاغل الرئيس. وبالتالي فإنَّ التصعيدَ من جانب الدولة العبرية من شأنه أن يؤكّدَ أنَّ إيران تُشَكّلُ التهديدَ الرئيس لجيرانها العرب، الأمر الذي لا يترك أمام دول الخليج خيارًا سوى التحالف بشكلٍ أوثق مع إسرائيل. وقد عَبَّرَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن هذه الحسابات علنًا في خطابه في الأمم المتحدة في أيلول، مُشيرًا إلى دول الخليج باعتبارها “شركاء السلام العرب” لإسرائيل. ودعا المملكة العربية السعودية إلى التحالف معها لمواجهة “مخططات إيران الشريرة”.

أصبح السعوديون في وَضعٍ فريدٍ من نوعه للمساعدة على وقف القتال الذي أحدث دمارًا هائلًا في مختلف أنحاء الشرق الأوسط

لكن أثبتت افتراضات إسرائيل أنها كانت على خطَأ. فحربَ إسرائيل في غزة والمنطقة الأوسع نطاقًا تدفعُ السعودية وإيران إلى التقارب. والعمليات الإسرائيلية استهدفت بالفعل بعض أعداء السعودية، مثل الحوثيين في اليمن والحزب في لبنان. لكنَّ احتمالَ اندلاعِ حربٍ شاملة في الشرق الأوسط ــ والهيمنة الإسرائيلية في المنطقة ــ وضع السعودية في موقفٍ هجومي. فقد أعادت الرياض التزامها بشكلٍ استباقي بقضية الدولة الفلسطينية وسعت إلى إبقاء خياراتها الاستراتيجية مفتوحة، والانخراط مع الولايات المتحدة من ناحية وإيران والصين من ناحيةٍ أخرى.

إسرائيل تدفع إيران للتقرّب من السعودية 

والتصعيدَ الإسرائيلي ضد إيران ووكلائها من شأنه أن يضغط على طهران، خوفًا من العزلة، لتكثيف محادثاتها الأمنية مع الرياض، وربما تقديم ضمانات أمنية أكثر جرأةً لدول الخليج. وبالنسبة إلى السعودية، فإنَّ مثلَ هذه الضمانات أكثر أهمّيةً من أيِّ معلوماتٍ استخباراتية يمكن أن تُقدّمها إسرائيل ضد الهجمات الإيرانية.

وبالنسبة إلى واشنطن، قد يبدو التقارب السعودي مع إيران بمثابة نَبَإٍ سيِّئ. فالمسؤولون الأميركيون أمضوا سنواتٍ في الضغط على إسرائيل والسعودية لتطبيع العلاقات. لكن ينبغي للولايات المتحدة أن تُرَحِّبَ بتحوُّلِ الرياض. وإذا تمكّنت السعودية من إقامةِ علاقاتِ عملٍ مع كلٍّ من إيران وإسرائيل، فإنها تستطيعُ أن تلعبَ دورًا جديدًا ومُفيدًا في تخفيف التوترات في الشرق الأوسط. ويمكنها أن تعملَ كوسيطٍ بين الأطرافِ المُتنافسة، وربما تضعُ حدًّا لتبادُل القصف الصاروخي الحالي بين إيران وإسرائيل. لقد قلبت أحداث العام الماضي الخطوط الحمراء الراسخة، ومعايير الردع، وقواعد الاشتباك التقليدية بين الأعداء، والرياض في وَضعٍ قوي فريد من نوعه لتوليدِ نظامٍ إقليميٍّ أفضل.

قبل كل شيء، ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تخدم الجميع

هوية خاطئة… وأهداف إسرائيل

إنَّ استعراضَ إسرائيل الأخير للقوّةِ العسكرية له ثلاثةُ أهدافٍ رئيسة:

– إضعافُ إيران ووكلائها.

– إظهارُ قيمة إسرائيل كحليفٍ للدول المجاورة الأخرى.

– وإجبارُ السعودية على تطبيع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل من خلال التأكيد على اعتماد الرياض الأمني ​​على واشنطن.

كان المسؤولون الإسرائيليون يأملون أن يؤدّي انعدامُ الأمن الإقليمي المُتزايد إلى الضغط على السعودية لإجبارها على الاعتمادِ بشكلٍ أكبر على الضمانات الأمنية التي تُقدّمها الولايات المتحدة. وهي الضمانات التي أصبحت، حتى الآن، مشروطة باستعدادِ الرياض لتطبيع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل في نهاية المطاف.. فقد بدا أنَّ الأحداث في الربيع الماضي تدعم هذا الحساب أو التوقع: فمع إطلاق إيران الصواريخ والطائرات المُسَيَّرة على إسرائيل، تعاونت الأردن ودول الخليج الأخرى مع الولايات المتحدة لاعتراضها. ما أعطى الانطباع بأنَّ التعاونَ العسكري المُتَضافِر بين إسرائيل ودول الخليج كان في الأفق أخيرًا. في ذلك الوقت، بدا أنَّ التصعيدَ ضد إيران قد حقّقَ نتائجَ لإسرائيل. من خلال توسيع الحرب إلى ما هو أبعد من غزة، استفزّت إسرائيل إيران إلى الاستجابة المباشرة. ما دفع دول الخليج إلى السعي إلى مزيدٍ من الحماية تحت مظلة الأمن الأميركية.

 سعى القادة السعوديون إلى إظهار قدرتهم على تنظيم حُلفاءِ الفلسطينيين من خلال استضافة القمة العربية الإسلامية المشتركة الاستثنائية

وعلى الرُغمِ من أنَّ السعودية تبذلُ جهودًا منذ سنوات لاستعادة العلاقات مع إيران، بما في ذلك اتفاق آذار 2023 الذي توسّطت فيه الصين، فإنَّ المسؤولين الإسرائيليين كانوا دائمًا مُتَشَكِّكين في جدّية هذه الإيماءات. فإيران، بعد كل شيء، تدعَمُ الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تُهدّدُ المصالح السعودية. كما انتقدت إيران مرارًا وتكرارًا المملكة ودول الخليج الأخرى بسبب افتقارها إلى الدعم اللازم لإقامة دولة فلسطينية. ومن عجيب المفارقات أنَّ المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين كثيرًا ما صَدَّقوا انتقادات إيران، وشكّكوا في التزام السعودية بالدولة الفلسطينية وافترضوا، على وجه الخصوص، أنَّ قادةَ الخليج الأصغر سنًّا لا يتعاطَفون كثيرًا مع مُعاناةِ الفلسطينيين. وعلى مدى العام الفائت من الحرب، ربما لعبت القراءة الانتقائية لأفعال دول الخليج دورًا في هذا الافتراض. فبالنسبة إلى الكثيرين، بدا أنَّ البحرين والإمارات العربية المتحدة، من خلال الاحتفاظ بعلاقاتهما الديبلوماسية مع إسرائيل، كانتا تظهران بالفعل أنهما تُعطيان الأولوية لأمنهما القومي على الدولة الفلسطينية.

وبدا أيضًا أنَّ السعودية، من خلال التفاوض على اتفاقيةِ دفاعٍ مع الولايات المتحدة لم تُغلِق الباب أمامَ التطبيع مع إسرائيل.

قراءة إسرائيل الخاطئة للسعودية

لكنَّ قراءةَ إسرائيل للمملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، أساءت فهمَ الاستراتيجية الشاملة للبلاد. لم يكن سعي السعودية إلى تحقيقِ مصالحها الوطنية ودعمها لدولةٍ فلسطينية مستقلّة مُتَعارِضَين. كان كلاهما جُزءًا من استراتيجيةٍ مُجَزَّأة بدأت بصفقةِ الدفاع بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي أعقبتها مناقشة حول الدولة الفلسطينية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية. وعلى الرُغمِ من أنَّ أولوية السعودية كانت تجنيب أراضيها الصراع، إلّا أنَّ القادةَ السعوديين يعتقدون أنهم يجب أن يقودوا المنطقة ويدعموا الدولة الفلسطينية لضمان أمنهم الوطني. كما إنَّ الدفاعَ عن الدولة الفلسطينية يمنحُ الرياض فرصةً لتوحيد الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي – البحرين والكويت وعُمان وقطر والإمارات – في التحوُّط بين إيران وإسرائيل. كما يساعد المملكة على تجديد دورها كقوةٍ إقليمية وعالمية.

تُريدُ السعودية أن تُصبِحَ عاملَ استقرارٍ رئيس في الشرق الأوسط

تُريدُ السعودية أن تُصبِحَ عاملَ استقرارٍ رئيس في الشرق الأوسط. ولتحقيق هذه الغاية، تركت الرياض خلال العام الماضي خياراتها السياسية مفتوحة. فاستمرّت في التعامل مع المسؤولين الأميركيين بشأن التطبيع مع إسرائيل مُقابل اتفاقية دفاع أميركية-سعودية، لكنها ربطت التطبيع بإقامةِ دولةٍ فلسطينية. واستمرَّت في الحديث مع إيران. وقد أتى هذا النهجُ المُتَعَدِّد الأوجه بثماره. ففي آب أقنعت الرياض واشنطن برفع حظرها الذي دام ثلاث سنوات على بيع الأسلحة الهجومية للمملكة من خلال الاستفادة من احتمال التطبيع مع إسرائيل. لكن من خلال الاستمرار في التعامُل مع طهران، تمكّنت الرياض من تأمين ممرٍّ آمنٍ للسفن السعودية التي تمرُّ عبر البحر الأحمر وحماية المنشآت النفطية السعودية من هجمات الجماعات التابعة لإيران.

وقد اتبعت دولُ الخليج الأخرى استراتيجيةً مُماثلة، حيثُ عملت على تحييد المخاطر الأمنية والاستفادة من الفُرَص التي يُوفّرها الصراع الإقليمي لتعزيز مكانتها. وقد فعلت قطر ذلك من خلال التوسُّط بين “حماس” وإسرائيل. وواصلت سلطنة عُمان وساطتها مع الحوثيين. واستخدمت دولة الإمارات المقعد الدوري الذي حصلت عليه في العام 2022 في مجلس الأمن الدولي للدفع باتجاهِ قراراتٍ تدعو إلى وقف إطلاق النار لأسبابٍ إنسانية في غزة. واستغلّت علاقاتها مع إسرائيل لتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع والتفاوض على خطة اليوم التالي.

السعودية تزيد انتقاداتها لإسرائيل

لكن مع توسُّعِ الصراع في المنطقة، كانت سياسة السعودية مُعَرَّضة لخطر النتائج العكسية، فغيّرت البلاد مسارها. فقد أظهرت عمليات إسرائيل المُكثّفة في غزة وهجماتها في لبنان، إلى جانب تبادُلات الهجمات الجديدة بين إيران وإسرائيل في أيلول  وتشرين الأول، أنَّ الولايات المتحدة غير قادرة أو غير راغبة في كَبحِ جماحِ إسرائيل. كما كشفت هذه التصعيدات عن مدى تصميم إسرائيل على استخدام القوة العسكرية الخام لتأكيد تفوُّقها في المنطقة وكشف نقاط الضعف الأمنية في المملكة العربية السعودية، ما أدّى إلى تضييق الخيارات الاستراتيجية للرياض.

السعودية، من خلال التفاوض على اتفاقيةِ دفاعٍ مع الولايات المتحدة لم تُغلِق الباب أمامَ التطبيع مع إسرائيل

منذ أيلول، بدأت السعودية التحوُّلَ من الديبلوماسية الهادئة خلف الكواليس إلى انتقاداتٍ عامة أكثر قوّةً لإسرائيل ودعم الدولة الفلسطينية. ويُظهِرُ القادة السعوديون أنهم ليسوا على استعدادٍ للوقوع في تحالُفٍ حصري مع الولايات المتحدة، وبالتالي مع إسرائيل، من شأنه أن يمنعهم من تشكيل تحالفات أخرى. في خطابٍ رئيس ألقاه في أيلول أمام مجلس الشورى، الهيئة التداولية التي تقدم المشورة للعاهل السعودي، صرّحَ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان علنًا بأنَّ التطبيعَ مع إسرائيل سيكون مشروطًا بإنشاءِ دولةٍ فلسطينية مستقلة. وفي مقالٍ نشرته صحيفة “فاينَنشال تايمز” في أوائل تشرين الأول، كرّرَ وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان هذه الرسالة.

من ناحية أخرى، سعى القادة السعوديون إلى إظهار قدرتهم على تنظيم حُلفاءِ الفلسطينيين من خلال استضافة القمة العربية الإسلامية المشتركة الاستثنائية بشأن العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في تشرين الثاني 2023، والتي جمعت ممثلين من أكثر من 50 دولة ودعت إلى إنشاء دولة فلسطينية. كما وسعوا جهودهم إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط، حيث أطلقوا في أيلول التحالف العالمي لتنفيذ حلّ الدولتين، والذي من المقرر أن يجتمع مرة أخرى في بروكسل في أواخر تشرين الثاني الحالي. هكذا تكون السعودية قد أنشأت على مدى الأشهر الماضية مجموعةً من التحالفات والأحلاف المتعددة الأطراف الجديدة مع دول أخرى تدفع نحو إنشاء دولة فلسطينية.

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ السلامِ

كما دُفِعَت قضية الدولة الفلسطينية إلى مستوى غير مسبوق من التنسيق بين دول الخليج (بما فيها المملكة العربية السعودية) وإيران. ففي الثالث من تشرين الأول، رحّبت قطر بالرئيس الإيراني المُنتَخب حديثًا مسعود بزشكيان في قمّة حوار التعاون الآسيوي. حيث عزّزَ زعماء مجلس التعاون الخليجي تضامنهم مع الفلسطينيين وأدانوا العدوان الإسرائيلي. وفي اليوم نفسه، استضاف مجلس التعاون الخليجي اجتماعًا وزاريًا مشتركًا غير رسمي نادرًا بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، وهو الأول منذ أكثر من سبعة عشر عامًا. حيث أكد الأعضاء عدم رغبة دول الخليج في السماح باستخدام أراضيها ومجالها الجوي لشنِّ هجماتٍ ضد إيران. حتى أنَّ نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد أعلن أخيرًا أن دولة الإمارات “ليست مُستَعدّة لدعمِ” التخطيط لليوم التالي لقطاع غزة “من دونِ إقامةِ دولةٍ فلسطينية”.

السعودية لن تقبل أقلّ من دولة فلسطينية 

تعتمد إسرائيل على الأمل في أن تؤدي تصعيداتها إلى قَلبِ ميزان القوى الإقليمي. وهي تُراهِنُ على أنَّ الولايات المتحدة سوف تنجذب في نهاية المطاف إلى هذه الديناميكية. ما يؤدّي إلى إضعافِ إيران ومستقبلٍ مُستَقرٍّ في الشرق الأوسط يرتكزُ على التحالفات بين إسرائيل ودول الخليج. ربما كانت هذه الرؤية هي الأساس لتطوير اتفاقيات أبراهام. لكن بعد خمس سنوات، لم تَعُد قادرةً على توجيهِ منطقةٍ مُتَغَيِّرة بشكلٍ عميق. أصبحت إسرائيل أكثر استعدادًا الآن مما كانت عليه آنذاك لاستخدام العنف لتعزيز ردعها. تعتمد السعودية بشكلٍ أقل على الولايات المتحدة، بعد تنويع ارتباطاتها من خلال تعزيز علاقاتها مع الصين وتكثيف المحادثات الأمنية مع إيران. لم يعد من الممكن التغاضي عن قضية الدولة الفلسطينية. ولا يمكن تحقيق الدولة الفلسطينية من خلال معاملة بين إسرائيل ودول الخليج فحسب؛ فقد أصبحت قضية عالمية تقودها االرياض وتدعمها مجموعة واسعة من البلدان، بما في ذلك إيران.

تعتمد إسرائيل على الأمل في أن تؤدي تصعيداتها إلى قَلبِ ميزان القوى الإقليمي

ورُغمَ أنَّ الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب قد يُحاولُ السعي إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل على غرار اتفاقات أبراهام، فإنَّ الرد المتوقّع من الرياض على ذلك سيكون من خلال الترويج لحلِّ الدولتين على الفور، قبل التطبيع. وقد يُخَيِّبُ هذا آمالَ ترامب، ولكن الولايات المتحدة ينبغي لها أن تُرَحِّبَ بمثل هذا الجهد السعودي كوسيلةٍ لإنهاءِ الصراع الذي يُحيطُ بالمنطقة حاليًا. فيما النوعَ الجديد من التوازُن الذي بدأت السعودية ودول الخليج السعي إلى تحقيقه يجعلها في وضع أفضل على نحوٍ متزايد لخفض التوتّرات الإقليمية. فقد وضعت نفسها في موقفٍ مقبولٍ لدى جميع الجهات الفاعلة الإقليمية، وهو موقف لا تتبنّاه أو تتمتّع به إيران ولا إسرائيل.

ولكي تُحافظ الرياض على استراتيجيتها، فسوفَ يَتعيَّنُ عليها انتزاع ضمانات أمنية من طهران، مثل معاهدة عدم اعتداء مُتبادَل. ومن الممكن أن تستخدمَ هذه الضمانات بعد ذلك لدفع إسرائيل إلى الاعتراف بأنَّ استراتيجيتها التصعيدية تأتي بنتائج عكسية من خلال تعزيز العلاقات بين دول الخليج وإيران وتقليص احتمالات التطبيع مع السعودية. ومن الممكن أن تساعد جهود الرياض لتنسيقِ موقفٍ مُتماسِكٍ لمجلس التعاون الخليجي بشأن الدولة الفلسطينية في تهدئة التوترات الإقليمية من خلال الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا وقوى مثل الصين وروسيا لدعم نهجها لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط. ومن الممكن أن يؤدّي هذا النوع من الدعم الواسع النطاق في نهاية المطاف إلى إطارٍ للتعايش بين إسرائيل وإيران مع دول الخليج كوسطاء. وهو النموذج الذي يتطلب من إسرائيل وقف هجماتها الاستفزازية ومن إيران كبح جماح ردود أفعالها الانتقامية.

وقبل كل شيء، ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تخدم الجميع. فهي قادرة على إضعاف قوة إيران، كما يمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صنع السلام مع الفلسطينيين. وبهذا، أصبح السعوديون في وَضعٍ فريدٍ من نوعه للمساعدة على وقف القتال الذي أحدث دمارًا هائلًا في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

 

*نقلاً عن أسواق العرب

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…